أدب وفنون

سوزان علي: الحريّة والشعر لم يفترقا منذ الخليقة

  • لم أرغب أن أطبع كتابًا والنعوش ترفع في بلادي، والقبور تُحفر سلفًا

 

في المشهد الشعري السوري الراهن، أو ما اصطلح على تسميته بـ “الموجة الجديدة في الشعر السوري”، يبدو صوت الشاعرة الشابة، سوزان علي، حاضرًا بقوة، لتميزها بلغة باعثة على الدَّهشة، ما يجعل من قصائدها وكأنها سهام موجهة إلى عين الهدف، والهدف دائمًا لديها هو الواقع الذي تتمرد عليه في اللَّحظة الرَّاهنة الملتهبة، من الزَّمن السوري الحديث.

في هذا الحوار تؤكد “علي” أن الشعر لا يحتاج إلى كثير من الكلام، وأنه يستريح في الحرب، وتقول لـ “جيرون” حول نظرتها إلى الشعر: “ليس للشعر مهمة”، وهو ما توضحه لنا في هذا الحوار.

 

 

بداية كيف تنظرين إلى الشعر في عالم مضطرب مثل الذي نعيش فيه؟

الشعر يستريح في الحرب، إنه لا يستطيع أن يرى شيئًا الآن، حتى النصوص الجميلة التي قرأتها في السنوات الأخيرة، تحل اليوميات فيها ملجًا أو حضنًا، هربًا من الحرب، كأنها تلحق بأمها، مخافة المنفى، مخافة النسيان.

 

هل توافقين الرأي القائل بأن “الشعر فن شاخ. عمره المديد على نحو مذهل، لم يعد يسعفه في شيء. وأن ما يكتب الآن تحت مسمى شعر، يشهد على أن الشعر لفظ فعلًا أنفاسه الأخيرة، وأن الشعراء يحاولون العيش على وجوده الرمزي والتاريخي وليس الواقعي.”؟

يقول أوكتافيو باث: إن “الشعر لا يلفظ أنفاسه الأخيرة، إنه متعب فحسب”.

الوجود ذاته هائم في الشعر، وما يحيط بهذه الأرض ويحميها، ليس غلافًا جويًا، إنه الشعر بكل طاقاته وخيالاته وتقلباته.

 

هل نحن بحاجة إلى ثورة شعرية كثورة الشعر الحديث في الأربعينيات والخمسينيات؟

قرب ثورة الشعر في الخمسينيات، كانت البنية الاجتماعية تدفعه إلى التغيير، إلى الصراخ بأنفاس جديدة، إلى الالتفات نحو شكل آخر، كلما هربت الحريّة من القفص، لن تجد بانتظارها سوى الشعر، تحت أول شجرة تصادفها، الحريّة والشعر لم يفترقا منذ الخليقة.

 

البشرية قامت على الشعر..

يقال: “إن مهمة الشعر الحقيقية الآن ليست وصف الخراب الحالي، إذ لم تعد مهمته تكريس الحنين والذود عن خرائب الذاكرة، بل أن يستشرف المجهول (ما الشعر إن لم يكن النبوءة)، من منظورك الخاص ما مهمة الشعر اليوم؟

 

ليس للشعر مهمة، وإلا كنا نقيس أضلاعه مع طوله وعرضه، ونجعله قانونًا يصلح حتى للتجارة، ما مهمة الوردة؟

 

الشعر هو لغة “النخبة” أو”الأقلية”، والجماهيرية والكثرة تبتذل الشعر في أغلب الأحيان. قراء الشعر قلة قليلة جدًا، سمَّاهم خوان رامون خمينيث ذات يوم “بالأقلية الهائلة” أو “الأقلية السعيدة” كما كان ستندال يقول. ما تعليقك؟

الأقلية الهائلة هي من تكتب الشعر، أما من يحسه ويعيشه جوهرًا، طبيعةً، وجودًا، فالبشرية كلها، البشرية التي قامت على الشعر، المخيلة لم تختفِ ولم تنضب، لا أستطيع أن أسمي مغازلة جدتي لضوء القمر فوق رؤوس الشجر سوى شعرًا، جدتي التي لا تعرف القراءة ولا الكتابة، ولا أستطيع أن أتجاهل الشعر الذي قاله لي مرة بائع تحف قديمة في باب شرقي: “هالشارع بيلحقني وين ما بروح، حتى لو رحت على آخر الأرض”.

 

إلى أي درجة أثّرت الثورة/ الحرب على تجربتك الشعرية؟

كنت بكل بساطة أنتظر الحرب أن تنتهي كي أطبع مجموعتي الأولى، لا أرغب أن أطبع كتابًا والنعوش تُرفع في بلادي، والقبور تُحفر سلفًا.

مزقت قصائدي الأولى؛ لأنها بدت وكأنني أعيش في مجرة أخرى، نعم الحرب جعلت من قراءتي عزلة، ومن جسدي تمثالًا، ومن زهور شرفتي رصاصات طائشة، في جعبة الحرب ألوان، وفي مخيلتي جثث تفيق لتموت بطريقة أخرى.

 

للشاعرة سوزان علي مجموعة شعرية قيد الطباعة حاليًا، وهي تكتب منذ سنوات في الصحف والمجلات العربية، إضافة إلى بعض المواقع الإلكترونية. ولها مشاركات كثيرة في أمسيات شعرية في بيروت والجزائر واللاذقية ودمشق.

وهي في السنة الثالثة في كلية الإعلام في دمشق، وكانت قد درست -من قبل- في كلية التربية (قسم علم النفس) عام 2007.

الشاعرة سوزان علي خصتنّا بهذه القصيدة للنشر مع هذا الحوار..

 

على شبّاك الحانة

 

تحبُّ لسعة الحرب في صوتي

وتنصتُ حزينًا لتردد خطوتي في طريقها إليك

تحبُّ دمعة مضاءة للحرب أسفل عيني

ترى منها الجنود

والدم

والفراشات اليابسة.

تحبُّ ما فعلت الحرب بي

زنزانةٌ أنا

يراني الضوء نتف خبز في الزوايا

يراني السجان نفقًا يصلح للهروب

أمدُّ جسدي خارج ما تراني مخيلتك

فلا أبتعد إلا قليلًا

كأنَّ الجدار نهدي..

تسافر أسطورة من شباك الحانة

وأنا أفكر بك

لا ترتطم بشيء

لا تتحول

لا تشكو

لا تتذكر حتى أمها

لم يسمع نشيدها أحد

لم تتذوق طعمها مع جسد آخر.

الوجوه سعيدة هنا

في ذاكرتها قطط نائمة

فوق أرائك حمراء،

في ذاكرتي

نصف وجهك يحدقُ بي

حاجبكَ الأيسر يحجبُ تحية أحد المارة

فمكَ الضجر يقتل السؤال

ذقنك تغير الحديث

وتغير مكاني ….

أفكرُ بكَ كثيرًا

وأقول لصديقتي في الحانة:

هل من جدار أسند إليه حنيني.

رائحتكَ.. رائحتك

لي فيها جيبٌ صغير

أعدْ لي ما خبأتُ في جوفه

أعدْ لي شرفتي

“الشرفة كيف لها أن تنمو

من دون انتظار”

لو كنتَ مكانًا جميلًا أزورهُ فقط

لو كنتَ صورة ضائعة أتذكرها

وأحكي عنها لأصدقائي.

أعد لي التفاصيل المدببة

عندما كان عرق يديك

يرقد على قبضة الباب

على قبضة قلبي

حتى تعود.

أفكر بك كثيرًا

أرنو من شباك الحانة إلى آخر الشارع

أرى وميضًا يرتعش

أقبض عليه بكلتا يدي

ثم أتنهد

كما لو كان أنت.

مقالات ذات صلة

إغلاق