ترجمات

نيويورك تايمز: الإهانة اللاذعة لإطلاق سراح حسني مبارك

الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في قفص الاتهام، في قاعة محكمة القاهرة بين ابنيه: جمال وعلاء في عام 2015. مصطفى الشيمي /وكالة فرانس برس – صور جيتي

عندما سمعت أنّ الرئيس المصري السابق حسني مبارك قد أُطلق سراحه يوم الجمعة 24 آذار/ مارس، من المستشفى العسكري؛ حيث كان محتجزًا منذ أن بدأت محاكمته بعد أشهرٍ قليلة من ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 التي أطاحت به، أنعمت النظر في صورٍ من تلك المحاكمة، وأردت أن أتذكر التشويق والإثارة، وإن كانتا قصيرتي العمر، لرؤية هذا التجسيد لجميع الاستحقاقات المتراكمة خلال ما يقرب من 30 عامًا لحكمٍ اقتصر على القفص، حيث يُحتفَظ بالمتهمين في قاعات المحاكم المصرية.

كان أمرًا مروعًا ومذلًا أن يكون في هذا القفص. هذه هي نيته.

لذلك؛ كان هذا مشهدًا يعبر عن جرأة مصر الثورية؛ لأن السيد مبارك كان أولّ القادة الذين أطاحتهم الانتفاضات التي اجتاحت هذه المنطقة، ويقدَّم للمحاكمة.

وقد فرَّ أولُّ زعيمٍ أُطيح، التونسي زين العابدين بن علي، على متن طائرةٍ إلى السعودية التي رفضت -بدورها- تسليمه إلى محاكمةٍ مدنية في عام 2011، ولمحاكمةٍ عسكرية في عام 2012، وانتهت المحاكمة الثانية بإدانته غيابيًا، حيث حُكم عليه بالسجن مدى الحياة، بقضية قتل 23 متظاهرًا على أيدي الشرطة خلال الثورة التونسية.

وسأظل أذكر إلى الأبد اليوم الذي هرب فيه السيد بن علي، كان ذلك أيضًا لحظة جرأة: إدراك أن الشعب يستطيع أنْ يُسقط ديكتاتورًا في منطقتنا.

سيخبرك بعضهم أن وجود السيد مبارك في هذا القفص لم يكن سوى استعراضٍ، خططتْ له حكومةً عسكرية لن تسمح -في نهاية المطاف- بسجن واحدٍ من أعضائها. (كان السيد مبارك قائدًا للقوات الجوية.) وسيخبرك بعضهم أنّه كان من غير الواقعيّ، وحتى الوهمي، أن تتوقع الإنصاف مطلقًا لمن قتلتهم قوات أمن السيد مبارك خلال الثورة.

بالتأكيد، وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ غاية الثورة بأكملها هي أن تكون غير واقعية -لأن الواقع، حتى عام 2011، كان أنّ الموت هو الطريقة الوحيدة التي تخلصنا من دكتاتوريينا، إما عن طريق أسبابٍ طبيعية أو بالاغتيال. وفي هذا السياق، فإنَّ الاعتقاد بأنَّ الناس يستحقون الحرية والعدالة يبدو وهمًا.

لسنواتٍ أنشأ السيد مبارك فروعًا لا حصر لها من قوات الأمن، وعيَّنَ القضاة، وهذا كَفلَ تكوين نظام قضائي في مصر، مهمته منع تحقيق العدالة الحقّة. إذن، كيف يمكن للنظام أن يحاكم أحدَ أركانه ويدينه؟ أعرف: متوهم.

كيف يحاكم مثل هذا النظام أولئك الذين ليسوا من أركانه؟ في اليوم السابق لإطلاق سراح السيد مبارك، أرجأت محكمة القاهرة إصدار حكم في قضية المصرية الأميركية آية حجازي، وزوجها المصري، وعدة أشخاص آخرين عملوا معهم في تقديم خدمات لأطفال الشوارع. لقد سجنوا منذ أيار/ مايو 2014، بسبب اتهاماتٍ سخيفة: الاتجار بالبشر والاعتداء الجنسي. (وقد انقضى الآن الحد الأقصى لمدة عامين من الاحتجاز السابق للمحاكمة، والاحتجاز الموقت بموجب القانون المصري، على ما يبدو من دون نتائج).

وفي الأيام التي سبقت إطلاق سراح السيد مبارك، جرى تعميم عريضةً على وسائل التواصل الاجتماعية المصرية، تدعو إلى العفو لأسباب صحية عن الطالب المسجون البالغ من العمر 22 عامًا، أحمد الخطيب الذي يعاني من مرضٍ ناجم عن أوضاع السجن غير الصحية، وهو واحدٌ من نحو 60 ألف سجينٍ سياسي في سجون مصر، وكثير منهم مريض، لكنهم محرمون من العلاج الطبي. خلال محاكمته، تلقى مبارك أفضلَ رعايةٍ طبية، يمكن أن تُقدمها مصر في مستشفى عسكري.

ولكي نفهم كيف يحاكم حكامنا العسكريون أولئك الذين ليسوا من أركانهم، على النقيض من محاكمة السيد مبارك، الرئيس الثاني المخلوع محمد مرسي الذي انتُخب بعد أن أُجبر السيد مبارك على التنحي.

توجه الملايين من المصريين إلى الشوارع للمطالبة باستقالة السيد مرسي في الذكرى الأولى لتوليه منصبه، ورأى كثير من المصريين أنَّ السيد مرسي مشغولٌ بتعزيز سلطة حركة الإخوان المسلمين التي جاء منها، بدلًا من العمل رئيسًا انتقاليًا منتخبًا. وبعد ثلاثة أيامٍ من الاحتجاجات الجماهيرية، أطاح قائد الجيش، وهو الآن الرئيس عبد الفتاح السيسي، حكومة مرسي.

أيدتُ إطاحة السيد مبارك. ودعمتُ الملايين من المصريين الذين نزلوا إلى الشوارع ضد السيد مرسي، وكنت سعيدةً برؤيته يرحل، لكنني عارضتُ استيلاء السيسي على السلطة؛ لأنني أعارض الحكم العسكري.

مثل السيد مبارك، وُضع السيد مرسي في قفص الاتهام، لكنه لم يقضِ لياليه في مستشفى عسكريّ مريح، إذ كان السيد مرسي، وكبار مستشاريه في الحبس الانفرادي لدى الجيش عدة أشهر، قبل أن يبدأ الادعاء في تقديم تهمٍ متعددة، وأدى كثير منها إلى إدانته، بل كان مقيمًا في سجنٍ عسكري تحت حراسةٍ أمنية مشددة، بالقرب من الإسكندرية، ومن غير المرجح أنْ يُطلق سراحه في أيّ وقتٍ قريب.

وبوصفي مراسلةٍ لرويترز في القاهرة في التسعينيات، غطيتُ رئاسة مبارك لعدة سنوات. إذ تبدأ جميع المؤتمرات الصحافية للرئيس، بعد أن يوزع وزير الإعلام أسئلةً على صحافيي وسائل الإعلام المملوكة للدولة، لتطرح أسئلةً سهلة على السيد مبارك. ومن ثم؛ سيطلب الوزير من هؤلاء الصحافيين ضمان منح الرئيس فرصةً ليزوّد المنافذ الإعلامية التي تديرها الدولة بنقاط حديثه.

عن طريق الصراخ بأسئلتي فحسب، كنت أتمكن من جذب انتباهه أخيرًا، والحصول على إجاباته. اعتاد السيد مبارك على مناداتي أو تسميتي “مسببةً المشكلات “المشكلجية” من رويترز”. وقد صادر ذات مرة حراسه الأمنيين بطاقتي الصحافية؛ لأنني لم أقف، كما فعل ممثلو وسائل الإعلام المملوكة للدولة، عندما دخل الرئيس مطعمًا في شبه جزيرة سيناء، حيث كنا في انتظار مؤتمره الصحافي مع وزير الخارجية الروسي الزائر.

“أَخبروا منى الطحاوي أنّه في المرّة المقبلة التي يصل فيها الرئيس إلى أيّ مكان، يجب أن تقف”، قال المكتب الإعلامي في القصر الرئاسي لزملائي في رويترز عندما دُعوا لاستعادة بطاقتي الصحافية. القمع يمكن أن يكون متوقعًا ومثيرًا للشفقة.

إنني أشعر بالغضب والحزن للإفراج عن السيد مبارك، ليس لما كان يمكن أن يكون فحسب، ولكن لما لا يمكن أن يكون الآن، طالما أنَّ نظام عدالتنا الجنائية يعامل الأقوياء بلينٍ، ويؤذي من لا قوةَ لهم. وإذا لم يكن السيد مبارك مسؤولًا عن مقتل نحو 900 شخص في الأيام الـ 11 من الانتفاضة، فكيف سنحاسب السيد السيسي، وغيره من كبار موظفي الأمن المسؤولين عن مذبحةٍ أخرى، بعد إطاحة السيد مرسي بوقتٍ قصير، إذ قُتل فيها أكثر من 800 شخص، معظمهم من أنصار الإخوان المسلمين، وفي يومٍ واحد، عام 2013؟

يستحق المصريون من كل المشارب السياسية العدالة، ولا ينبغي أبدًا عدّ ذلك أمرًا غير واقعي. بدلًا من ذلك، فمن قصر النظر والسذاجة أن نعتقد أن دعم دكتاتوريينا، كما يفعل كثير من الإدارات الغربية، سيجعل من الاستقرار الذي يطالبون بدعمه سرابًا، ولا ينبغي أبدًا أن يُعدّ من الوهم أنْ نتوقع احترام حقوق الإنسان لدينا.

أيدّت خمس إدارات أميركية، ديمقراطية وجمهورية، نظام مبارك، وأكثر ما شعرت بالإحباط من استمرار إدارة أوباما لهذا الدعم، من خلال المساعدات الاقتصادية والعسكرية، وسحبها في بداية ثورتنا، لكن على الأقل الرئيس أوباما لم يدعُ السيد السيسي إلى البيت الأبيض.

وكان السيسي أولَّ زعيم أجنبي يتصل مع دونالد ترامب بعد فوزه في الانتخابات، وأنا واثقةٌ من أنَّ السيد السيسي يحتفل الآن بدعوته لزيارة البيت الأبيض يوم الإثنين المقبل 3 نيسان/ أبريل.

أنا لستُ متوهمةً كثيرًا في أنْ أتصوّر أنَّ إدارة ترامب ستستخدم هذا الاجتماع للضغط على الرئيس المصري في مسائل العدالة أو الحرية أو حقوق الإنسان.

اسم المادة الأصليThe Stinging Insult of Hosni Mubarak’s Release
الكاتبةمنى الطحاوي، Mona Eltahawy
مكان وتاريخ النشرنيويورك تايمز، NewYorkTimes،28/3
رابط المقالةhttps://www.nytimes.com/2017/03/28/opinion/the-stinging-insult-of-hosni-mubaraks-release.html?_r=0
ترجمةأحمد عيشة

مقالات ذات صلة

إغلاق