أدب وفنون

العداء الإيراني الأميركي وهم

يرى الباحث العراقي د. محمد طالب حميد، أن هناك التقاء بين “الجمهورية الإسلامية الإيرانية” والولايات المتحدة الأميركية، في كل ما يتعلق بالمنطقة عمومًا، والعراق خصوصًا، وهذا الالتقاء ليس هدفًا مرحليًا، بل لأهداف حيوية بعيدة المدى لكليهما، مبنية على أسس وتفاهمات واضحة. ويتساءل إذا كان هناك توافق إيراني- أميركي، فبماذا نُفسّر التحركات الأميركية ضد البرنامج النووي الإيراني، والتحركات الإيرانية في المنطقة؟ وقال “إن هذه التحركات تفيد في إيهام أطراف إقليمية ودولية للحصول على مكاسب للطرفين، ذلك في إظهار حال من العداء بين أميركا وإيران، يوهم بعض الدول العربية ويجعلها أكثر حرصًا على التحالف مع الولايات المتحدة وبقاء القواعد العسكرية في منطقة الشرق الأوسط… إضافة إلى أن استمرار العداء المُعلن بين هذين البلدين يجعل المنطقة ملتهبة، ويرفع درجة التوتر، ويدفع الدول الصناعية الكبرى لتكون أكثر التصاقًا بأميركا لحماية مصالحها الاقتصادية في المنطقة، ولضمان تدفق النفط إلى مصانعها واقتصادها.

كل هذه الآراء ترد في كتابه “العلاقات الإيرانية- الأميركية… توافق أم تقاطع”، الصادر عن دار العربي بالقاهرة، ويؤكد فيه على أن إيران تسعى إلى تحقيق عدة أهداف من خلال القضية الفلسطينية، فهي من جهة تحاول الضغط على الولايات المتحدة من خلال هذه القضية لترك المجال لها للانفراد، وبالهيمنة على المنطقة من خلال تبني القضية المركزية، أو هكذا توصف لهذه الدول، ومن جهة أخرى تحاول نزع اعتراف من الدول العربية وعلى وجه الخصوص دول الخليج العربي، بالقيادة والريادة الإيرانيتين في التصدي والدفاع عن أهم قضية مركزية لدول المنطقة، وعلى الرغم من التوافق غير المعلن للأهداف الاستراتيجية للإدارتين الإيرانية والأميركية (طبقًا للنظرة التحليلية) إلا أنه من الطبيعي أن يشتد بعد ذلك الصراع بين الطرفين على اقتسام الهيمنة والتنافس على حصة أكبر من الغنيمة والعمل في إضعاف كل منهما للآخر في مناطق النفوذ.

ويؤكد حميد في كتابه على أن الأمن الوطني العراقي يتأثر إلى حد كبير بطبيعة العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، كونهما اللاعبين الرئيسين في التفاعلات الداخلية في العراق، على النحو الذي يؤكد أن العامل الخارجي أكثرها تأثيرًا في الشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية في العراق. مُذكّرًا بأن العراق لم يهنأ بالأمن والاستقرار المنشودين، على النحو الذي وعدت به إدارة الرئيس بوش الابن، بعد احتلال العراق، إذ لم تنجح الاستراتيجية الأميركية في ظل التطورات الإقليمية الحادة بعد عام 2003 بإدارة التحولات والأزمات والتعاطي مع كثير من الملفات بفاعلية، بلِ شكّلت السياسة الأميركية ذاتها عاملًا أساسيًا من عوامل الاضطراب والفوضى، ليس في العراق فحسب، وإنما في كثير من المناطق الجيوستراتيجية في العالم.

وعرض في هذا الصدد ما يذهب إليه كثيرون بأن العراق، الدولة المركزية القوية -قبل الاحتلال الأميركي-، ليست هي الدولة العراقية الحالية، وبغض النظر عن التقييم السلبي لنظام صدام حسين، فمن الواضح أن تصاعد النغمة المذهبية والعرقية قد أدى إلى نوع من التباين بين مكونات المجتمع العراقي، فيما يتعلق بعناصر ومتطلبات الأمن الوطني العراقي. ومن الواضح أن العراق بعدما كان طرفًا فاعلًا في التطورات الإقليمية له سلبياته وإيجابياته، بات حاليًا ميدانًا لقوى إقليمية ودولية متنافسة وورقة مساومة في قضايا الخلاف بين تلك القوى وبما يتجاوز المصالح العراقية ومتطلبات الأمن الوطني العراقي في أحيان كثيرة. لا يختلف الكثيرون في حقيقة أن الأمن الوطني العراقي يتأثر إلى حد كبير بطبيعة العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأميركية كونهما اللاعبين الرئيسين في التفاعلات الداخلية في العراق على النحو الذي يؤكد أن العامل الخارجي الأكثر تأثيرًا في الشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية في العراق.

وأشار إلى أنه في ظل ذلك التداعي وجدت إيران لنفسها فرصة ذهبية لبسط نفوذها وهيمنتها إقليميًا، على خلاف ما كان متوقعًا، وحسنت من وضعها الاستراتيجي ومصالحها القومية بعد احتلال العراق، وكان ذلك إدراكًا تاريخيا واستثنائيًا من أنها تمتلك معظم القوة والتأثير التي تستطيع من خلال تفعيلها أن تحقق معظم طموحاتها، دون خوف أو تردد من أي مواجهة محتملة. وقد أكد على نجاح تلك القراءة السليمة عاملين أساسيين يتمثل الأول في غياب العدو الأساسي وهو نظام صدام في العراق، الذي يكنّ لإيران كراهية من نوع خاص. أما العامل الثاني غير المتوقع، فهو التراجع الخطر في قدرة القوات الأميركية المحتلة على بسط الأمن في العراق، وتحقيق الاستقرار فيه، كذلك عدم قدرتها أيضًا في تفادي الخسائر المادية والبشرية الجسيمة التي كان لإيران دورًا بارزًا وخطيرًا فيها، على مستوى المواجهة غير المباشرة بينها وبين الولايات المتحدة في الساحة العراقية.

ولفت حميد إلى أن ذلك فتح الباب على مصراعيه أمام إيران للامساك بزمام الأمور وفق سياسة واضحة، استطاعت من خلالها أن تمتلك أوراق تأثير في التفاعلات في المنطقة، وقد استطاعت عبر عدد من وسائل نسج علاقات عميقة، ليس مع كثير من الأطراف في العملية السياسية العراقية فحسب، وإنما أيضًا مع كثير من الأطراف الإقليمية الأخرى، التي تتماثل معها في النظرة إلى الوجود العسكري الأميركي في العراق، فوظّفت في سبيل ذلك كثيرًا من الإمكانيات والقدرات المادية لتأكيد حضورها المؤثر في مواجهة إقليمية ضد الولايات المتحدة. ولم تنجح هذه الأخيرة في فرض طوق من العزلة على إيران التي استطاعت كسر تلك العزلة، وسعت لبناء علاقات طبيعية مع دول الخليج والدول العربية الأخرى، عبر فتح قنوات عديدة للحوار والتفاهم وإظهار رغبتها في بناء علاقات متينة، لاسيما في القضايا ذات السمات المشتركة بينها وبين دول الخليج، وخاصة موضوع الأمن الإقليمي، بعيدًا عن المشروعات الأميركية، ولم تنجح محاولات الولايات المتحدة تعميق هاجس الخوف الخليجي من إيران، وخاصة المخاوف من مستقبل البرنامج النووي الإيراني.

وأوضح أن ما ساعد في تأكيد دور إيران في الشأن الإقليمي بصورة عامة، والشأن العراقي بصورة خاصة، هو التوجّه الأميركي لإتاحة الفرصة لإيران للمشاركة في تحقيق الاستقرار في العراق، ويكشف عن ذلك تقرير بيكر/ هاملتون في عام 2006، الذي شدد على ضرورة إشراك إيران في مفاوضات مباشرة بينها وبين الولايات المتحدة، لوضع ترتيبات إقليمية لغرض الخروج بنتائج إيجابية على مستوى الوضع الأمني في العراق، وما شهده من تراجع خطر، وعلى مستوى إمكانية الانسحاب الأميركي منه تفاديا لانهيار عسكري أميركي محتمل، وما تستبطن التفاهمات المباشرة والسرية بين إيران والولايات المتحدة من هواجس تتعلق بمستقبل دول الخليج، والخوف من أن تقع ضمن ترتيبات التفاهمات الثنائية. وقد استغلت إيران ملمح القلق ذلك فلامست في خطابها الرسمي عبر كثبر من المناسبات وعلى لسان كبار مسؤوليها، ملامح الدور الفعلي الذي ينبغي على إيران القيام به، وأعربت عن ذلك بوصفها القوة الإقليمية الناظمة لميزان القوى والاستقرار، ثم حاولت التعاطي مع إدارة الرئيس باراك أوباما الذي أبدى احتراما وتقديرًا لماضي إيران التاريخي، واتسمت بداية إدارته للولايات المتحدة بالانفتاح على العالم الإسلامي واحترام خصوصيات الشعوب الإسلامية ونهجها في اختيار أنظمة الحكم والخيارات السياسية، بعيدا عن لغة الحرب الاستباقية التي اعتمدها الرئيس السابق بوش الابن.

وأضاف حميد أنه اتضح -في ما بعد- أن دواعي الانسحاب العسكري الأميركي من العراق هو انسحاب من معظم الشؤون الإقليمية الشرق أوسطية، ومن ثم؛ تصاعدت -وفقًا لذلك- نبرة الدعوة الإيرانية لإنشاء منظومة أمنية خليجية تتكفل باستقرار الأمن في المنطقة، بما فيها الأمن المضطرب في العراق. وقد تبع ذلك عدة لقاءات بين مسؤولين إيرانيين وعراقيين دعوا فيها إلى ضرورة تشكيل منظومة أمن إقليمية مشتركة، معتبرين أن دور العراق وإيران سيكون مهمًا في تشكيل تلك المنظومة التي لم تظهر إلى العيان حتى يومنا هذا.

وأكد أن التأثير الإيراني في المنطقة سوف يتواصل لسببين، الأول استمرار القضية الفلسطينية دون حسم، وبالتالي سوف تجد أطراف فلسطينية في الدعم الإيراني مطلبًا ضروريًا، الثاني استمرار عدم تبلور مفهوم المواطنة في بعض الدول التي تشهد تنوعًا مذهبيًا، ما سيدفع بعض الأقليات للبحث عن دعم خارجي، وتمثل في النهاية مجالًا للافتراق الإيراني.

ورأى أن الأمن في العراق ومنطقة الخليج العربي يقع بين حجري الرحى، فمن جانب تدفع إيران نحو تغيير الوضع القائم بصورة ثورية فيما تصر الولايات المتحدة على إعادة تنشيط التزاماتها العسكرية نحو دول الخليج، وممارسة ضغوطها يحتاج إلى مبادرة سياسية تستهدف خلق إطار للحوار والتفاهم الاستراتيجي بين دول المنطقة.. وإيران بالأساس ستزيد من فرص التلاقي وليس التصعيد بهدف تطوير العلاقات السياسية الاقتصادية وحماية مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية الواعدة. فالشراكة الاستراتيجية الإقليمية هي السبيل إلى ضمان الأمن والاستقرار ومعالجة الملفات الشائكة بالوسائل السياسية والدبلوماسية، بعيدًا عن ساحة الصراع. فوجود خلافات سياسية وإستراتيجية لا يعني تجاهل الآخرين وإغفال حقيقة الوجود الجغرافي الأصيل للجميع في المنطقة.

وقال في مكان من الكتاب “إن استمرار التقارب الإيراني – الأميركي قد يمنح إيران فرصًا أكبر لزيادة نفوذها، وهو ما سيجعل لإيران دورًا أهم من الدور التركي، بالنسبة إلى الدول الغربية ومن ضمنها الولايات المتحدة الأميركية، كذلك ومن النتائج المتوقعة للتقارب الأميركي- الإيراني احتمالية اتساع ساحة النفوذ للسياسة الإيرانية لتشمل المناطق: سورية– لبنان-العراق- والخليج العربي، وهذا بدوره سيحد من الدور التركي في المنطقة”.

وطالب حميد الأطراف الفاعلة في النظام السياسي العراقي إدراك حقيقة عجز الولايات المتحدة عن تحقيق أمن وطني عراقي راسخ لوحدها، لأن سياسة البيت الأبيض شابها كثير من الغموض والالتباس، لأنها حاولت التملص وتجاوز مشاكل منطقة الشرق الأوسط، وإحالتها إلى قوى إقليمية أخرى، كذلك الحال بالنسبة لإيران تجاه العراق.

وختم بأن المهدد الأساس للأمن الوطني العراقي هو القوى الإرهابية والتي تحاول النيل من أمن واستقرار العراق نيلًا خطرًا ومتواصلًا، ولكي نقلل من خطر الإرهاب الدولي على الأمن الوطني العراقي ينبغي التنسيق مع قوى إقليمية مؤثرة كتركيا وإيران، وبعض دول جوار العراق، وذلك بربط شبكة من المعلومات الاستخبارية المتبادلة والقادرة على متابعة ورصد تحركات الشبكات الإرهابية، ومن خلال شبكة التنسيق يمكن أن يكون للولايات المتحدة وإيران دور فاعل، من خلال جعل العراق حلقة ربط بينهما، وتقريب وجهات النظر وتحقيق نوع من التقارب الذي يفضي إلى تحقيق نوع من أنواع الاستقرار في الأمن الوطني العراقي.

مقالات ذات صلة

إغلاق