تصعّد “إسرائيل” تدخلها في الشأن السوري، فيقصف طيرانها الحربي قواعد ودفاعات جوية تابعة للنظام و”حزب الله” في عدة مواقع، للمرة الثالثة خلال بضعة أيام، بحسب القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي.
ترافقت الغارات بتهديدات وردت على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو، ووزير حربها أفيغدور ليبرلمان بأنها ستستهدف شحنات الأسلحة المرسلة من إيران إلى “حزب الله”، وستقوم “بتدمير بطاريات الدفاعات الجوية السورية إن هي تصدت للطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية”.
الموقف الإسرائيلي بشقيه: السياسي والميداني، هو الأول المعلن منذ اندلاع الثورة السورية، فقد صدرت تعليمات سابقة تمنع الوزراء الإسرائيليين من الإدلاء بأي بيانات حول الشأن السوري، إضافة إلى أنه جاء بعيد زيارتين، قام بهما نتانياهو إلى كل من موسكو وواشنطن، وكان أهم محاورهما الموضوع السوري وما حوله، بحسب التقارير الصحافية، وتزامن ذلك مع الحديث عن بدء تناقض في المصالح بين روسيا وإيران في سورية، وعن اتفاق بين “إسرائيل” والولايات المتحدة حول ما أسمته الصحافة الإسرائيلية بدق إسفين بين “حزب الله” وإيران.
تناولت التقارير الصحفية أيضًا، زيارة سريّة قام بها رئيس النظام بشار الأسد إلى موسكو، قبل نحو أسبوع من زيارة نتانياهو الأخيرة الى روسيا، وجرى خلالها تعزيز التنسيق بين روسيا واسرائيل، إضافة إلى أطراف أخرى؛ لبقاء بشار الأسد في الحكم، شريطة تنازله عن الجولان، وهذه المعلومات كان تحدث في مضمونها وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري، لصحيفة “نيويوركر” الأميركية؛ فقال: إن لديه “وثيقة بتوقيع بشار الأسد يعرض فيها موافقته على الاعتراف بـ “إسرائيل” وتبادل السفراء وعقد اتفاقية سلام حول الجولان”.
اسرائيل المسكونة بالهاجس الأمني تقبل بوجود نظام بشار الأسد، فهي بحسب المحلل السياسي الإسرائيلي موشيه ماعوز “تفضل التعامل مع الذي تعرفه أفضل من الذي لا تعرفه”، وبشار الأسد ونظامه تعرفهم جيدًا، في حين يذهب إيدي كوهين، الباحث في جامعة بار إيلان الإسرائيلية، أبعد من ذلك فيقول إن “سورية دولة منهارة ومفككة، وأن القادة العسكريين والأمنيين في (إسرائيل) يرغبون باستمرار بشار الأسد في منصبه برئاسة الجمهورية السورية”، ويضيف “نحن نريد رئيسًا دكتاتوريًا يقتل شعبه ويعطينا الأمان والاستقرار”.
ضمان أمن إسرائيل، هو أحد ثوابت السياسية الأميركية في المنطقة تاريخيًا، وقد أضافت عليه قضية محاربة الإسلام الراديكالي أو ما تسميه الإرهاب، وهو ما تتفق فيه مع روسيا، وهذان المفهومان يدركهما النظام السوري بحكم تجربة بقائه في الحكم طيلة العقود الماضية، فهو أطلق مع بداية الثورة السورية على لسان رامي مخلوف أبرز أذرعه الاقتصادية، تصريحات لصحيفة “نيويورك تايمز” قال فيها إن أمن اسرائيل من أمن سورية”، ما فُسّر على أنه رسالة للدول الغربية التي أعلنت مساندتها للثورة السورية بأنه هو من يحمي اسرائيل وليس الثورة.
الحضور الإسرائيلي المعلن الآن، وهو الإيقاع الذي تسير عليه القوى الإقليمية والدولية في تطورات المنطقة عامة، يرسم أو يعيد ترتيب ما اختلط من أوراق، خصوصًا في سورية منذ اندلاع الثورة السورية. “إسرائيل” هي في قلب الحدث، على الأقل، أو في جواره وتتأثر بتطوراته وتؤثر به على الأكثر، وهي تتلطى الآن بموقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي قال إن إزاحة نظام بشار الأسد “ليس أولوية”، بل يجب استخدامه لمحاربة الإرهاب، في حين يؤكد تشك هيغل، وزير الدفاع الأميركي الأسبق أن “بشار الأسد لم يكن في يوم من الأيام عدوًا للولايات المتحدة، ولا لحليفتها إسرائيل”.
تلتقي “إسرائيل” مع كل من روسيا وإيران في الحفاظ على النظام، لكن خشيتها هي من انفلات بعض ميليشيات إيران ومنها “حزب الله” والقيام بتصرفات ذاتية غير مسؤولة. إيران التي أعلنت في وقت سابق على لسان نائب وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان إن “سقوط بشار الأسد سيشكل خطرًا كبيرًا على أمن إسرائيل”.
ما قيل عن تصدي دفاعات النظام للطائرات الإسرائيلية يصب في هذا المنحى لجهة النظام، إذ أن الهدف السياسي من الغارات الإسرائيلية الأخيرة، هو إعطاء النظام شرعية وجوده أمام الموالين له، بأن العدو الخارجي التاريخي والاستراتيجي الذي يستهدفهم مازال موجودًا، لكن هذه الغارات لا تشبه سوى تلك الطلعات الجوية الإسرائيلية فوق قصر بشار الأسد بُعيد تسلمه الحكم، وأيضًا خلال الأزمة التي أوقع البلاد بها حين اغتال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وأعطت حينذاك مفعولًا ذا جدوى في الأوساط الشعبية.
سيبني إعلام النظام كثيرًا على الغارات الإسرائيلية، وعلى إطلاق بضع رشقات باتجاهها ليعيد تمركزه وتفعيل ذاته، بعدّ نفسه مقاومًا أمام الموالين له من سوريين وعرب، وهي اللعبة التي اعتاش عليها لخمسين عامًا وهو ما تدركه اسرائيل والولايات المتحدة جيدًا، إذ لا يهم ما يقوله نظام الأسد وإعلامه، بل ما يفعله لإسرائيل.