لقد عانى بلدي(أوكرانيا) على نحو رهيب من هاجس الكرملين باستعادة الهيمنة السوفياتية، ولكن الأمن في أوروبا والغرب كله معرض للخطر
- ألف ميل من موسكو: كيف نحت بوتين قلبه الروسي
- فلاديمير بوتين لديه مجموعة واحدة موثوقة من الحلفاء: سيدات روسيا الحديديات
“تشكل اليوم روسيا أكبر تهديد لأمن ووحدة أوروبا منذ عام 1945.” القوات الموالية للروس تتحرك نحو دونتسك، شرقي أوكرانيا، في تشرين الثاني/نوفمبر 2014. تصوير: مستيسلاف تشيرنوف / أسوشيتد برس
على مدى العقد الماضي، خُيّل لأوروبا وعلى نحوٍ متزايد، بأنها تمشي نحو مكانٍ غير مستقر وأقلّ أمانًا، إذ يبدو أنَّ نظام ما بعد الحرب الذي وفرَّ كثيرًا من السلام والاستقرار في جميع أنحاء القارة، آخذٌ في الانهيار.
سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، فرح لهذا الأمر في مؤتمر ميونيخ للأمن الأخير، عندما تحدث عن حقبةٍ جديدة، لـ “ما بعد الغرب” في أوروبا، وأنّ استعادة الإمبراطورية الروسية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، قد أصبحت الآن هاجسًا للكرملين.
هناك ثلاثة أمور أساسية لفهم ما يُحفّز روسيا، وكيفية عمل حكومة فلاديمير بوتين.
الأول هو روسكي مير -“العالَم الروسي”: وهي فلسفةٌ تعود إلى الحقبة السوفياتية. والجوهري فيها هو الاعتقاد بأنَّ أوكرانيا جزءٌ من روسيا الكبرى.
في عام 1991، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، كانت روسيا ضعيفةً جدًا؛ بحيث يصعب أن تُقاوِم عندما صوَّتَ أكثر من 92 في المئة من المواطنين الأوكرانيين من أجل الاستقلال الذي نتوق إليه منذ قرون.
تدرّجًا، ومهما كان سعي روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي إلى ممارسة نفوذها على بلدي، أوكرانيا، لكنَّ ثورةً شعبية في عام 2014، أطاحت بـ فيكتور يانوكوفيتش، وهو الحدث الذي لم يكن بوسع روسيا أن تهضمه.
ونتيجةً لذلك؛ ضمت القرم ضمًا غير قانونيّ، وغزت إقليم الدونباس دعمًا لما يسمى بـ “جمهوريات لوهانسك ودونيتسك الشعبية” التي تعدّهم حكومة أوكرانيا ليسوا أكثر من مزيجٍ من المنظمات الإرهابية والإجرامية فحسب.
إنَّ شهية روسيا للهيمنة لا تتوقف عند أوكرانيا، وهي تنظر بشكلٍ جديّ إلى الدول السابقة الأخرى التي كانت تدور في فلك للاتحاد السوفياتي، وتسعى على نطاقٍ أوسع إلى زعزعة الاستقرار، وتقسيم بقية أوروبا، وتقسيم التحالف الأوسع عبر الأطلسي. ويشير إلى ذلك أنَّ الكرملين ينصب تماثيلَ جديدة لـ ستالين، أحد أسوأ مرتكبي القتل الجماعي في القرن العشرين.
ثانيًا، الحرب الهجينة هي المصطلح الذي سيكون غير مألوفٍ للغالبية. وقد طوَّرها الكرملين ورفعها إلى آفاقٍ جديدة، وكشفها للعالم بعد ضمّ القرم وغزو شرقي بلدي(أوكرانيا)، وقد رافق العدوان العسكري دعايةً مدروسة بعناية، وتنظيم انتخاباتٍ مخجلة لدعم النسخة الروسية من الواقع. على غرار الدعاية القديمة، يستخدم الأكاذيب الخبيثة لدعم قضية الكرملين، لكنها أكثر غدرًا وتطورًا مما حلم به الدعاة السوفيات القدامى في يومٍ ما.
تغني النساء النشيد الوطني الأوكراني في كييف بعد الإطاحة بالرئيس يانوكوفيتش، الذي هرب إلى روسيا. تصوير: روب ستوثارد /صور جيتي
يستفيد هذا النوع من الحروب استفادة تامة من التقنية الحديثة، إذ تقود محطة التلفزيون الممولة جيدًا، روسيا اليوم، أو RT، الحرب في جميع أنحاء العالم، بدعوتها المسالمة إلى “اسأل أكثر”. ما يريدون التشكيك فيه هو النظام القائم، وتحقيقًا لهذه الغاية، تقوم RT بتوظيف أدواتٍ مدفوعة الأجر من كلا الطيف السياسي: اليمين واليسار. إنها لا تحمل سرديةً روسية متماسكة -بل تسعى ببساطةٍ إلى تقويض سردية الغرب.
تمضي الحرب الهجينة أبعد من التلفزيون والإنترنت، من قمة الكرملين إلى الآلاف من “الساسة متلقي الأوامر” في مصانع قزمة خارج سان بطرسبرج أو موسكو الذين ينفثون سَمَّهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأنَّ روسيا موجودةٌ في كل مكان. إنّها استراتيجيةٌ متطورة، تتزاوج في بعض الأحيان مع العدوان التقليدي، وأحيانًا لا، ولكن دائما تخدم مصالحَ جيوسياسية روسية.
ثالثا، روسيا لا يُمكن الوثوق بها، فالحكومة الأوكرانية مختلفة اختلافًا جوهريًا، لكننا نفهم عقلية قيادة الكرملين: روسيا، كما يقول لك أيّ دبلوماسي تعامل مع الكرملين، تحترم السلطة فقط، وينبغي التفاوض معها من موقع قوةٍ وتضامن دولي فحسب.
روسيا تستغل الضعف، وتفعل ذلك في المفاوضات الثنائية، إضافة إلى أنها تستغل ضعف مجلس الأمن؛ إذ تتمادى في استخدام حقها في النقض، كونها أحد الأعضاء الخمسة الدائمين.
وروسيا لا تفي بوعودها، وقليلون في بلدي(أوكرانيا) كان يمكن أن يتخيلوا النتائج، عندما تخلت أوكرانيا في عام 1994 عن ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم، في ظلّ ضماناتٍ تحمي سلامتها الإقليمية من المملكة المتحدة، والولايات المتحدة وروسيا.
بضمِّ القرم وغزو الدونباس، فإن روسيا نقضت تلك الوثيقة التاريخية، وبصقت عليها، وهي مذكرة بودابست التي وقعت عليها أوكرانيا بحسن نيةٍ لجعل العالم مكانًا أكثرِ أمانًا، وبعد 20 عامًا، لم تحترم روسيا شرطًا واحدًا من اتفاق مينسك الذي وقعوه في محاولةٍ للتوصل الى حلٍ للحرب في الدونباس، إذ لقي 10 آلافٍ من أبناء شعبنا مصرعهم، وأُصيب 23 ألفًا منهم.
اليوم، تُشكّل روسيا أكبرَ تهديدٍ لأمن ووحدة أوروبا منذ عام 1945، ولا يمكن أن يكون هناك حديثٌ عن رفع العقوبات إلى أن يتحقق ثنيّ روسيا، وإقناعها بالامتثال للقواعد الدولية، لأن العقوبات تؤذي روسيا أكثر مما يعترف به الكرملين، فهي تقلّل من قدرة روسيا على زعزعة استقرار أوروبا والعالم.
يجب أن يبقى الغرب موحدًا في مواجهة التهديد، ويجب ألا يغض النظر أولًا. تذكر ما قاله البريطاني الكبير، ونستون تشرشل، عن المهادنين: هم الذين يغذون التماسيح، على أمل أنها سوف تُؤكل في وقتٍ لاحق.
اسم المقالة الأصلية | Putin’s desire for a new Russian empire won’t stop with Ukraine |
الكاتب | بافلو كليمكين، Pavlo Klimkin |
مكان النشر وتاريخه | الغارديان، The guardian،25/3 |
رابط المقالة | https://www.theguardian.com/commentisfree/2017/mar/25/putin-new-russian-empire-ukraine |
ترجمة | أحمد عيشة |
تعليق واحد