من الصعب أن نرى كيف يمكن لنقد لاذع أن يهدأ هذا الجانب من التصويت في تركيا، ولكن بالنسبة للرئيس فتلك مشكلة ليوم آخر
منذ محاولة الانقلاب العسكري عام 2016، استغل أردوغان التهديدات المستمرة للدولة. صورة: تولغا بوز أوغلو / وكالة حماية البيئة
إنه علامةٌ على تخليّ تركيا عما كان أولويةٌ دبلوماسية بارزة لها – عضوية الاتحاد الأوروبي – بحيث أنّ رجب طيب أردوغان صار على استعدادٍ لأن يدخل في خلافٍ دبلوماسيّ لاذع مع أوروبا.
أثار الرئيس التركي غضب أنجيلا ميركل ومارك روت، وهما من أكثر القادة الليبراليين للاتحاد الأوروبي، باستحضاره ماضي النازية والخوف من الإسلام، كما ذكَّر الأتراك أيضًا بالدور الهولندي في مذبحة سربرنيتشا.
قد يكون الضرر الخارجي على المدى الطويل، ولكن يبدو أن أردوغان على استعداد لتجاهله أو يقلّل من أهميته، فأولوياته الآن وبالمدى المنظور، متركزة تمامًا على الوضع الداخلي.
بعد انهماكه في معركةٍ فرضها على نفسه من أجل البقاء السياسي، راهن أردوغان على الفوز بالاستفتاء في 16 نيسان/ أبريل، ويسعى لتحويل تركيا من نظامٍ برلماني إلى نظام رئاسة تنفيذية، ومن شأن التصويت بنعم أن يعطيه سلطاتٍ استبدادية أدانها هذا الأسبوع مجلس التحقيق الأوروبي، كونها سلطاتٍ مفرطةً.
منذ محاولة الانقلاب العسكري في الصيف الماضي، استغل أردوغان، وهو السياسي البارع، التهديدات المستمرة للدولة – الحقيقية والمُتخيّلة – لإقناع الشعب التركي أنّه يحتاج إلى نوعٍ مختلفٍ من الديمقراطية.
لقد قدمت له التفجيرات التي نفذتها الدولة الإسلامية، وحزب العمال الكردستاني الانفصالي (PKK)، فضلًا عن شبكة ما يسمى الغولانيين الذين يحملهم أروغان محاولة انقلاب، جهات ثلاث تخريبية جاهزة، ما يتطلب من البلاد أنْ تفرض شخصيةً أكثر قوةً في سدة الحكم.
أردوغان يقطرُ ثقةً بعد إطلاق حملته الانتخابية في كانون الثاني/ يناير. “إنه من السابق لأوانه أن نعرف نتائج الانتخابات التي نحضر لها الآن” قال: “ولكن اسمحوا لي أنْ أقول لكم الآن هذا: نرى أنَّ شعبنا قد استعدَّ لفكرة وجود رئيسٍ حزبي. في الواقع، لو لم نكن على يقين من ذلك، لما كنا شرعنا في هذا العمل [دعم الاستفتاء] “.
وقد تعززت ثقته بمعرفة أنّ لديه آلةً دعاية ضخمة مع رسالةٍ واحدة: “من أجل تركيا قوية، صوّت بنعم.”
في مثل هذه الأحوال قد يكون من المتوقع أنَّ مسار أردوغان نحو رئاسة إمبراطورية بالكاد أن يكون ثقيلًا، لكن استطلاعات الرأي تكشف أن الأمر ليس كذلك.
على الرغم من التقلب، فقد أظهر الناخبون الأتراك أنهم منقسمون على نطاقٍ واسع، فنحو 40 في المئة مع التغييرات، و40 في المئة ضدها، و20 في المئة لم يقرروا بعد. الهزيمة لا يمكن تصوّرها – إهانةٌ لرجل يشعر أنّ أوروبا لم تردُّ الجميل بما يكفي على كلّ جهدِ تركيا في منح ملاذٍ آمنٍ لملايين اللاجئين السوريين.
صعوبة الحملة، جعلت حزب العدالة والتنمية الحاكم (AKP) يتطلع إلى الأتراك المقيمين في أوروبا، وعددهم 4 ملايين، وكثير منهم من حاملي الجنسية المزدوجة، ولهم الحق في التصويت. وكان لدى قادة الحزب سبب للاعتقاد بأن الأتراك في ألمانيا مؤيدين لأردوغان: في تشرين الثاني /نوفمبر عام 2015، عندما أعطى الشعب التركي أردوغان آخر ولاية له في الانتخابات الوطنية، كان قد دعم حزب العدالة والتنمية بين الناخبين الأتراك في ألمانيا 60 في المئة – وهي أعلى بـ 10 في المئة مما كانت عليه النسبة في تركيا.
تحتج السلطات التركية أنّه من الطبيعي بالنسبة للسياسيين السفر إلى الخارج؛ بحثًا عن الأصوات بين تجمعات المغتربين، ففي الشهر الماضي، كان إيمانويل ماكرو، مرشح الرئاسة الفرنسية، في لندن يتودد إلى الناخبين الفرنسيين المقيمين في بريطانيا.
تنظر تركيا إلى الحظر المفروض على ساستها في تنظيم تجمعاتٍ، وهو ما بدأ في ألمانيا على المستوى المحلي، ولكن كان مدعومًا من النمسا، ثم من هولندا، بوصفه علامةً على أن الخوف من الإسلام، قد كسب المناظرة في أوروبا.
بعد فرض الحظر الألماني الأول، صعّد حزب العدالة والتنمية على الفور الخطاب الاتهامي، والتهديد بالانتقام، إلى مستوى أكثر انفعالية، وصوّر تركيا، وحملة نعم، ضحايا مؤامرة، وشجب وزير العدل، بكير بوزداغ K”مرض الألمان الماضي”، وفي الوقت نفسه، أدان ما يُعتقد أنّه “الممارسة الفاشية”، واتهم وزير الاتحاد الاوروبي في تركيا، عمر جيليك، النمساويين “باستخدام لغة العنصريين الأوروبيين”.
وبحلول نهاية الأسبوع، وسط خلافات مثيرة مع الهولنديين، وصل أردوغان نفسه إلى ذروته: “اعتقدت النازية انتهت، لكنني كنت مخطئًا، في الواقع، ما تزال النازية على قيد الحياة في الغرب.”
وغنيٌّ عن القول، لم يكن المستهدفون مسؤولين أوروبيين في بروكسل، وبرلين أو لاهاي، ولكن الأتراك في الشتات، والجمهور المحلي، إذ اتهمت الصحافة التركية الشرطة الهولندية بالتصرف مثل البلطجية.
خيرت فيلدرز، اليميني المتطرف، زعيم حزب الحرية، في حملته قبل الانتخابات الهولندية الأربعاء 15 آذار/مارس، انتهز الفرصة، مدعيًا أنَّ المواطنين الذين يحملون الجنسية الثنائية، الهولندية والتركية، “لا ينتمون إلى هولندا”، وبدأ الشعبويون في أوروبا بتغذية خطابٍ مقابل الخطاب التركي، والعكس بالعكس.
في الوقت الحاضر من الصعب أن نرى كيف يمكن للنقد اللاذع أن يهدّئ هذا الجانب من الاستفتاء. ولكن، بالنسبة إلى أردوغان، فهو مشكلةٌ ليوم آخر.
اسم المقالة الأصلي | Why is Erdoğan picking a fight with the EU over the Turkish referendum? |
الكاتب | باتريك وينتور، Patrick Wintour |
مكان النشر وتاريخه | الغارديان، The guardian، 14/3 |
رابط المقالة | https://www.theguardian.com/world/2017/mar/14/erdogan-turkey-referendum-diplomatic-row |
ترجمة | أحمد عيشة |
تعليق واحد