الصورة: مقاتلون من جبهة فتح الشام يبتهجون بعد إسقاط الثوار مروحية روسية في محافظة إدلب في آب/ أغسطس 2016- الصورة عن عمار عبد الله/ رويترز
في أعقاب الاقتتال الأخير بين فصائل من المعارضة السورية في شمالي غربي البلاد، يبدو أن القاعدة اعترفت بحاجتها إلى ضمان شرعيتها، وتقديم نفسها للسكان المدنيين على أنها تسعى إلى النشاط بوصفها كيانًا سوريًا أصيلًا.
ولتحقيق هذه الغاية، انضمت القاعدة في سورية -أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي- إلى أربع جماعات جهادية أخرى، وشكلوا مظلة جديدة باسم “هيئة تحرير الشام”، بقيادة هاشم الشيخ المكنى بـ “أبو جابر”، القائد السابق لجزء من جماعة معارضة سورية (أحرار الشام).
لقد شهد فرع القاعدة في سورية تغييرات كبيرة خلال العام الماضي؛ ففي منتصف عام 2016، أعلنت الجماعة تغيير اسمها من “جبهة النصرة” إلى “جبهة فتح الشام”، بوصف ذلك جزءًا من الجهد الرامي إلى الابتعاد عن تنظيم القاعدة العالمي. لكن عددًا من “خبراء” الإرهاب البارزين شككوا في أن إعادة التسمية سيبرزها مجموعةً سورية مستقلة حقًا عن قيادة تنظيم القاعدة الدولي.
وقد حققت إعادة التسمية من “جبهة النصرة” إلى “جبهة فتح الشام” عدة أهداف مختلفة، ولكن مترابطة مع بعضها؛ يأمل قادة جبهة فتح الشام أن تؤدي إعادة التسمية إلى جعلها مقبولة أكثر من دول الخليج السنية، في سبيل تزويد مسلحيها بالموارد التي يحتاجون إليها؛ من أجل مواصلة القتال ضد رئيس النظام السوري بشار الأسد وحلفائه.
وكان هناك هدف آخر مرجو من إعادة التسمية، وهو تصوير “جبهة فتح الشام” هيئةً شاملة قادرة على العمل مع الجماعات المتمردة السورية الأخرى التي تقاتل النظام السوري. من خلال مواءمتها مع العناصر المحلية المعارضة، ما يمكّن “جبهة فتح الشام” الادعاء بأنها الأكثر تمثيلًا وشرعيةً من “مئات الجماعات المتمردة” [الكاتبة تعدّ كل كتيبة من كتائب الجيش السوري الحر جماعة متمردة منفصلة!] على الأرض في سورية.
أخيرًا، تأمل “جبهة فتح الشام” من خلال فك ارتباطها العلني بتنظيم القاعدة، في تجنب الاهتمام، الذي يناله تنظيم الدولة الإسلامية من النظام السوري وروسيا والولايات المتحدة. فبينما تولي الولايات المتحدة الأهمية القصوى لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، أصبحت الجماعات المتطرفة “المرتبطة” بتنظيم القاعدة هي أيضًا هدفًا للغارات الجوية الأميركية.
في غارة جوية أميركية لطائرة بدون طيار -أواخر شباط/ فبراير الماضي- أدت إلى مقتل أبو الخير المصري، القائد المخضرم في القاعدة. وبعد ذلك بوقت قصير فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على اثنين من قادة القاعدة في سورية. هذه التحركات الأميركية العدوانية ضد “تنظيم القاعدة” في سورية تهدف إلى شل التنظيم، وهذا سيكون حال الجماعات الجهادية الأخرى التي تنضم الى هذا التحالف، إذ إنها كذلك ستكون هدفًا لهذه التدابير.
إن تحرك “جبهة فتح الشام” الأخير؛ لتشكيل “هيئة تحرير الشام” ليس أقل من محاولة “انتهازية” للتوسع، ظهر هذا في وقت حدث فيه انشقاق وضعف داخل حركة أحرار الشام – وهي معتدلة بالنسبة إلى الغرب- مع توقف الدعم المقدم من الولايات المتحدة وتركيا والعربية السعودية إلى الجماعات المعارضة السورية المعتدلة، على أساس ان هذه المساعدات المقدمة يمكن أن تذهب إلى جماعات مرتبطة بالقاعدة.
من المؤكد أن “هيئة تحرير الشام” ليست أول جماعة “إرهابية”، تحاول تجديد صورتها من خلال تغيير اسمها، فهناك كثير من الحالات، فإدخال كيان جديد و”منفصل” هو محاولة للبدء في تطوير جناح سياسي شرعي، كما فعل ذلك الجيش الجمهوري الإيرلندي مع “الشين فين”؛ فكما في ايرلندا الشمالية، فان “الشين فين” بوصفه كيانًا سياسيًا، كان مساعدًا رئيسًا في إنهاء صراع دام أكثر من 30 عامًا، وبلغ ذروته في اتفاق الجمعة العظيمة عام 1998.
أحد الدوافع لتغيير القاعدة في سورية لاسمها، هو أنها تعتقد أن منافسها “تنظيم الدولة الإسلامية” يتجه نحو الهزيمة، وأنه بدون القلق من “تنظيم الدولة الإسلامية”، فإن الولايات المتحدة ستجعل من “هيئة تحرير الشام” هدفها الأول، وكانت القاعدة تجنبت التدخل في نشاط عدد من البلدان خلال الربيع العربي، إلا أن قيادتها رأت في سورية فرصة لإعادة تأسيسها؛ لأهميتها.
أكثر السيناريوهات احتمالًا أن التغيير في التسمية محاولة لشراء الوقت والعيش والقتال ليوم آخر فحسب. في الواقع، إن إعادة التسمية لم تؤثر في إبطاء وتيرة عملياتها في شن الهجمات.
ففي أواخر شباط/ فبراير، شنت “هيئة تحرير الشام” حملة استهدفت جماعات معارضة أخرى، اتهمتها بتلقي الدعم من قوًى خارجية، ونفذت اغتيالًا لأحد كبار قادة الأسد، اللواء حسن دعبول، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية التابعة للنظام في مدينة حمص السورية.
وفي منتصف آذار/ مارس، أعلنت “هيئة تحرير الشام” مسؤوليتها عن تفجير انتحاري مزدوج في دمشق أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 40 شخصًا، وكان واضحًا أنها تستهدف “الحجاج الشيعة” الذين يزورون الأضرحة [من قُتل عناصر مسلحة من الميليشيات الشيعية]. وبعد أقل من أسبوع أدى هجوم انتحاري على مبنى القصر العدلي إلى مقتل نحو 30 شخصًا [لم تتبناه هيئة تحرير الشام].
على الرغم من المحاولات الكثيرة على مدار العام الماضي في إعادة التسمية، فإن القاعدة في سورية، وبأي اسم، ما تزال منظمة “إرهابية خطِرة” وقادرة على “شن هجمات في الغرب”. وبالنسبة إلى أولئك الذين يسعون إلى التصدي للتهديد الذي تشكله هذه المجموعة عليهم أن لا يلقوا بالًا لـ ” ماهية اسمها” ولكن على أفعالها.
بعد ست سنوات من الصراع في سورية، القاعدة في البلاد أقوى من أي وقت مضى. وبينما يرفض الجميع فكرة وجود تنظيم القاعدة، بوصفه كيانًا سياسيًا، في سورية، قيل الشيء نفسه قبل 30 عامًا عن “حزب الله”؛ المجموعة الشيعية التي تشغل الآن مقاعد في البرلمان اللبناني، وتمتلك سطوة عسكرية قوية؛ فإذا نجحت الجماعات الجهادية المرتبطة بالقاعدة في سورية في إعادة تسمية نفسها، فيمكنها كذلك أن تتقدم خطوات، وأن تصبح لاعبًا سياسيًا، إذا أفضت المفاوضات إلى وقف “الحرب الأهلية” في سورية.
كولين بي. كلارك خبير سياسي في مؤسسة راند وزميل في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب. وهو مؤلف ” الإرهاب، كشركة: تمويل إرهاب والتمرد، والحروب غير النظامية”.
العنوان الأصلي | Al Qaeda in Syria Can Change Its Name, but Not Its Stripes |
المصدر | مؤسسة راند- 23 آذار/مارس 2017 |
الرابط | http://www.rand.org/blog/2017/03/al-qaeda-in-syria-can-change-its-name-but-not-its-stripes.html |
الكاتب | Colin P. Clarke |
المترجم | محمد شمدين |