تحقيقات وتقارير سياسية

بعد قمة عمان ماذا ينتظر السوريون؟

كما أشارت جميع التوقعات قبيل انعقاد القمة العربية الثامنة والعشرون في عمان، أكدت الكلمات الافتتاحية للزعماء العرب المواقف البعيدة -كليًا- من مد يد العون إلى الشعب السوري الذي يعيش الكارثة؛ فعبّرت معظم المواقف العربية عن دعمها لخطوات “مكافحة الإرهاب”، دون أن تكلّف نفسها بالإشارة إلى الإرهاب الذي يتعرض له الشعب السوري منذ ستة أعوام.

مواقف تحمل كثيرًا من المحاباة والتملق للنظام السوري ولما يسمى “المجتمع الدولي”. ما ميز الموقف العربي في تلك القمة برودة المواقف وتراجعها لصالح شعار مكافحة الإرهاب، أي: الوقوف تحت يافطة النظام وحلفائه. الحديث عن المأساة الإنسانية للشعب السوري، دون توضيح الآفاق السياسية، ودون أخذ تضحيات الشعب السوري في سبيل حريته وكرامته في الحسبان، تعني أمرًا واحدًا، هو أن الخطر الذي أحدثته الثورة السورية على النظام الرسمي العربي يشبه -إلى حد بعيد- تلك المخاطر التي غرق فيها النظام العربي -قبل سبعة عقود- وهو يفند نكبة الشعب الفلسطيني.

إبحار معظم الزعماء في الجمل الطنانة عن المحافظة على وحدة سورية وأراضيها، مع إغفال مسؤولية إيران والنظام وموسكو وواشنطن عن جريمة تقسيم سورية، والتغيير الديمغرافي الحاصل، له أكثر من دلالة.

تعبر المواقف -في جملتها- عن دعم غير معلن لتلك الجرائم، من باب الخندق الذي يجمع بعض المواقف والسياسات “العراق ومصر ولبنان والجزائر حتى الكويت”، مُكمّلة لما بدأه النظام على الأرض، إذ انهالت العبارات التي تشير في رغبة مشتركة إلى محاربة الإرهاب، ويقابلها على الأرض إرهاب شمل البشر والحجر والشجر، ومن ثم؛ الحديث عن الحل الدبلوماسي للازمة السورية، بعدّه حلًا وحيدًا، وهو ما نشده السوريون -بدايةً- في كل الميادين، ويسعون إلى تحقيقه، لكن إدماء المجتمع كان -وما يزال- نهجًا كرسته جرائم النظام التي تُقابَل -بعد ستة أعوام من التضحيات- بمواقف فضفاضة، تشير إلى أن ما ينتظر السوريين بعد قمة عمان، هو مزيد من الجرائم والتهجير والقتل؛ خلافًا “للحرص” على سلامة السوريين وأراضيهم.

الإشارة القوية جاءت من واشنطن بعد تصريحات السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، بأن إسقاط الأسد لم يعد من أولويات بلادها. جاء تصريح السفيرة الأميركية في اليوم التالي لانتهاء أعمال القمة، يمكن لهذا الوضوح أن يندرج ضمنيًا مع الخطوات والسياسات العربية والإقليمية الفاعلة في المشهد السوري، أضف إلى ذلك؛ أن الموقف العربي برمته في جزئية “محاربة الإرهاب” شكّل المتراس المتين مع التحالف الدولي؛ للهروب إلى الأمام من الاستحقاقات الكبرى التي تواجهه بطريقة أو بأخرى، أصبح من المتعذر الرهان المستمر على الموقف الدولي أو الإقليمي؛ ليكون حبل نجاة للسوريين الذي قطعته الكلمات والمواقف؛ ما يعني أن أمر وقف نزيف الدم السوري سيبقى مرهونًا لحسابات دولية وإقليمية، جلّها تُحابي الطاغية.

على الرغم من خطورة وجسامة الخذلان المستمر للسوريين، الرهان لم يكن معقودًا على مواقف القمم العربية، منذ ستة أعوام، التي بقيت في حدود التسول وذرف الدموع على اللاجئين السوريين، لكن تخطي هذه الحدود إلى ما يفهم من إشارات إعادة تلميع سفاح دمشق من بوابة مكافحة الإرهاب، يخدم -في نهاية المطاف- هدف تحطيم وكسر إرادة السوريين التي شكّلت عامل فزع، ليس على مستوى الإقليم بل للعالم أجمع، وبحديث أدق، شكّلت الثورة السورية، على الرغم من أثقالها المؤلمة وفجائعها، مرآة محطِّمة للنظام الشمولي وللاستبداد، وأصبحت مُقلقة للمجتمع الدولي لما أظهرته من جسارة وقدرة على المجابهة في ظل اختلال موازين القوى؛ ما عكس ضرورة الاصطفاف خلف متراس “محاربة الإرهاب”، دون الإشارة لرأسه المدبرة والمنفذة على امتداد الجغرافيا السورية. وحدها إسرائيل ومن خلفها العالم أجمع، تدرك أي خطورة يمكن أن يُحدثها التغيير في سورية وارتداداته، ففي الاستعصاء الحاصل نشهد هذا الإرباك والتخبط والفشل في حماية السفاح، فكيف يكون الوضع برحيله من ذاكرة السوريين إلى الأبد!

خلاص السوريين من طاغية بوزن الأسد، يعني خلاص العالم أجمع من إرهاب الدولة المنظّم، ومن ذرائع العجز التي يرتديها النظام الرسمي العربي، واستعادة المجتمع لعافيته ووطنيته وإنسانيته، تعني استرداد أخلاقيته وثقافته، وتحريرها من التزييف، وحياكة نسيجه الاجتماعي هي أشبه بإنذار تنبّه له العالم قبل أن تتفشى تلك الأعراض “الخطرة” لبقية الأجساد. جرس الإنذار قرعه النظام العربي “مكافحة الإرهاب” بينما كلمة السر هي حرية السوريين.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق