اقتصاد

في سورية.. رداءة الحياة تحت سقف اقتصاد متصدع

كشف مؤشر Numbeo لقياس مستوى المعيشة في العالم، تراجع مستويات المعيشة في سورية، بعد أن تدنت القوة الشرائية عام 2017 إلى 13.39 في المئة. وهي نسبة منخفضة جدًا، وتراجع متوسط قيمة الدخل الوظيفي الأعلى إلى 99 دولارًا تقريبًا. فيما حافظ الأردن ـ الدولة الجارة على سبيل المثال ـ على متوسط دخل بلغ 640 دولار شهريًا.

يبدو الاقتصاد الرسمي، لنظام الأسد، بعد ست سنوات من الحرب، أشبه ببقرة حلوب جف ضرعها، إذ أدّى ارتفاع تكاليف فاتورة الحرب، وتأذي المال العام من عمليات فساد فاضحة، وتغول الدولة العميقة، بالتهامها عوائد التجارة، بشقيها: الداخلي والخارجي، إلى صعود نخبة ـ مقربة من النظام ـ تمتلك المليارات، وهبوط فئات اجتماعية كبيرة، تمثل طبقات المجتمع السوري المختلفة، تراجعت حياتها إلى مستويات متدنية؛ مستنفدة القدرة على محاكاة الواقع الذي فرضته عليها حرب الأسد.

وبخلاف الرواية الرسمية، عن قوة ومتانة الاقتصاد، وصموده، ودعم الأصدقاء له. لا يرى المواطن وليد، ع، الذي يعمل في مؤسسة حكومية “أي أمل في تحسن الأوضاع المعيشية، في ظل مشهد، يصر الأسد أن يجرعنا آلامه، وتبعاته الحياتية، فالناس اليوم يعيشون ضائقة، لم يسبق أن تعرضوا لها، حتى في أثناء حربنا مع إسرائيل”. ما يدل على أن نتائج صراع الأسد على السلطة، فاقت إلى حد كبير نتائج صراعنا مع العدو. وهذا بحد ذاته، ” يُشكّل مفارقة ذات مدلولات عميقة”.

يعيش وليد، مع عائلة تتألف من زوجة وطفلين، في بيت متواضع، يقع في إحدى ضواحي العاصمة، لا يملك دخلًا غير راتبه الشهري الذي يبلغ حاليًا نحو 35 ألف ليرة، أي ما يعادل نحو 64 دولارًا تقريبًا. بينما تتطلب نفقاته للمواد الاستهلاكية الغذائية وغير الغذائية، إضافة إلى أجرة المنزل وفواتير الخدمات الأساسية في سياق فورة الأسعار الجنونية، كما يقول، أضعاف هذا الرقم. لكنه لا يخفي، أنه يستعين على الدوام بعدد من الجمعيات الإغاثية والمؤسسات الخيرية، لتوفير بعض المواد الغذائية، وتحويل ما يوفره من ثمنها لتسديد نفقات أساسية أخرى تحتاجها أسرته.

تقارير اقتصادية مستقلة، تشير إلى أن 50 في المئة من العائلات السورية، تقترض من أجل توفير الغذاء، فيما خفّضت الـ 50 في المئة الأخرى عدد وجباتها الغذائية، من أجل توفيرها لأفرادها الصغار.

في شباط/ فبراير الماضي، ارتفعت أسعار أربع سلع شعبية أساسية، مقارنة بأسعارها في الشهر ذاته عام 2016، بنسب كبيرة، وبلغ ارتفاع متوسط سعر كيلو غرام الرز والسكر والبيض والبطاطا على التوالي 41.8 في المئة، و63.8 في المئة، و52.4 في المئة، و32.5 في المئة، بحسب مركز دعم القرار في حكومة النظام.

يرى الخبير الاقتصادي مسعف الخوالدة أنه بخلاف دول العالم، فإن سورية هي الدولة الوحيدة التي يدعم المواطن فيها الحكومة، على الرغم من انخفاض دخله اليومي الذي يلامس مؤشر الفقر العالمي 1.9 دولار. وقال لـ (جيرون): ارتفعت الأسعار عامةً بحدود 600 في المئة، بينما ارتفعت دخول العاملين في القطاع الحكومي بنسبة 50 في المئة فحسب، ما يعكس وجود فارق، هو في الحقيقة الدعم الذي تتلقاه الحكومة من مواطنيها، وذلك على حساب نوعية الحياة التي يعيشها السوريون عمومًا.

ويعتمد مؤشر Numbeo في قياسه جودة الحياة، على ثمانية مؤشرات فرعية (القوة الشرائية، السلامة، العناية الصحية، المناخ، قائمة النفقات، أسعار العقارات إلى نسبة الدخل، الوقت الذي تحتاجه حركة المرور، التلوث)، حيث وصف مؤشر القوة الشرائية في سورية (13.39 في المئة) بالمنخفض جدًا، ومؤشر السلامة 30.50 في المئة، بالمنخفض، ومؤشر العناية الصحية 63.24 في المئة، بالمتوسط، فيما عدّ مؤشر أسعار العقارات إلى نسبة الدخل 40.02 في المئة، بالمرتفع جدًا، معتمدًا على مؤشر القدرة على تحمل التكاليف، والرهن العقاري نسبة مئوية إلى الدخل، وقيمة الآجار داخل وخارج مراكز المدن، وعائدات إجمالي التأجير، والسعر إلى نسبة الدخل.

حققت دمشق وحلب في قياس نوعية الحياة، مستويات متقاربة على صعيد مؤشر أسعار العقارات إلى نسبة الدخل، ومؤشر الوقت الذي تحتاجه حركة المرور. فيما تراجعت الأخيرة عن دمشق بانخفاض مؤشر القوة الشرائية 5.38 في المئة، ليصبح 10.39 في المئة، مقابل 15.77 في المئة في دمشق، وهي نسبة منخفضة جدًا في المؤشرين. وحصلت حلب على نسبة منخفضة 57.72 في المئة في مؤشر جودة الحياة، مقابل نسبة معتدلة 84.18 في المئة حصلت عليها دمشق.

وقياسًا على مستوى الحياة الذي كان سائدًا في عام 2010، فمن المفترض في عام 2017 أن يصل دخل العامل في قطاعات الدولة إلى 250 ألف ليرة، لكي يجاري المستوى ذاته.

غير أن سُلّم الأجور السوري بحسب الفئات الوظيفية وراتب كل فئة، وفق الجداول الملحقة بالقانون الاساسي للعاملين في الدولة، يتضمن خمسة مستويات، تعادل أجور المستوى الأعلى منها نحو 100 دولار، بينما تعادل أجور المستوى الأدنى 50 دولارًا في الشهر.

على الرغم من حصول العاملين في القطاع الحكومي، على تعويضات أضيفت إلى رواتبهم، 2500 ليرة عام 2015، و7500 ليرة عام 2016، إلا أن الزيادتين فشلتا في ردم الهوة السحيقة بين تكاليف ونفقات المعيشة والأجور.

يعاني الاقتصاد السوري، من اختلالات وتشوهات في التوازنات الاجتماعية، منذ فترة ما قبل الحرب. إذ تعرضت السوق الداخلية لزيادات متوالية في الأسعار مع بداية العقد الثالث من فترة حكم الأسد الأب، أدت إلى انخفاض القوة الشرائية الحقيقية، وتآكل قيمة الرواتب والأجور.

واستمر تدهور الوضع المعيشي للمواطن، بعد أن تولى الأسد الابن مقاليد السلطة في عام 2000؛ إذ تعرض الاقتصاد لهزة عنيفة بين عامي 2005 و2010 في أثناء تبني النظام الحاكم نهج اقتصاد السوق الاجتماعي؛ لتُعزز الحرب -بعدئذ- أمن رفاه الطبقة السياسية العليا في المجتمع، ويزدهر الفساد الحكومي، على حساب شعب تضاعفت معاناته، عندما فقد أمنه الاقتصادي والسياسي في آن معًا.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق