كلمة جيرون

لا يُحلّل ولا يُحرِّم

قبل أيام، وببادرة لا يمكن إلا وصفها بـ “الصحّية”، أعلن فصيل عسكري، سوري مسلّح تابع لـ “الجيش السوري الحر”، يُشارك في معارك ضد النظام السوري في ريف حماة، أنه سيُحوّل مساره القتالي، ليحيد عن بلدة يسكنها مسيحيون سوريون، ولن يدخلها على الرغم من أنها ضمن طريقه القتالي، “حفاظًا على سلامتها واحترامًا للأقلية المسيحية في سورية”، وفق بيان.

وبمسؤولية، أعلن هذا الفصيل أن هذه البلدة، التي تقطنها أقلّية دينية، ليست هدفًا كما يدعي إعلام النظام وحلفائه، ووضع نفسه تحت تصرّف أهاليها، إن أرادوا أي حماية أو مساعدة، بل وفيما بعد أكّدت المعارضة أنها جاهزة لمساعدة أي كيان ديني مسيحي ليدير المدينة، ثم، وهو الأهم، حذّرت من أن أي خلل في البلدة سيكون من عمل النظام، الماهر باللعبة الطائفية، والمحترف ببث الفتن، والفاقد للأخلاق في هذا الشأن.

لم تستبعد المعارض السورية أن يُخطط النظام لعمل طائفي وقح ضد أهالي تلك البلدة، وخاصة أنه صاحب تاريخ طويل في هذا المضمار، وأفعاله السود لم تغب عن الذاكرة بعد، أقلّه منذ انطلاق الثورة السورية قبل ست سنوات.

منذ انطلاق الثورة وحتى اليوم، دمّرت براميل النظام وصواريخه 35 كنيسة (تقديرات منظمات حقوقية)، وأدخل دباباته إلى كنائس في مناطق سكنية، ووضع مدافعه في أديرة في أعالي الجبال، واعتقلت أجهزته الأمنية كثيرًا من المعارضين المسيحيين، وقتلت محتجين مسيحيين، ولم تحترم خصوصية أي أقلية، مسيحية كانت أم إسماعيلية أم درزية أم سواها، ولم تُحيّدهم عن الصراع المسلح.

ازدادت هجرة المسيحيين من سورية عمومًا في العقود الأربعة الأخيرة، بعد استلام الأسد الأب السلطة، وادّعى أنه حامي الأقليات، فبينما كانت نسبتهم 20 في المئة من سكانها عند الاستقلال عام 1945، صاروا 16.5 في المئة عام 1980، ثم 11 في المئة عام 1990، ثم أقل من 6 في المئة الآن، بعد عطاءات الأب والابن، حماة الأقليات ودرعها، اللذين أفقدا سورية ملحها.

في عام 2011، كان الشارع المسيحي متعاطفًا مع الثورة، وبعضه داعمًا ومؤيدًا لها ولأهدافها ممثلة بالحرية والديمقراطية والكرامة وإسقاط النظام الاستبدادي، مثّلته نخب سياسية مسيحية، بينما كانت المؤسسة الكنسية التي تهيمن عليها طبقة الإكليروس، موالية للنظام، بعد أن تخلّت عن الحقوق السياسية لصالح حقوق الله، وساعدوا النظام بإرعاب المسيحيين من سلبيات الثورة، ثم جاءت التنظيمات الإرهابية التكفيرية -الحليفة للنظام- لتُكمل ما لم يُنجز.

يُخطئ من يعتقد أن المسيحيين، حالهم حال الدروز والاسماعيليين، هم جزء عضوي من النظام، فهو بالأساس لم ولن يقبل بهم شركاء كاملي الحقوق، ويخطئ -أيضًا- من يعتقد أن هذه الأقليات مُستهدفة من أصحاب الثورة؛ لأن هذا الافتراض يحمل كثيرًا من الظلم، فالثورة التي بدأت قبل ست سنوات، وحوّلها النظام السوري إلى حرب، لم تقم ضد الأقليات، ولم تستهدفهم، ولم تقتل مسيحيًا أو إسماعيليًا أو درزيًا على الهوية، ولم تعتدِ على أي منطقة لأقليات، بل واحترمت خيارهم في الوقوف على الحياد، على عكس النظام الذي افتعل بضع مجازر متفرقة، واتهم المعارضة ليخيف من لم يخف منهم بعد، ويعيدهم إلى ملجئه الوهمي، وعلى هذه الأقليات اليوم، ألا تُخطئ، وأن تُدرك أن سورية ما بعد نظام الأسد ستتسع لجميع الآراء والمذاهب والديانات، وهذا ما أعلنت عنه الأكثرية قبل الأقليات.

مقالات ذات صلة

إغلاق