كلمة جيرون

لن تقبل التهنئة

درجت العادة تهنئة الأمهات في عيدهن، بعد أن قرر “أبناء حلال” تخصيص يوم في العام للأم؛ لتكريمها وتذكير الأبناء “العاقين” غالبًا بأن للأم دورًا استثنائيًا في الأسرة والمجتمع والحياة، يتجاوز دورها في التربية والإطعام واحتمال الأعباء اليومية غير المتناهية التي لا تُطاق.

بطبيعة الحال، ولاختلاف البشر، بعض التهنئة “رفع عتب”، وبعضها حب وامتنان، وبعضها تقليد لا يحمل عمق المعنى، وبعضها مواساة، وبعضها اعتذار أو أسف.

وبطبيعة الحال أيضًا، ولرقتها وطيب قلبها، وشفافية أخلاقها وعواطفها، ورِفعة شأنها، تقبل الأم التهنئة دائمًا، مهما كانت، مبتسمة وسعيدة، قنوعة وراضية، همّها أن يكون الآخرون راضين، وتتناسى أنها مركز الاهتمام، لتجعل الجميع -بمهارتها- مركزًا للاهتمام بدلًا منها.

التوصيف سابق الذكر هو القاعدة، في المستوى العام، لكن، في المستوى السوري يبدو الأمر مختلفًا، أو بالأدق سيكون مختلفًا هذا العام، ككل عام مُقبل.

الأم السورية المسكينة، أم الشهيد أو زوجته أو أخته، أم المعتقل والمختفي أو زوجته أو أخته، وأم المُعاق والمُصاب والجريح أو زوجته أو أخته التي شهدت مجازر وجرائم حرب ارتكبها النظام بحق أبنائها، وأحفادها، فلذات أكبادها، واستمرت تعضّ على أصابعها لتعيش من أجل الأحياء الباقين منهم.

الأم السورية المسكينة، التي رأت بأم عينها كيف دمّر النظام بيتها وحيّها وبلدتها ومدينتها، وظلّت صامدة، حملت “بقجتها” على كتفها، وجرّت أطفالها الصغار، من تشرد إلى تشرد، ومن لجوء إلى لجوء، لتستمر الحياة.

الأم السورية المسكينة، التي ضاع حاضر أبنائها ومستقبلهم أمام عينيها، لأنهم طلبوا كرامة وحرية، ولأنهم رفضوا الذل الأبدي، والحكم الأبدي، وظلّت رافعة رأسها، تنهر من يتوقف عن طلب الحرية، وتتبرأ منه.

الأم السورية الجبارة التي رفعت صوتها في وجه الطغاة، فباتت في السجون المُعتمة السوداء كوجوه سجّانيها، تنتظر يوم الانعتاق لتلتقي أبنائها في بلد الحرية.

الأم السورية الجبارة، التي ترمّلت، فواجهت الحياة وحدها، قوية متماسكة، كطود لا يهزّه ريح، وعملت بكد لتطعم أفواهًا صغيرة جائعة.

للأسف، هذه الأم السورية، لن تقبل التهنئة، لا بعيدها ولا بغير عيدها، قبل أن ترى، وتلمس، نهاية المأساة، ونهاية الطغمة التي أوصلتها وأوصلت بلدها لهذا الحال، وقبل أن تثأر لها العدالة، وقبل أن تشهد نجاح ثورتها، وثورة أبنائها وأحفادها، ودون ذلك، أي تهنئة لها هي “رفع عتب”.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

إغلاق