قبل نحو مئة عامٍ تقريبًا، افتتحت الولايات المتحدة قرنًا من سياسة التدخل الخارجي -بمساعدةٍ كبيرة من الثوريين الروس.
في عام 1917، كانت الحرب العالمية الأولى مستعرةً في أوروبا منذ عامين ونصف، وكان الرئيس وودرو ويلسون يبحث عن وسيلة للتوصل إلى سلام؛ حيث “الحضارة البيضاء”، على حد تعبيره، كانت تحت خطر تدمير نفسها؛ لأن حرب الغواصات الألمانية ضد السفن التجارية كانت تضغط على الولايات المتحدة أكثر باتجاه الانضمام إلى المعركة، ولكن كثيرًا من الأميركيين، بما في ذلك ويلسون نفسه، قاوموا الفكرة.
ثم جاءت احتجاجات الشوارع في روسيا، والإطاحة بالقيصر نيقولا الثاني في 15 آذار/ مارس. فاستقبل جميع الأميركيين تقريبًا التمرد بكونه بزوغ فجر عصرٍ جديد من الديمقراطية، حيث كانت الولايات المتحدة أولَّ دولةٍ تعترف بالحكومة الموقتة الجديدة في روسيا.
ارتدى السفير ديفيد فرانسيس لباسه الدبلوماسي الرسمي، واستقل مزلقةً (مركبة جليدية) عبر بتروغراد المغطاة بالثلوج -سانت بطرسبرغ اليوم- ليعبّر عن امتنان أميركا للسلطات الجديدة في روسيا.
تظاهرة في موسكو خلال فترة الثورة الروسية عام 1917. (تاس عن طريق وكالة الصحافة الفرنسية/صور جيتي)
في عيون الأميركيين، كانت الولايات المتحدة تمد يد الصداقة من أقدمِ ديمقراطيةٍ في العالم إلى أحدث واحدة.
فهم الأميركيون الثورة في روسيا على أنها دعوةٌ لحمل السلاح -حملةٌ صليبية للدفاع عن الديمقراطية، ولتوسيع نطاقها، وفي طرفة عين، لم تعدْ الحرب العالمية تُعبر عن صراعٍ بين القوى الإمبريالية، ولكن عن صراعٍ على أنموذج. ربحت روسيا، المتحالفة مع بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في الحرب، شريكًا جديدًا بعد ثلاثة أسابيع -فحسب- من تنازل القيصر. في 6 نيسان/ أبريل، أعلنت الولايات المتحدة الحرب على ألمانيا وقيصرها.
“لقد قمتم بعمل عظيم بنبل”، كتب صهر ويلسون، وزير الخزانة ويليام ماك أدو، بعد يومٍ من رسالة الرئيس للحرب. “أعتقد جازما أنّها إرادةُ الله بأنه على أميركا أن تقدّم هذه الخدمة السامية للبشرية في جميع أنحاء العالم، وإنكم أنتم وسيلته المختارة.”
في باريس، جورج كليمنصو، والذي سُمي لاحقًا رئيس الوزراء، ذُهل من جرأة ويلسون في وضع “حقوق الإنسان” في صميم سياسته، كما أرسل ريمون بوانكاريه، رئيس فرنسا، إلى ويلسون رسالةً حارة وعاطفية. “هذه الحرب”، كما كتب، “لن يكون لها معنى/مغزى كاملًا، إذا لم تشترك الولايات المتحدة فيها.”
في روما، وقع 68 عضوًا من أعضاء البرلمان رسالةً مشتركة تنص: “رسالتكم ليست موجهة إلى الولايات المتحدة وحدها، بل للبشرية جمعاء، وتوقظ أنبل الغرائز بين الدول الحرة، رسالتكم نشيد الحرية.”
كما اتضح، استمرت الحكومة الديمقراطية في روسيا -ولو غير المنتخبة- أقل من ثمانية أشهر، حيث أطاح بها انقلابٌ شيوعي، لكن إعلان ويلسون استمر في صداه، حيث تعلّم الأميركيون الحديث عن الحفاظ على “القيم الغربية”، بدلًا من “الحضارة البيضاء.”
بالتأكيد، كان هناك كثير من اللحظات منذ ذلك الحين، عندما لم يكن للولايات المتحدة ما يكفي من المثالية في شؤونها الخارجية، عندما كان للاتهامات بالنفاق لدغةً حقيقية -ولكن جوهر النفاق هو أنَّ المثال/النموذج نفسه بقي. عندما أعلن ويلسون أنّ “العالم يجب أن يكون آمنًا من أجل الديمقراطية”، وضع ما كان هدف السياسة الخارجية الأميركية منذ ذلك الحين -على الأقل حتى عام 2017.
الآن، في عهد الرئيس ترامب، يظهر تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان قد اُقتلع حتى من موقعه الثانوي. كان وزير الخارجية ريكس تيلرسون غائبًا عندما نشرت وزارة الخارجية تقريرها السنوي حول حقوق الإنسان في الشهر الماضي، وكما أشارت زميلتي أماندا إريكسون: لا تلّحُ السفارات الأميركية في عهد ترامب على أجندة حقوق الإنسان، بينما يُعجبُ ترامب علنًا بالقادة “الأقوياء”، وفي مقدمتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
على مر السنين، كان بوتين مستعجلًا لرؤية دور أميركي يحرّض على الاحتجاجات الشعبية في ليبيا وسورية وجورجيا وأوكرانيا وحتى روسيا نفسها. إنه يبالغ في المسألة، ولكن هذه الادعاءات هي ذرةٌ من مجاملة منافقة للإدارات في واشنطن، فالدرس الذي تعلمته السلطات الروسية من الإطاحة بالقيصر عام 1917 هو أنَّ الاحتجاجات الجماهيرية من أسفل، هي التهديد الأخطر لمن هم في السلطة، وهذا يساعد في تفسير سبب رد فعل بوتين العنيف على أيّ انتفاضات محتملة.
لم يقل ترامب شيئا ليشيرِ إلى اهتمام الولايات المتحدة أو حكومتها بأوضاع معيشة السكان في بلدانٍ أخرى، “وباختصار، فإنَّ احتمالات مشاركة جديّةٍ وفاعلة للولايات المتحدة في عهد ترامب، لدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في الخارج تبدو ضعيفةً،” كما كتب توماس كاروثرز، وهو باحث في قضايا الديمقراطية وسيادة القانون في مؤسسة كارنجي للسلام الدولي، في كانون الثاني/ يناير.
تبدأ البلاد الآن فصلًا جديدًا في علاقاتها مع العالم.
اسم المقالة الأصلي | What Wilson began 100 years ago this month, Trump is ending |
الكاتب | ويل إنغلاند، Will Englund |
مكان وتاريخ النشر | واشنطن بوست، The Washington Post،16/3 |
رابط المقالة | https://www.washingtonpost.com/news/worldviews/wp/2017/03/16/what-wilson-began-100-years-ago-this-month-trump-is-ending/?utm_term=.ea482eac7bff |
ترجمة | أحمد عيشة |