باتت تُثار على نطاق واسع، خاصة بعد ثورات (الربيع العربي) قضية مشاركة النساء في الحياة السياسية، وما إن كانت قد حققت المرأة العربية مكسبًا ما في هذا المضمار نتيجة هذه الثورات، وتغير بعض الأنظمة العربية الذي رافقها، ومستوى تطوّر الوعي السياسي، لا على صعيد إتاحة المجتمع الذكوري المجال لها للمشاركة الفاعلة شريكًا متساويًا في الحقوق والواجبات السياسية فحسب، بل أيضًا على صعيد تغيير الذهنية “النسوية” الدارجة التي تُقاوم في بعض الحالات هذا الحق الطبيعي الذي يُفترض أن تحصل عليه المرأة العربية.
وحول هذا الموضوع الإشكالي، وعن التجربة التونسية تحديدًا، ما قبل وبعد الثورة، قالت الباحثة التونسية هاجر خنفير لـ (جيرون): “إن مقارنة بسيطة بين درجة الوعي السياسي الذي بلغته النساء في تونس اليوم، على اختلاف أوضاعهن من جهة، وواقع المشاركة السياسية ما بعد الثورة من جهة أخرى، هي مقارنة كفيلة باستنتاج المفارقة الحادة التي تسم المشهد السياسي، وتكتمل صورتها بالنظر إلى رسوخ ثقافة المقاومة المزدوجة لمسار المساواة النوعية في مجال الأحوال الشخصية والمشاركة السياسية، والوضع الراهن الذي بلغته المرأة في تونس سياسيًا”.
واتّهمت الباحثة التونسية الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، بأنه لم ينجح في تحقيق المأمول منه، وهو ما يعكس -في رأيها- “ثقافة إقصائية تعمل على تعطيل مسار وصول النساء إلى مواقع القرار، بتشويههن أخلاقيًا، وهو تشويه يعيد المرأة إلى رمزيتها الأسطورية، ثم الدينية المتعلقة بشيطنتها بعدّها مصدرًا للفتنة، أو بتبخيس جهدهن”. غير أن هذه الثقافة في رأيها “تجد نفسها وجهًا لوجه مع ثقافة حقوقية، عززتها الثورة باستعادة مقولات الكرامة واحترام الذات الإنسانية، مهما كان الجنس، وأكدتها المساهمة النسائية الفاعلة في تحقيق هذا المنعرج التاريخي المهم”، وشددت على أن دور المرأة السياسي (في تونس) في هذه المرحلة الانتقالية “لا يعكس أفضل ما يمكن أن ترتقي إليه المطالب السياسية النسوية”.
وتتعامل شرائح واسعة، وخاصة من أصحاب الخطاب الديني الإسلامي، مع الجندرة السياسية بكثير من التمييز، متذرعين بأن النساء غير قليلات خبرة وتجربة، ويحصرون دور المرأة في التربية والإنجاب والخدمة البيتية.
مكاسب
وحول المشهد العام للمشاركة السياسية للتونسيات، أوضحت خنفير “يمكن القول إن الإرادة السياسية (السابقة) التي كانت مُتحكّمة في شتى مراكز القرار السياسي كانت سبب تعطيل مسار تأسيس حركة نسائية قوية قادرة على تمثيل ديمقراطية المشاركة وتجميد وضع النساء كمواطنات من درجة ثانية، بل لقد سعى النظام إلى قمع محاولات بعض الناشطات الحقوقيات اللواتي سخّرن جهودها للدفاع عن كل المساجين السياسيين على اختلاف أطيافهم السياسية، وتعرّضن لمراقبة البوليس السياسي، وجرى التضييق عليهن بمنع السفر أو السجن أو محاصرة نشاطهن السياسي”.
وأضافت “أشد لحظات تمثيل المساواة بين الجنسين في نطاق علاقة تشاركية تهدف إلى تحديد المصير السياسي للبلاد والمساهمة في صنع القرار كانت خلال المظاهرة الحاشدة يوم 14 كانون الثاني/ يناير 2011، وجرت أحداثها أمام وزارة الداخلية تعبيرًا سلميًا ديمقراطيًا صريحًا، وكانت هذه اللحظة الفارقة إعلانًا عن نفسٍ جديد في تاريخ مواطنة المرأة، بما رفعته من شعارات سياسية نمّت عن وعي حاد بتمثيلها لقوة تقدمية قادرة على المشاركة في صنع القرار بمشاركة أشد فاعلية في عمليات الترشح حيث بلغت نسبة المرشحات على القوائم 48 في المئة وممارسة حق الانتخاب التي شكلت نسبة 46 في المئة”.
وتابعت: “إن نظرة إلى نتائج الانتخابات التشريعية 2014 التي أفضت إلى شغل النساء نسبة 31 في المئة من مقاعد نواب الشعب، يكشف عن التطور الملحوظ مقارنة بالبرلمان السابق الذي كانت فيه النسبة 28 في المئة، وفي نطاق العمل النيابي تقلدت بعض النائبات عددًا من المراكز المهمة، أما عن دورها في الانتخابات الرئاسية سنة 2014، فقد سجلت النساء حضورًا مكثفًا يقدر بـ 50 في المئة من الأسماء المسجلة بالقائمات الانتخابية”.
وأضافت -أيضًا- “كذلك كان تطور العمل الجمعياتي جليًا ما بعد الثورة، بخروجه من سقف النظام الحاكم، والقطع مع أساليب المنظمات الحكومية السابقة كالاتحاد الوطني للمرأة التونسية ومن قبله الاتحاد القومي النسائي التونسي، اللذين خضعا لإملاءات السلطة وتمثيل إرادة النظام الحاكم. وتبنّت الجمعيات الجديدة مبادئ المساواة والتساوي والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والرخاء، وربط المشاركة السياسية للنساء بالحقوق الإنسانية، وهي حقوق تتضمنها فصول الدستور التونسي الجديد”.
وعلى الرغم من المكاسب (المعقولة) التي حصلت عليها المرأة التونسية بعد الثورة، إلا أن الباحثة التونسية تعتقد أن الطريق مازال طويلًا أمام النساء؛ من أجل ترسيخ المساواة السياسية، وتضع لومًا على قوانين الأحوال الشخصية المحافظة على روح التمييز بين الجنسين، كالحق في الميراث أو انفراد الأب برئاسة العائلة، أو قصر الولاية عليه، وقالت “تبعًا لقيام بنية التمييز على وجود فصل جنسي تستدعيه المراتبية الاجتماعية، فإن طريق مقاومة التمييز وبناء ثقافة المواطنة سيكون متعثرًا متى استمر الاعتماد على تلك الرؤية الأحادية الجانب، بتأنيث القضية وإهمال الوجه الثاني لعملة الهيمنة، أي الرجال الذين اعتصرتهم آليات الفصل وسلبتهم إرادة اختيار الأدوار والمواقع”.