ترجمات

موقع ال”بي.بي.سي”: الصراع في سورية: حل اللغز

المعارك في الرقة تتكثف في الفترة الأخيرة.

 

مع اكتساب القوات العراقية اليدَ العليا في المعارك ضد ما يدعى بـ “الدولة الإسلامية في العراق والشام” في الموصل، ينتقل التركيز على الهجوم ضد التنظيم في عاصمته، على أرض الواقع، في سورية؛ مدينة الرقة.

وقد جرى تحريك ميليشيا “الوحدات” إلى مواقعها. ونشرت الولايات المتحدة مجموعة صغيرة من المدفعية، لضمان وجود قوة نارية داعمة وجاهزة للقصف في حال تطلبت الأوضاع ذلك، بغض النظر عن الأحوال الجوية التي قد تعيق العمليات العسكرية الجوية.

وهنالك شعور متنام ببدء اندحار “داعش”، وحشرها في زاوية ضيقة؛ إذ تتقلص حدود “خلافتها” وقد تنتهي مرحلة من مراحل قصتها قريبًا. لكن نهاية مرحلة، قد تعني بداية مرحلة جديدة.

فتدمير “داعش”، بوصفه كيانًا قائمًا على الأرض، ولديه حدود جغرافية، أمر في طريقه إلى الحدوث؛ أما الأيديولوجيا فقد تبقى.

وقد تعود “داعش” إلى التغلل داخل تلك الدول التي تحتوي على صراعات، متغذية على الفوضى المستمرة، وانعدام الاستقرار، والتوترات الطائفية الموجودة في كل من العراق وسورية. خاصة في سورية، حيث لديها أقران، مثل الجماعات المرتبطة بالقاعدة.

مجموعة القوات الموجودة

ولكن احتمال حدوث الاستقرار بعيد المنال، أيًا كانت نتيجة المعارك في الرقة، وذلك بسبب سيطرة لاعبين إقليميين أقوياء على الصراع في سورية، دون تقديم أحد خطة شاملة أو متماسكة بما يخص مستقبل البلاد، وأقل هؤلاء هم الأميركيون الذين يبدون هامشيين في الصراع إلى حد بعيد.

وعلى الرغم من كل وعود الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب، بشن هجمات جديدة على تنظيم “داعش”، تدل المؤشرات كلها على أن سياسة ترامب سوف تكون نسخة مدعّمة من تلك التي انتهجتها الإدارة السابقة، أيًا كان التفكير الجديد الآتي من البيت الأبيض.

وبالفعل، يقترح عدّ “هزيمة” “داعش” (أيًا يكن معنى كلمة هزيمة هنا) أولويةً عليا، إن فريق ترامب سوف يدفع بخطة ضئيلة بقدر ضآلة خطة سلفه.

إضافة إلى أن المناخ الذي يواجه إدارة ترامب يتجه نحو التعقيد أكثر من السابق.

 

 

لقد تغيرت الخريطة الاستراتيجية في سورية تغيرًا كبيرًا. وإذ يقترح التدخل الروسي واستعادة النظام السوري مدينة حلب أن بشار الأسد، وعلى الرغم من حكمه جزءًا صغيرًا من البلاد، باقٍ في منصبه في الوقت الحالي. والمجموعات المعارضة المختلفة أضعف وأكثر انقسامًا من أن تفعل شيئًا حيال هذا الأمر.

القوة الجوية الروسية مدعومةً بقوة الإيرانيين والمليشيات الشيعية على الأرض، جعلت إيران لاعبًا يُحسب حسابه في سورية.

تدخلت تركيا في شمالي البلاد، لـ “دحر داعش”، لكن في الأساس تدخلت لمنع ظهور كيان كردي على حدودها الجنوبية.

يرتبط اللاعبون الداخليون والخارجيون معًا في الصراع في سورية بحيث يجعل من مستقبل سورية أمرًا مركزيًا، يقوم عليه صراع إقليمي أوسع بكثير، حيث لا يكتفي اللاعبون الخارجيون بتسليح مختلف الفصائل –كما فعلوا في المراحل الأولى من الصراع السوري- وإنما يزجون بجنودهم وميليشياتهم مباشرة على الأرض.

تلك هي مجموعة القوات الموجودة في سورية، ويتعين على إدارة ترامب التعامل معها. وهي حال تبقى فيها الولايات المتحدة بقاءً دائمًا في المكان، ولكن ليس لاعبًا حاسمًا. وهي حال تغامر فيها واشنطن بالانجرار إلى الصراع انجرارًا أعمق، دون هدف واضح في الحسبان.

المخاوف التركية

والمعركة في الرقة مثال عن ذلك.

تختلف واشنطن وأنقرة على من يجب أن يشن ذلك الهجوم. مع ميل الولايات المتحدة إلى حلفائها الأكراد، تفضل تركيا –المتشككة دومًا بطموحات الأكراد- أن تقود ميليشيات مرتبطة بقواتها ذلك الهجوم.

 

الرئيس أردوغان، يعترض على أي تعزيز للميليشيا الكردية في سورية.

 

يقول جوشوا لانديس، مدير مركز سياسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، ومراقب حثيث للأوضاع في سورية: سيكون من الصعب جدًا على واشنطن أن تهدئ من مخاوف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن الأكراد. وقد أخبرني لانديس أن “الرئيس أردوغان مقتنع بأنه إذا انبثقت الـ “روجافا” [وهو مصطلح يستخدمه الأكراد للإشارة إلى ما يدعونه بكردستان الغربية أو السورية، وكإسم للإقليم المستقل الجديد الذي ينوون خلقه] فسوف يتشكل لدى أكراد تركيا قاعدة خلفية ينطلقون منها للسعي نحو استقلالهم الخاص عن تركيا.

ويضيف لانديس، “يخشى السيد أردوغان من خسارة أناضوليا الشرقية”.

وأفضل ما يعبر عن تعقيد الوضع هو الصراع في، وحول، بلدة منبج الصغيرة، حيث جرى نشر “حراس الجيش الأميركي” بعرباتهم التي ترفع العلم الأميركي دائمًا؛ ليكونوا حدًا فاصلًا بين الميليشيا الكردية، وفصائل الجيش الحر الموالية لتركيا. وليس الجيش التركي نفسه بعيدًا، ويقال إن أعدادًا صغيرة من الجنود الروس دخلوا البلدة كذلك، لحراسة شحنات إغاثية.

وقد أطلقت القوات التركية وحلفاؤها النار على جنود تابعين للحكومة السورية بالفعل، في غربي البلدة، في سلسلة من القرى –التي احتلها بالأصل ما يدعى بميليشيا “قوات سورية الديمقراطية”- ولكن سلمت في ما بعد إلى قوات بشار الأسد على أمل وقف تقدم القوات التركية.

 

مقاتلون من قوات سورية الديمقراطية، يتلقون الدعم من الولايات المتحدة

 

وأخبرني البروفيسور لانديس أنه إذا كان الرئيس ترامب جديًا ومتعجلًا في تدمير “داعش”، “فعليه الدفع إلى الأمام، بما لديه من حلفاء. [….] هم ميليشيا “قوات سورية الديمقراطية” التي يقودها أكراد، وفيها بعض الوحدات العربية، لكنها تتلقى التعليمات من ميليشيا “وحدات حماية الشعب”، وهدف أولئك الأساسي ضمان حكم ذاتي للأكراد في سورية”.

ويتلهف القادة الأكراد لمساعدة الولايات المتحدة في مواجهة “داعش”، لأنهم، على أقل تقدير، يرغبون في كسب دعم الولايات المتحدة لتدريب وتجهيز قواتهم.

يقول البروفيسور لانديس: إن الأكراد، بالمقاييس السياسية، متلهفون “للسيطرة على بقاع واسعة من الأراضي السورية التي تسيطر عليها “داعش” في الوقت الحالي، ليبادلوها مع حكومة الأسد مقابل حكم ذاتي كردي”.

صفقة بين الأكراد والأسد؟

يحدث ذلك الآن في محيط بلدة منبج بالفعل.

إذن؛ ما فرص الأكراد في الحصول على نوع من الصفقة؟

ليس الأسد سعيدًا، كذلك، بشأن نيات الأكراد الانفصالية في سورية. لكن جيش النظام السوري ضعيف ومنهك. وقد تفكك جزء كبير منه إلى شكل ميليشيات يديرها رجال أعمال محليون.

 

جرى نشر قوات “حراس الجيش الأميركي” في مناطق تفصل بين ميليشيا قوات سورية الديمقراطية الكردية، وبين الفصائل الموالية لتركيا، بالقرب من بلدة منبج.

 

يشير البروفيسور لانديس إلى “أن احتمال انتصار الأسد على الأكراد في سورية ضئيل، خاصة إذا نالوا الدعم الأميركي. وتسعى روسيا، كذلك، إلى إبرام صفقة بين الأكراد في سورية وبين الأسد. لذا، ففرص حدوث نوع من الاتفاق أو التسوية بين الأسد والأكراد في سورية عالية”.

ويشكل ذلك، بطبيعة الحال، تحديًا كبيرًا لتركيا التي تسيطر الآن على مجموعة من الأراضي في الشمال السوري.

لكن البروفيسور لانديس لا يعتقد بأن الأتراك سيحاولون التمسك بتلك الأراضي دائمًا. يقول بـ. لانديس “سوف تستخدم تركيا الجيش المعارض السوري الموالي لها؛ لتوازن القوة ضد كل من الأكراد والأسد. وتكمن مصلحتها الأساسية التي توليها الأولوية في الحد من التوجه نحو انفصال للأكراد في سورية، ومد الدعم العسكري إلى الأكراد في تركيا”.

ويضيف: “إذا كان لها أن تستبدل تلك الأراضي في الشمال السوري، وتتخلى عنها إلى الأسد أو روسيا في مقابل ضمانات، يمكن الاعتماد عليها، تؤكد عدم تمكن الأكراد في سورية من بناء دولة كردية محاذية للجنوب التركي، فسوف تقوم بفعل ذلك”.

صراع مستمر

تعد روسيا، بطبيعة الحال، مدافعًا قويًا عن السيادة السورية على أراضيها.

وبالنظر إلى دائرة مطالب الأكراد، لن يكون دعم موسكو لدمشق، ولا علاقات واشنطن مع أنقرة بالأمر السهل.

ولكن على المدى الطويل، يعتقد البروفيسور لانديس أن نوعًا من “الكيان الكردي ذي الحكم الذاتي، قد يكون أمرًا ممكنًا في نهاية المطاف، في سورية ذات سيادة، ما يشابه كثيرًا ما دعمته الولايات المتحدة من وضع للأكراد في العراق”.

ولا يؤدي أي من الأمور المذكورة إلى أن المعركة على الرقة سوف تكون نهاية اللعبة في سورية، ولا نهاية للحروب الأهلية المريرة في البلاد.

الصراع في سورية، مستمر.

 

ليس تركيز الرئيس ترامب على “تدمير “داعش”” سوى جواب جزئي عن مشكلة إقليمية أوسع بكثير.

 

وسيحتوي ذلك الصراع روسيا (حامية النظام السوري) وتركيا وإيران بوصفهما لاعبين رئيسين في سورية، بينما تدفع كل من الولايات المتحدة وحلفائها من الخليج العربي إلى الهامش.

وما تركيز الرئيس ترامب على “تدمير “داعش”” سوى جواب جزئي عن مشكلة إقليمية أوسع بكثير، ولا يمكن حلها إلا عبر معالجة ديبلوماسية ترتكز على مسارات أوسع لتشمل أبعادها.

 

اسم المقالة الأصليSyria conflict: Unravelling the puzzle
الكاتبJonathan Marcusجوناثان ماركوس
مكان وتاريخ النشرB.B.C. website، 17/03/2017
رابط المقالةhttp://www.bbc.com/news/world-middle-east-39284722
ترجمةمروان زكريا

مقالات ذات صلة

إغلاق