قضايا المجتمع

أطفال المقاتلين المهاجرين في سورية… ضياع الهوية والحقوق

يحاول المقاتلون العرب في سورية العيش طبيعيًا، ومن مظاهر هذا العيش إقدامهم على الزواج من فتيات أو نساء سوريات في المناطق الخاضعة لسيطرتهم أو نفوذهم، ويواجه هذا الزواج كثيرًا من المشكلات التي تؤثر سلبيًا، وتشكّل خطرًا على النساء السوريات وأطفالهن في الحاضر والمستقبل.

تتمثل تلك المشكلات في عدم تثبيت عقود الزواج؛ حيث تقتصر على ما يعرف بعقد الشيخ، ولا يُسجل الأطفال المواليد لدى أي جهة؛ ما يدخل النساء والأطفال في دهاليز ضياع الحقوق المادية والمعنوية، وخاصة الأطفال الذين يصعب إثبات نسبهم لآبائهم، الذين يُعرفون بألقاب فحسب، لا بأسمائهم.

لا يقتصر هذا الزواج على منطقة محددة، فهو يتوزع في مختلف أنحاء سورية، ويُعقد بمباركة من شرعيي “هيئة تحرير الشام”، أو تنظيم “داعش” في المناطق الخاضعة لسيطرة كل منهما.

تقول هبة عز الدين، ناشطة في حقوق المرأة، من إدلب، لـ (جيرون) :”لا توثيق دقيقًا لمثل هذه الحالات، ولكن هناك حالات فردية نعرفها، فعندما سيطر تنظيم (داعش) على بلدة الدانا في ريف إدلب، عام 2013، جرى تزويج نحو 120 فتاة وسيدة من عناصر التنظيم، وبعد إنسحابهم في كانون الثاني/ يناير 2014، تركوا زوجاتهم وأطفالهم، دون أن يُثبَّت الزواج أو يُسجَّل الأطفال الذين يطلق عليهم اليوم أطفال القاعدة في سورية”.

وكانت “هيئة تحرير الشام”، افتتحت منذ عدة أشهر مكتبًا لتزويج المقاتلين المهاجرين في مدينة إدلب، من فتيات سوريات، لكنه أغلق في اليوم نفسه، بعد رفض شديد من المواطنين، كما تقول هبة.

وتتابع عز الدين أن “معظم حالات الزواج، هذه، تُعقد في مدينة إدلب، عن طريق والد زوج عبد الله المحيسني، المعروف بـ “السكسوك”، وكان يعمل صائغًا، واليوم يملك مكتبًا للصرافة والحوالات، وغالبية المقاتلين المهاجرين يتعاملون معه لاستلام حوالات مالية، وهو وحده من يعرف أسماءهم الحقيقية، وهؤلاء تزوجوا من نساء سوريات، بعضهم قُتل خلال المعارك، ومنهم من غادر وترك زوجه وأطفاله”.

لا تُسجل معظم حالات الزواج في إدلب، لعدم وجود نظام للأرشفة عند الفصائل المسيطرة، ويعلم الناس أن تسجيل الزواج في محاكم الفصائل غير ذي جدوى من الناحية القانونية، فهو غير معترف به من أي جهة.

أما في منطقة حوض اليرموك، في ريف درعا الغربي، الواقع تحت سيطرة “جيش خالد بن الوليد” المبابع لتنظيم “داعش”، فلا يختلف الأمر كثيرًا، كما قالت سلمى، ناشطة حقوقية، لـ (جيرون): “هناك كثير من حالات زواج فتيات سوريات من عناصر التنظيم من العرب، ويتم زواجهن بعقد خارجي، إذ من المستحيل أن يُثبّت، وكل الأطفال الذين يولدون لا يُسجلون”.

“استبرق”، من إحدى مناطق ريف درعا، زوّجها والدها لأحد مقاتلي “جبهة فتح الشام” قبل أن يتحول اسمها إلى “هيئة تحرير الشام”، من جنسية عربية، وهي في الخامس عشرة من عمرها، وأنجبت طفلة بعد سنة من زواجها، وبعد ذلك بفترة اغتيل زوجها ووالدها، من مجهولين، ولم يكن هناك أي مجال لتثبيت هذا الزواج، في ظل الحرب، ولم تتمكن حتى اليوم من تسجيل طفلتها، بحسب ما روت والدة استبرق لـ (جيرون).

جرى توثيق حالات عديدة، حصلت في أحوال تتشابه وتختلف أحيانًا، كما تتابع سلمى، إذ “تزوجت إحدى الفتيات من أحد مقاتلي (هيئة تحرير الشام)، ممن يدعون بالمهاجرين، وبعد مرور شهرين على الزواج، عاد الزوج إلى بلده، حيث أعتقل هناك بتهمة الإرهاب وحكم عليه بالسجن مدة 15 عامًا”.

يُعقد هذا الزواج -عادة- دون الأخذ في الحسبان رأي الفتاة أو موافقتها، إذ تُعد ترتيبات الزواج سريعًا، ويُعقد الزواج بعد قراءة الفاتحة، وتبادل ألفاظ الزواج المعروفة، دون تسجيل رسمي؛ لاستحالة ذلك.

وقال القاضي الشرعي فواز الحسن الذي انشق عن قضاء النظام عام 2015، لـ (جيرون) “من حيث المبدأ هذا الزواج صحيح من الناحية الشرعية، ولكن من ناحية ثانية، لابد من معرفة اسم الزوج الحقيقي، من أجل إثبات النسب، فلا بد أن يطلع أهل الزوجة على على اسم الزوج المدون في بطاقته الشخصية أو جواز سفره، وتكمن الناحية الأسوأ في حال عدم توفر هذه المعلومات، في إثبات نسب الأطفال في المستقبل”.

ومن الناحية القانونية، تستطيع المرأة أن ترفع دعوى قضائية أمام القضاء الشرعي، على زوجها المختفي أو المتوفى، لإثبات الزواج، وإثبات النسب للأطفال، ولكن بشرط أن يكون هناك مايثبت هوية الزوج، ففي المستقبل، يحتاج تسجيل هؤلاء الأطفال إلى قوانين خاصة، حيث لم يتعرض قانون الأحوال الشخصية السوري لمثل هذه الحالات، فهي لم تكن موجودة أصلًا.

سيكبر هؤلاء الأطفال وسط مجتمع ينبذهم، ولايعترف بهم؛ ما قد يؤدي إلى توجههم نحو التطرف على خطا آبائهم، مالم يجر إحتواؤهم وتقديم الرعاية النفسية والاجتماعية لهم، ريثما يتم إيجاد حل قانوني يعالج حالتهم، ليبقوا من جميع النواحي ضحية نتائج تفرضها الحرب، هم فيها الأضعف، وحتى الآن لايرث هؤلاء من آبائهم حتى الاسم الحقيقي، الذي سيمكنهم -في يوم ما- من إدراج أسمائهم في أي سجل رسمي.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق