تتوالى هزائم تنظيم الدولة الإسلامية أمام قوات التحالف الدولي التي أصبحت لها قوات برية عاملة على الأرض، وميليشيا “قسد” التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية سياسيًا وبشريًا بدعم ومساندة أميركيين. فقد نفذت الثلاثاء 22 آذار/ مارس 2017، قوة مشتركة من مشاة البحرية الأميركية و”قسد” إنزالًا مظليًا في قرى المشيرفة والقرين، وفي المحمية الطبيعة في منطقة القرين على الضفة اليمنى لبحيرة سد الفرات القريبة من مدينة الطبقة، ثم نقلت قوة أخرى مقاتلين وأسلحة وآليات من قلعة جعبر إلى الضفة اليمنى؛ حيث حدث الإنزال. وفي هذه الأثناء كانت مدينة الطبقة تتعرض لقصف مدفعي وغارات جوية مكثفة طالت بُنى تحتية وتجمعات سكنية مما دفع بسكانها إلى النزوح منها نحو القرى القريبة مشكلين سيلًا بشريًا على الطرقات الواصلة إلى أرياف الطبقة، وعلى الطريق السريع بين حلب والرقة.
يشير سكان محليون من مدينة الطبقة إلى أنها تكاد تخلو من سكانها، وخاصة مع انهيار إدارات “داعش” في المدينة، وانسحاب معظم مقاتليها منها، وتوقف خدمات المستشفيات والمياه والصرف الصحي واستمرار القصف على أحياء المدينة وضواحيها القريبة. في المقابل، وفي الريف الشرقي من المحافظة، توشك قوات التحالف وشريكها الكردي أن تبسط سيطرتها على البلدة التي خسر التنظيم أكثر من نصفها، بينما بدأت قوات برية للتحالف و”قسد” بالتقدم نحو محور حمرة بلاسم الذي يقع إلى الغرب من بلدة الكرامة، ما يعني -إن تحقق- عزل الكرامة من جهاتها الثلاث: الشرقية والغربية والجنوبية، فلا يتبقى إلا الجهة الجنوبية؛ حيث السهل الموازي لنهر الفرات على ضفته اليسرى.
في بلدة الكرامة أيضًا، قتلت الميليشيا الكردية ثلاثة عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية، ثأرًا من مشاركتهم في حملة التنظيم على بلدة عين العرب عام 2014. الحادثة التي جرت في أحد أحياء الكرامة التي وقعت تحت سيطرة الميليشيا الكردية، وقعت بعد أن اختطف مقاتلون أكراد، يحملون قوائم بأسماء مقاتلين في تنظيم “داعش” شاركوا في حملته، شقيقتي الأخوة الثلاثة لدفعهم إلى تسليم أنفسهم، وهذا ما جرى بالفعل؛ إذ سلم الأشقاء الثلاثة أنفسهم إلى المقاتلين الأكراد الذين أطلقوا سراح شقيقتيهم وأعدموهم في الحال؛ حادثة تشير إلى مدى الاحتقان وروح الانتقام اللتين يحملهما مقاتلي هذه الميليشيات ردًا على الفظائع التي ارتكبها منتسبو “داعش” بدورهم بحق مواطنين أكراد في عين العرب وسواها من مناطق خضعت لسلطة هذه التنظيم الهجين، كما تُنذر بمصير الآلاف من الشبان المحليين ممن تورطوا في الانتساب إلى التنظيم في مناطق ريف حلب الشرقي والرقة ودير الزور، العماد البشري المحلي لتنظيم “داعش”.
بموازاة هذا التقدم لقوات التحالف وشركائها الأكراد في ريف الرقة الغربي، حققت قوات النظام السوري تقدمًا لافتًا بدورها على محور مسكنة ودير حافر، ما يعني أيضًا أن عناصر “داعش” المحليين والمهاجرين أمام خيار وحيد في الفرار، أي، الشامية. وبالفعل، يبدو أن سياسة التنظيم الحالية تشير على عناصرها بالانسحاب نحو الشامية ثم التوجه نحو الشرق، أي، نحو دير الزور وريفها الشرقي المُحاذي للحدود السورية العراقية والمفتوح على بادية الشام والصحراء العراقية.
وقد بدأ السكان المحليون في الرقة استشعار الخلل في بنية التنظيم وأدائه لوظائفه. فقد انتشرت عصابات السرقة واقتحام المحلات والبيوت الخالية بغرض السرقة، التي يبدو أن من يُديرها هم عناصر من التنظيم استشعروا قرب انتهاء وجوده وسطوته؛ كما بدا التنظيم متراخيًا في فرض رقابته اليومية على سلوك الناس في الشوارع والمحلات، إذا غابت سيارات جهاز الحسبة التي تجوب الشوارع عادة وترهب السكان، النساء منهم خاصة؛ كما خفت شدة رقابته على ما تبقى من مقاهي الإنترنت داخل المدينة.
أدرك الحس الشعبي السوري في المناطق التي احتلها “داعش” طوال الأعوام الأربعة الأخيرة أن التنظيم طارئ، وأن مشروعه غير قابل للحياة، وأنه إلى زوال، لكنهم اليوم وهم يشهدون زواله فعلًا، يتخوفون من الألغام التي زرعها هذا التنظيم داخل المجتمع السوري، لن يكون التنافر العربي- الكردي أولها، ولن تكون الثارات العشائرية بين أبناء المدينة أو القرية الواحدة أخرها وأهونها.