ترجمات

الغارديان: في قلب سيبيريا المحطم ما يزال بوتين “قيصر روسيا الطيب”

إركوتسك تكافح الفقر، إذ لا تساعد السلطاتُ سوى بالقليل؛ لكنني وجدت تناقضًا محيرًا

لقد أصبحت الحياة بالنسبة لكثير من الروس أكثر صعوبة منذ عام 2014، ومع ذلك؛ فإن فلاديمير بوتين، المسؤول الفعلي عن البلاد منذ 17 عامًا، ما زال يتمتع بشعبيةٍ كبيرة، لم تنخفض إلى ما دون 80 في المئة، منذ أن ضمّ شبه جزيرة القرم قبل ثلاث سنوات.

هذه هي المفارقة التي أعبر عنها باستمرار في رحلاتٍ حول روسيا؛ يقول الناس إنَّ حياتهم صعبة، ولا تفعل السلطات سوى القليل لمساعدتهم، ومع ذلك؛ فإنَّ دعمهم للرئيس ما يزال مرتفعًا. سافرت في رحلةٍ استغرقت ست ساعاتٍ في الطائرة، من موسكو إلى إركوتسك، قلب سيبيريا، لتفحص بعض أسباب التناقض.

الحياة في المدينة صعبةٌ جدًا، ينتشر فيها وباء فيروس نقص المناعة البشرية، والهيروين منتشر ويخزَّن في المنازل المتهالكة، ففي كانون الأول /ديسمبر، تُوفي العشرات من الناس بسبب شرب مواد سامة؛ تُستخدم محلولَ حمّام، ولكنها شُربت مُسكرًا؛ لأنها تحتوي على الإيثانول.

على الرغم من أن إركوتسك تمتعت بانتعاشٍ اقتصادي خلال سنوات الازدهار النفطي، لكن الأمور كما هو الحال في كل مكان من روسيا، تدهورت منذ عام 2014، إذ أظهرت دراسةٌ حديثة أنَّ 41 في المئة من الروس يعانون من صعوبةٍ في توفير الغذاء والملابس، وكثير من الناس يشعرون بالحنين إلى المرحلة السوفياتية. وباختصار، فإنّ كثيرًا من الشكاوى تبدو وكأنها نسخ أكثر كثافة من المظالم في كثير من مناطق الغرب ما بعد الصناعية خلال العامين الماضيين، ففي البلدان الغربية أدت الكآبة الاجتماعية والاقتصادية والحرمان السياسي إلى ثورةٍ ضد السياسيين والنخب، وإلى بريكزيست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، وفوز دونالد ترامب، وصعود اليمين المتطرف.

لكن كلَّ من تحدثت إليهم تقريبًا في إركوتسك، أخبروني أنَّه مهما كانت المشكلات التي يواجهونها في حياتهم اليومية، فإنهم لن يلوموا الحكومة. اشتكت إيلينا التي ترأس تجمع بيوت ريفية(داشا)، من أنَّ خطة فاسدة في شركة الكهرباء المحلية تعني “لم يكن هناك ما يكفي من الكهرباء لغليّ ابريق الشاي” في حيّها.

لم تفعل السلطات شيئًا، وكان الناس على أعصابهم، ولكن سألت عن بوتين، قالت: كوني “روسية، أؤيده تمامًا”. في المدرسة رقم 45، قال بعض الأطفال: إنَّ والديّهم قد قلصا من أطعمتهم المفضلة، مع تشديد الميزانيات المعيشية للأسر، ولكن حتى من هم في الثانية عشرة من عمرهم اعترفوا بأنهم معجبين جدًا ببوتين.

وأظهر آخر استطلاعٍ للرأي أجراه مركز ليفادا المستقل أن 84 في المئة من الروس يوافقون على بوتين، على الرغم من أن 53 في المئة منهم -فقط- يعتقدون أن “البلد يسير في الاتجاه الصحيح”، وهو تناقضٌ يشلّ العقل.

السبب الأول هو رسالة النظام الموثوقة، والموثوق بها التي تتمثل في إظهار الفرق بين “استقرار” اليوم وفوضى التسعينيات، عندما كانت الأمور فظيعةً حقًا، بالنسبة إلى جميع الروس تقريبًا، حين استولى عددٌ قليل من الناس على كل فوائد الخصخصة، بينما تُركت أغلبية السكان في حالة فقرٍ.

وقالت ألينا بوبوفا، البالغة من العمر 22 عامًا، وهي طالبةٌ، وسياسية شبابية في إيركوتسك: “لم يكن الناس في الغرب يعيشون هنا في التسعينيات، وأنا لم أكن أعيش في التسعينيات، بالطبع، ولكن الناس يتحدثون عن الاستقرار. جاء بوتين، وحقق الاستقرار “.

ومن المفهوم أنَّ هذه الرسالة انتشرت في السنوات الأولى من حكم بوتين، وتزامنت مع ارتفاع أسعار النفط، وهذا يعني أنَّ حياة كثير من الناس تتحسن في الواقع، وانتهت الحرب في الشيشان، واختفى قطاع الطرق من الشوارع، وبدأ يتراجع كلَّ من اليأس الوجودي والاقتصادي الناتجين عن الانهيار السوفياتي، ومن المثير للدهشة، أنَّ هذه الرسالة ما تزال ساريةً إلى عام 2017، وتكرّر مثل تعويذة؛ حتى من أولئك الذين لا يسمح عمرهم لتذكر التسعينيات، أمثال بوبوفا.

ويرجع ذلك جزئيًا -في الأقل- إلى الرسائل التليفزيونية المستمرة؛ إذ يصوَّر بوتين على أنّه “القيصر الطيب” الذي يحاول أن يعيد نبلاءه الجامحين والفاسدين إلى النظام. الرسالة هي أنك حتى لو كنت لا تحب بوتين، لكن لا يوجد بديل. يظهر كثير من التأييد لبوتين ظهورًا افتراضيًا تقريبًا – بعدّه تصويتًا “ضد الفوضى” أكثر من كونه لـ “بوتين”.

وقال أليكسي نافالني، وهو ناشطٌ في مجال مكافحة الفساد: إنّه سيقف ضد بوتين في انتخابات العام المقبل، ولكنْ من غير المرجح أنْ يُسمح له بالاقتراع، وقد تعرّض للمضايقات والمحاكمة، وشاهد شقيقه معتقلًا في السنوات القليلة الماضية، واتهم بوتين بإقامة نظامٍ يستحيل فيه اجراء تغييرٍ من خلال صندوق الاقتراع؛ ما يمهد الطريق أمام اضطراباتٍ محتملة أخرى.

“الحياة في إركوتسك صعبة جدا.” صور غيتي/ أرشيف الصور

إنَّ روسيا بوتين هي نوعٌ غريب من الاستبداد، وهي دكتاتوريةٌ ناعمة وانتقائية، تحكم بالخوف أكثر مما قد يحدث لك بالحظر الصريح، إذ يمكن أن يُسمح بعرض هجاءٍ فاضحٍ، ومرير حول روسيا المعاصرة، على خشبة المسرح في مسرح مركزي مموّل من الدولة في موسكو. وفي الوقت نفسه، يحاكَم الناس على مشاركاتهم وإعجاباتهم في الفيسبوك، أو يُرسَلون إلى السجن بسبب حوادثٍ طفيفة جدًا في الاحتجاجات. النتيجة؛ يتساءل الناس عما إذا كان الوضع حقًا يستحق الاحتجاج، نظرًا إلى أنه لا يزال لديهم الخوف من أن يخسروا أكثر من أن يكسبوا، لربما لن يحدث شيء سيئ، ولكن “ربما” لا وجود لضمانات.

على سبيل المثال، استدعى المعلمون الطلاب الذين يرغبون في حضور احتجاجٍ نهاية هذا الأسبوع، حول تحقيق يخص فساد رئيس الوزراء، ديمتري ميدفيديف، وطُلب منهم خلع ملابسهم خلعًا غير عادي، وقيدوا؛ لأنه من الجنون واللاوطنية أن يحتجوا.

في إركوتسك، أخبرني أستاذٌ جامعي محلي، أليكسي بيتروف، وهو مؤرخ ٌمعروف بسياساته المعارضة، بأنهم أطلقوا النار عليه أخيرًا. والسبب الحقيقي؛ لأنه يُعدّ “غير موثوق به سياسيًا”. كذلك أعلنت أولغا زاكوفا، مرشحة عن حزب روسيا المفتوحة، وهو حزبٌ معارض، ممول من رجل الأعمال المنفي، ميخائيل خودوركوفسكي، أنها تعرضت لعمليات تفتيشٍ مكتبية ومضايقات. في هذه الأوضاع، معظم الناس يفضلون إبقاء رؤوسهم إلى الأسفل.

انخفضت شعبية بوتين إلى الستينيات عام 2012 – وهي نسبةٌ محترمة لأيّ سياسيّ غربي، ولكنها منخفضةٌ انخفاضًا خطِرًا بالنسبة إلى معايير الرئيس الروسي، واجتاحت الاحتجاجات المدن الكبرى، إذ طالب الناس بأكثر من “الاستقرار”.

كان ردَّ بوتين، عندما عاد إلى الرئاسة عام 2012، بعد انقطاعٍ دام أربع سنواتٍ، كان رئيسًا للوزراء، هو أن اتخذ خطًا أكثر تحفظًا، متعاطفًا مع أغلبية الروس ضد الأقلية المتغطرسة. هذا المسار الأكثر عدوانية الذي يُظهر روسيا وكأنها تتعرض للهجوم من الغرب، ومن الليبراليين في الداخل، وصل إلى ذروته عام 2014.

أدى التحرك الحاسم ضد أوكرانيا، والعقوبات الغربية اللاحقة، بالروس إلى التجمع وراء القيادة، فوصف المحلل ومستشار الكرملين السابق، غليب بافلوفسكي، عام 2014 بأنّه “النشوة الجيوسياسية” لروسيا التي جددت دعم بوتين. وأضاف: “كانت نشوةً سريعة ولا تُنسى، حيث لم تجرًب روسيا كثيرًا من تلك النشوات في القرن الماضي، والآن تحولت نشوة القرم إلى نشوة القرم- سورية- ترامب. من الصعب القول كم سيدوم أثرها؛ لأنها ليست شيئًا منطقيًا.”

فيلم شاون ووكر على موقع theguardian.com. هذه المقالة جزء من مفارقة بوتين؛ وهي سلسلة تدقق في أسباب الدعم للقيادة الروسية.

اسم المقالة الأصليIn the broken-down heart of Siberia, Putin is still Russia’s ‘good tsar’

 

الكاتبشاون ووكر، Shaun Walker
مكان النشر وتاريخهالغارديان، The guardian، 23/3
رابط المقالةhttps://www.theguardian.com/commentisfree/2017/mar/23/siberia-putin-russia-tsar-irkutsk-poverty
ترجمةأحمد عيشة

مقالات ذات صلة

إغلاق