تراجعت حدّة الاشتباكات بين فصائل المعارضة وقوات الأسد والمرتزقة الداعمين لها شرقي دمشق، لكن لم تتراجع حدة التوتر الأمني والعسكري داخل العاصمة، فقد أثرت المعارك التي بدأت في 19 آذار/ مارس، في الحركة العامة داخل دمشق، وخلقت توترًا واستنفارًا في صفوف قوات النظام التي باتت أكثر نزقًا وسوء معاملة للناس.
لعبت التفجيرات التي تعرض لها قصر العدل وسط دمشق، قبل تلك المعارك بعدة أيام، دورًا في زيادة عدد الحواجز ونقاط التفتيش، وقد وجد النظام في تفجيرات قصر العدل والربوة، فرصة لزيادة الضغط الأمني على الناس. بحسب سكان العاصمة.
لكن المعارك الأخيرة أثّرت في الحركة داخل أحياء دمشق، فانخفضت إلى حدّها الأدنى، وبدت بعض المناطق والشوارع شبه خالية، فقد قطعت قوات الأمن جميع الطرق المؤدية إلى ساحة العباسيين.
وقال أبو الياس توما من سكان العاصمة لـ (جيرون)، إنه “لم يشاهد هذا الارتباك في صفوف عناصر النظام، ولم ير ذلك القلق الذي بدى على وجوه الناس، كما رآه خلال تلك الفترة التي اشتعلت فيها المعارك على المحاور الشرقية للمدينة”.
أضاف أن كثيرين من سكان دمشق اعتقدوا “أن المعارضة ما كانت لتعلن تلك المعركة، لولا الضوء الأخضر الدولي الذي كان قد منعها طوال السنوات الماضية من إطلاق أي معركة حقيقية نحو دمشق، بحساب أن العاصمة خط أحمر. واعتقد الناس أن الضوء الأخضر يعني أن القتال أصبح مسموحًا في قلب العاصمة”.
وأشار أبو الياس إلى أن آراء الناس خلال المعارك كانت متناقضة، فبعضهم “قارنها بما جرى في أحياء حلب، عندما أُعلنت معركة حلب الكبرى، وبعضهم رآها رسالة روسية للنظام وإيران”، في جميع الأحوال “رأى كثيرون أن مرحلة جديدة مقبلة على العاصمة، لكن لا يعرف أحد شكلها، ومن يخطط لها”.
تضاعف عدد الحواجز التابعة للنظام والميليشيات الداعمة له، تضاعفًا ملحوظًا، وأصبح عناصرها يدققون في كل شيء، حتى أن “المارة في الشوارع يتعرضون للتفتيش والتدقيق من حواجز (طيارة) يشارك فيها شباب وبنات”. تعيش العاصمة الآن “ضغطًا أمنيًا كبيرًا”.
يعتقد أبو الياس أن الضغط الأمني من الحواجز، ليس لحفظ أمن الناس، فالحواجز تتعمد إهانة الجميع وإذلالهم؛ الغاية “منع أي تعاطف مع فصائل المعارضة المقاتلة، وخلق انطباع بأنها السبب في زيادة التوتر والعبء الأمني”.
تراجعت حدة المعارك بجوار كراجات العباسيين، “بشكل كبير” في الأيام الماضية، وقد عمل النظام بشكل متواصل “على إزالة الآليات والدبابات المدمرة، وأزال كل آثار القتال من الشوارع، كما فتح أغلب الطرقات التي كانت قُطعت بسبب تلك المعركة لكن مع زيادة عدد الحواجز”. بحسب أبو الياس.
لفت إلى أن السكان يعيشون حالة ترقب، ويتوقعون معركة مقبلة ربما تكون “أكبر من تلك التي عاشوها خلال الأيام الماضية”.
أرسلت معارك قوات المعارضة في دمشق أخيرًا رسائل عدة، منها أن مجموعة صغيرة من المقاتلين، تستطيع اقتحام أعتى قلاع النظام، إذا تم تحييد سلاح الجو. فالنظام يستعيد المواقع في الجبهات كافة، بطريقة الأرض المحروقة التي تعتمد على كثافة الغارات الجوية.
أما الرسالة السياسية فهي إلى رعاة مؤتمر جنيف، وقبله أستانا، مفادها أن المعارضة تمتلك أوراق قوة وخاصة في العاصمة، تستطيع أن تستعملها، وأن غرور النظام بعدما جرى في أحياء حلب وغيرها، يجب أن ينتهي.
الأيام المقبلة تجيب عما إذا كانت المعارك التي دارت في دمشق قد توقفت نهائيًا، أم أن مرحلة جديدة تنتظر أحياء العاصمة، وخاصة مع الفشل المستمر لمحادثات جنيف.