بات واضحًا أن الوضع في سورية وحولها، يدفع بالسياسة الروسية إلى آفاق جديدة. وبالتحديد، خلق بيئة إقليمية مواتية لتسوية طويلة الأمد. ولعل واحدة من أهم المهمات في هذا الصدد هي العمل على الحّد من الخلافات بين إسرائيل وإيران. وفي حال تمكن الكرملين التوصل إلى صيغة حل مرض لجميع الأطراف، فستكون موسكو قادرة على تهيئة الأوضاع الملائمة لتسوية دائمة في المنطقة.
وتأكد بما لا يدع مجالًا للشك أن سورية تحولت إلى ساحة لصراع مصالح كثير من اللاعبين الخارجيين؛ ما لعب دورًا محوريًا في طول أمد الحرب الأهلية المريرة في هذا البلد.
وفي ظل هذه الأوضاع، فإن الشرط الأساسي لوقف تصعيد الصراع، هو الحد حدًا كبيرًا من عدد ونشاط الأطراف الخارجية، ما يفترض أن يسمح للوصول إلى حل وسط بينهم.
من الناحية المثالية، يدور الحديث عن اثنين من الأعداء الرئيسين، الواجب تنسيق مصالحهما في إطار وساطة طرف ثالث(روسيا)، هو أكثر القوى تأثيرًا.
إذا كان لنا أن نقيّم تصرفات روسيا في سورية، فمن المستحيل ألا نلاحظ أن موسكو تدفع باتجاه صيغة “المثلث”، مستفيدة بمهارة من خصائص اللحظة. كمثال: أولًا، شطب الاتحاد الأوروبي من “المعادلة السورية”. أوروبا مشغولة بانتخاباتها، ولا وقت لديها للقضايا الأخرى.
ثانيا، خفضت الولايات المتحدة خفضًا كبيرًا من نشاطها: الرئيس الجديد لم يقرر بعد ما يريده في سورية، وما عليه القيام به في ذلك.
ثالثًا، حُيّدت -إلى حد كبير- تركيا، التي ضعفت كثيرًا بعد محاولة انقلاب العام الماضي، فهي مشغولة بالأعمال الانتقامية ضد الجيش وقوات الأمن. وإضافة إلى ذلك، أنقرة منشغلة تمامًا بالاستفتاء على تعديل الدستور، الأمر المحتمل أن يصبح عامل عدم استقرار جديد في البلاد.
وأخيرًا، الانخفاض الكبير في مستوى المشاركة في الأزمة السورية من دول الخليج العربي. فهم يريدون بوضوح تبرئة أنفسهم من المسؤولية عن مستقبل سورية، ويركزون على مواجهة إيران على جبهة واسعة.
ومن ثم، من المجموعة المتنوعة من اللاعبين الأجانب في الساحة السورية، روسيا مضطرة للتعامل مع اثنين من اللاعبين، هما الأكثر خطورة: إيران وإسرائيل.
هاتان القوتان الإقليميتان منذ أمد طويل تشاركان في لعبة مثيرة للاهتمام: إعادة هيكلة الشرق الأوسط؛ بحيث تصبحان مراكز القوة الرئيسة هناك. إيران وإسرائيل تسعيان للهيمنة والسيطرة على الوضع من خلال آليات “الحرب الباردة”؛ وقد تمكنت الدولتان من تنفيذ مثل هذه الخطة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، قبل الثورة الإسلامية في إيران؛ إذ تعاونت إيران الشاه وإسرائيل لتطوير صواريخ نووية.
منذ ذلك الحين ظهرت لدى إسرائيل صواريخ “أريحا” والرؤوس الحربية النووية (التي لم يؤكد رسميًا وجودها). وفي المقابل امتلكت الجمهورية الإسلامية صواريخ بالستية متطورة، وتنكر امتلاكها أسلحة نووية.
بسلاحهما هذا، تشارك تل أبيب وطهران في مسرحية بعنوان “كم أنا غاضب!”، وتتبادلان بانتظام التهديدات. والنتيجة اليوم، هي الحال التي أصبحت فيها مشكلة العلاقات بين إيران وإسرائيل الأزمة الكبرى للمنطقة بأسرها. وبالتأكيد لسورية.
وليس من قبيل المصادفة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو، حاول إقناع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالضغط؛ للحيلولة دون تسليح الإيرانيين حلفاءهم في سورية – الشيعة من “حزب الله”- بأسلحة حديثة. وإلا، فإن إسرائيل لن تكون قادرة على ضبط النفس، وعدم التدخل في الصراع السوري.
بالتأكيد، الحديث لم يدر حول أسلحة “حزب الله” فحسب، من المرجح أن نتنياهو طلب من بوتين الوصول إلى خفض إجمالي الدعم الإيراني لـ “حزب الله”. والمثير للاهتمام جدًا أنه بعد مدة وجيزة من ذلك، وثقت الصحافة العربية خفضًا كبيرًا في تمويل “حزب الله”؛ ما أثر على وجه الخصوص، وعلى الفور، في وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة الحزب الشيعي التي اضطرت إلى خفض كبير لعدد موظفيها وعدد مطبوعاتها.
بعبارة أخرى، هناك سبب للاعتقاد بأن موسكو تعاملت بتفهم مع طلب نتنياهو، وبدأت اتخاذ الخطوات الملائمة. ومن المرجح أن العمل في هذا الاتجاه يجب أن يستمر، مع الأخذ في الحسبان زيارة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى موسكو. ومن غير المستبعد أن يطلب بوتين منه تقديم مزيد من التنازلات الجوهرية لإقناع إسرائيل بفاعلية الوساطة الروسية.
وعلى الرغم من ذلك، فقد قرر الإسرائيليون المغامرة في نهاية الأسبوع الماضي، فشنت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي غارة جديدة على الأراضي السورية، بحجة مهاجمة مواقع “حزب الله” ومستودعات الأسلحة الحديثة. وحتى اللحظة، كان تُنفَّذ مثل هذه العمليات بصورة منتظمة، من دون إقرار إسرائيلي، ودون أن تتسبب لأحد بأي خوف ملموس، ما عدا، بطبيعة الحال، دمشق الرسمية.
ولكن هذه المرة، ووجهت الطائرات الإسرائيلية بأسلحة الدفاع الجوي السوري، وبعد ذلك استدعي السفير الاسرائيلي إلى وزارة الخارجية الروسية لطلب تفسيرات. وهذا يشير بوضوح إلى أن الهجوم الإسرائيلي كان مفاجأة بالنسبة إلى موسكو، وهذا الأمر يمكن تفسيره بأنه محاولة للضغط على موسكو عشية زيارة الرئيس الإيراني، في تلميح لضرورة ضغط الروس على روحاني ضغطًا أقوى، وإلا فإننا لن نستطيع ضمان استمرار تفهم تصرفاتكم في سورية.
ومع ذلك؛ فإن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي اضطر الإسرائيليين لتنفيذ هذا الهجوم في هذه اللحظة بالذات؟ خاصة أن التكاليف المحتملة لمثل هذه “المبادرات” باهظة الثمن؛ فالقيادة والجيش الإسرائيليين يدركان جيدًا أن الحرب السورية لا تطال أراضيهم، بفضل جهد روسيا فحسب.
إضافة إلى أن هناك شبهة أن الغارة الإسرائيلية كانت ردًا على استفزاز من جانب القوات الخاضعة لسيطرة إيران، توقيت هذا الحدث جاء في وقت ملائم جدًا، وكأن جهة ما اختارته بعناية، في الفترة بين زيارتي نتنياهو وروحاني إلى موسكو، (والأخير -في المناسبة- من المحتمل أن يغادر منصبه؛ فالانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران ستجري في غضون بضعة أسابيع). تبدو الفكرة كلها وكأنها تجربة لاختبار ردة فعل الجانب الروسي في حال تصعيد مفاجئ للتوتر بين إسرائيل و”حزب الله”. على من؟ وكيف ستؤثر موسكو؟
وفي الوقت نفسه، أُوصلت رسالة إلى موسكو، مفادها أن نجاح استراتيجيتها في سورية، إلى حد كبير جدًا، وربما إلى حد مصيري، يعتمد على اللعبة التي تجريها تل أبيب وطهران. وفي الوقت نفسه، لا يمكننا استبعاد أن مصالح الطرفين في سورية متشابهة جدًا: كلاهما مهتم بسورية ضعيفة، تكون بمنزلة منصة للمنافسة الآمنة لطهران وتل أبيب، ومواصلة تحييد اللاعبين العرب، وطردهم إلى الخطوط الخلفية.
سيكون من المثير للاهتمام الانتظار، ومعرفة رد موسكو على هذا الحدث.
اسم المقالة الأصلي | Россия между Ираном и Израилем |
الكاتب | دميتري نيرسيسيف Дмитрий Нерсесов |
مكان النشر وتاريخه | موسكو صحيفة برافدا Правда 20/3 |
رابط المقالة | https://www.pravda.ru/world/asia/middleeast/20-03-2017/1328026-izrael-0 |
ترجمة | سامر الياس |