تحقيقات وتقارير سياسية

الفوضى لا تنتصر على النظام!

على الرغم من مرور ست سنوات من ثورة السوريين على النظام، فإن السوريين لم يتعلموا من النظام إحدى أهم نقاط قوته، وهي الكلمة التي يصفون بها القوة المجابهة لثورتهم، وأقصد النظام، لقد مرت ست سنوات، وما يزال النظام يتصرف تصرفًا منظمًا؛ حتى في توحشه وتسريباته ومعاركه، خلافًا لقوى الثورة والمعارضة التي ما تزال مشرذمة، تغلب عليها الارتجالية والفوضى في معاركها السياسية والعسكرية معًا.

لقد عدّ كثير من كتاب الثورة أن غياب قيادة ثابتة للثورة السورية من أهم نقاط قوتها، وهم بذلك يخالفون كل تاريخ الثورات العالمية التي كانت بقيادة واحدة ومرجعية ثورية دائمة، وتلك من أهم نقاط قوتها وأسرار نجاحها، لقد مرّ على ثورة السوريين أكثر من عشر شخصيات وتكتلات وهيئات تتبدل شهريًا، تارة بذريعة الديمقراطية، وتارة بالتوسعة وصناعة هيئات أكثر شفافية وديمقراطية.

مع كل مبعوث دولي هناك لجنة مفاوضات جديدة، لا يعرف -حتى الآن- آلية تشكيلها واختيار أعضائها، في حين مرّت السنوات الست نفسها على النظام أيضًا، ولم يعرف مفاوضًا ومتحدثًا باسمه سوى المندوب الجعفري في الخارج، ووزير الخارجية، أو نائبه في الداخل! حتى أن معارضين بارزين أشاروا أكثر من مرة في الإعلام متهكمين من طريقة العمل السياسي في اختيار رئيس أعلى للمعارضة، وجعلها في ثلاثة أشهر بأنها كلعبة الدراجة الهوائية التي يتبادل الأطفال الدور على اللعب بها!

أما بشأن المعارك، فقد خاضت الثورة السورية في سنواتها الست المنصرمة معارك عبثية غير ذات جدوى، مقارنة بالمعارك المنظمة التي خاضها النظام، فلقد دخلت قوات المعارضة مدينة كسب عام 2014 بضوء أخضر تركي، خسرت معه المئات من قوات المعارضة؛ ليأتي الضوء البرتقالي بعدئذ بالتحضير للانسحاب.

يمكن الاستنتاج من عشرات المعارك الثورية، أنها لم تكن لتحقق أي خلخلة للنظام، عندما تكون بأوامر الداعمين الإقليمين، فليس من العبث أن تكون المحافظة الأولى المحررة من النظام قاعدة لتنظيم الدولة الإسلامية، أو أن تكون المحافظة الثانية حرة؛ لتكون الثقل المركزي لقوى النصرة، وليست معركة حلب ببعيدة، وجاءت في عقب معركة سميت بـ “إبراهيم اليوسف”! ومعركة العباسيين الأخيرة سوى ذريعة للنظام لتعزيز تماسكه والانتباه إلى ثغراته، في حين نجد أن المعارك التي اتسمت بعفويتها، أو التي كانت لصد تقدم النظام في أي محافظة، هي المعارك التي توقع خسائر كبيرة في صفوف النظام وميليشياته الطائفية، كما حدث في معركة تحرير برج القصب في ريف اللاذقية، أو في الكمائن التي تحدث في جبال القلمون.

ست سنوات هي مدّة كافية لخلق صدمة في العقول؛ للانتقال من مدح الثورة إلى نقدها وتقويم مسارها.

لقد مات كثير من أنصار النظام، وجرح كثير، ويعمل النظام جاهدًا لتسجيلهم “شهداء”، لهم مبالغ مالية وتقاعدية، كل بحسب رتبته، فماذا عملت قوى الثورة والمعارضة من أجل شهدائها وجرحاها؟

تنفذ الحكومة الموقتة مشروعات في مناطق محررة، ولكنها ليست آمنة من قصف النظام، وليست آمنة بقرار أممي بعد، أليس هذا يعني هدرًا وصرفًا عبثيًا على مشروعات قد تكون هدفًا للقصف المدفعي والصاروخي والجوي؟

يعيش الآلاف من السوريين في المخيمات، وأصعبها في لبنان والزعتري، وقد حُرِم الآلاف من فرص التعليم. جيل كامل محروم من التعليم، في حين لم يُترك نازح من أهالي حلب أو إدلب، ممن هاجروا إلى الساحل أو دمشق دون تعليم، مع وجود بعض المشقّات، ولكنها عمومًا أفضل من المخيمات، وتحظى بالعناية من بعض الجمعيات الأهلية والإغاثية. المعتقلات والمعتقلون وحريتهن/م، فهل خلقنا استراتيجية لتحريرهن/م أو استراتيجية لمساعدة ذويهن/م وأزواجهن/م وأطفالهن/م؟

ويعبئ النظام تعبئة عامة ويستقدم قوى الاحتياط من الجيش، في حين أن الثورة تملك خمسة آلاف ضابط منشق لم تحسن تنظيمهم أو تلتفت إليهم!

هذا النقد لاستدراك مواطن الخلل، وشجاعة البوح بالعيوب، وإصلاح الثورة، وصناعة قيادة ومرجعية منظّمة، هو لمواجهة النظام، وبغير ذلك قد تمضي السابعة، ويستمر أصحاب الثورة في فوضويتهم وضياعهم وخسارتهم.

إنها حقيقة لا غبار عليها؛ النظام متوحش وباطل، ولكنه مُنظّم في توحشه وبطلانه، والثورة نبيلة وعظيمة ومحقة، ولكنها فوضوية في نبالتها ومقصرة جدًا في تنظيم نفسها والدفاع عن حقها، والغلبة في التاريخ تكون دومًا للمنظم، وإن كان باطلًا وغير أخلاقي، ينتصر على الفوضوي، وإن كان الفوضوي محقَا أو من سلالة نبي!

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق