بعد أن فترت همّة ملك الغابة، وقد بلغ من الكبر عتيًا، جمع أعيان حيوانات الغابة يستشيرهم في أمر ولاية العهد قائلًا:
– ها أنذا قد كبرت، ولم تعد أظفاري تساعدني في الافتراس. ولا بد من اختيار من يصلح لولاية العهد. فاجتمع لديه النمر والفهد والذئب والثعلب والضبع، فيما كان الشبل ابن الأسد يلهو مع أترابه.
بدأ النمر الحديث مشيدًا بجهد الأسد في التأسيس لشريعة الغاب، حينما أعلن أنه لا حياة في هذه الغابة إلاّ للافتراس. فمن لم يستطع أن يحصل على رزقه بقوّة أنيابه وأظفاره، فليمت جوعًا.
ثم عبّر النمر عن شكره وامتنانه للأسد في أنه أطلق لجميع الحيوانات -دون استثناء- الحرية الكاملة للافتراس بلا قيد أو شرط. فحرية الافتراس مصونة بحسب شريعة الغاب، وهي الشرط المهم والضروري لاستمرار الحياة في الغابة.
وختم النمر مداخلته بالقول: إن خير من يصلح لقيادة مسيرة حيوانات الغابة، بعد عمر طويل لجلالة الملك، هو الشبل. فهذا الشبل من ذاك الأسد، كما يقولون. وهل يجرؤ أحد من حيوانات الغابة أن يتصدّى لهذه المهمّة النبيلة الشريفة غير الشبل الذي تربّى على الفتك على يديّ والده، وفي عرينه، ومن شابه أباه فما ظلم.
بعد أن أنهى النمر مداخلته قام الفهد والذئب والضبع فأثنوا على مداخلة النمر، وقالوا: لم يترك النمر من زيادة لمستزيد. لقد عبّر عمّا في نفوسنا من تقدير وإجلال للأسد وسمو شبله المفدّى.
وقبل أن ينفضّ المجلس توجّه الأسد إلى الثعلب قائلًا:
– جميعهم تكلموا يا أبا رغال إلا أنت، فماذا تقول؟ فقال الثعلب:
– وماذا عسى أن أقول يا مولاي بعد الذي قالوه؟ قال الأسد:
– لا بد أن تتكلم. فقال الثعلب:
– إن كان ولا بدّ فدعني أسأل الشبل المفدّى بعض الأسئلة كي أختبر أهليته لقيادة المسيرة.
نادى الأسد ابنه الشبل الذي كان يلهو مع أترابه، فتقدم منه الثعلب قائلًا:
– إذا توليت أمر الغابة بعد مليكنا -أطال الله عمره- وثارت عليك السباع تنازعك الملك؛ فماذا أنت فاعل؟ قال الشبل:
– أسلط عليهم جماعة النمور. قال الثعلب:
– فإذا عجزت جماعة النمور؟ قال:
– أسلط عليهم جماعة الفهود. قال:
– فإذا عجزت جماعة الفهود؟ قال:
– أسلط عليهم جماعة الذئاب. قال:
– وإذا عجزت جماعة الذئاب؟ قال:
– عندئذٍ لم يبق لدي سوى أن أسلّط عليهم الكلاب.
فتوجّه الثعلب إلى الأسد ملك الغابة وقال له:
– الآن تأكّد لي يا مولاي أنّ سموّه أسد ابن أسد، وذاك الشبل من ذاك الأسد.