المحتويات:
مقدمة.
خطاب تيليرسون يعيد إلى الذاكرة كلمات بوتين.
ألمْ يعدْ ديكتاتورًا؟
تركيا تستبدل الغضب بالشفقة.
من المبكر التوصل إلى استنتاجات.
لا أهمية لمصير الأسد.
الصورة: أوميت بكتاش/ رويترز
مقدمة
أعلن وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيليرسون، والممثِّلة الدائمة للولايات المتحدة في مجلس الأمن، نيكي هيلي، تغييرًا في أولويات سياسة واشنطن في سورية؛ فالولايات المتحدة لا تطالب بخروج “الطاغية” بشار الأسد؛ فضلًا عن ذلك، رأى تيليرسون بأنَّ مصير الرئيس السوري يجب أنْ يقرره الشعب السوري.
كذلك صرَّحت ممثلة الولايات المتحدة الأميركية الدائمة في مجلس الأمن، نيكي هيلي، بأنَّ خروج بشار الأسد من السلطة لم يعدْ أولويةًّ لواشنطن، ويُستنتج من تصريحها، بخلاف إدارة باراك أوباما، أن البيت الأبيض لا يرغب في التركيز على موضوع الأسد، وتقول الجزيرة في نقلها لكلمات هيلي أنَّ الأفضل لواشنطن التركيز على العمل مع تركيا وروسيا؛ للتوصُّل إلى تسوية سياسية، بدلًا من التركيز على الأسد: “يدور الحديث عن تغيير أولوياتنا، وأنتم تختارون معارككم” هذا ما قالته المندوبة الدائمة في الأمم المتحدة.
وتابعت: “ما الفائدة من المطالبة بإسقاط بوتين، إنْ لم يكن بالإمكان إسقاطه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إسقاط الأسد، إنْ لم يكن بالإمكان ذلك؟”.
من الواضح، أنَّ تصريحات هيلي تعبِّر عن موقف القيادة الجديدة في وزارة الخارجية الأميركية؛ فقد قال تيليرسون، الخميس، في المؤتمر الصحافي المشترك مع وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو: إن تقرير “وضع ومصير” الأسد أمرٌ يتعلق بالشعب السوري.
وتشير وكالة أنباء تاس إلى أنَّ تصريحات تيليرسون أثارت الأسف لدى “اللجنة العليا للمفاوضات”، وهي المجموعة المعارضة السورية التي نشأت برعاية المملكة العربية السعودية. وفي هذا الصدد صرَّحت ممثِّلة اللجنة العليا إلى مفاوضات جنيف، فرح الأتاسي: “نأمل أنْ تتفهم الولايات المتحدة أسباب ما يجري في سورية. نأمل أنْ تبدي أميركا صفاتها القيادية… وتمارس الضغط، وأنْ تعمل مع روسيا”.
خطاب تيليرسون يعيد إلى الذاكرة كلمات بوتين
تقول الجزيرة: “يذكِّرنا خطاب تيليرسون -في مضمونه وأسلوبه- بتصريحات ممثلي (حليف سورية القديم) – روسيا”، التي “تنتظر واشنطن منها المساعدة”. وبالفعل، سبق للرئيس الروسي ،فلاديمير بوتين، ولوزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، أن قالا بأنَّ الشعب السوري هو من يقرر مصير مستقبل الأسد.
ما يلفت النظر أنَّ تصريحات تيليرسون تعني الاختلاف مع أقرب حلفاء واشنطن (بريطانيا)، التي صرَّح مندوبها الدائم لدى مجلس الأمن، ماثيو رايكروفت، في ردٍّ على تصريح زميلته قائلًا: “لم يتغيَّر موقف بريطانيا من الأسد؛ فهو لا يمكنه أنْ يكون زعيمًا قادرًا على توحيد سورية. عليه ترك منصبه”. ويسارع المندوب البريطاني؛ ليؤكد أنَّ تغيُّر لهجة الولايات المتحدة لا تثير مخاوفه “أعتقد أنَّ الجميع ملتزمٌ بصدقٍ بتنفيذ بيان جنيف، وكل قرارات مجلس الأمن”. ومن جانبٍ آخر، صرَّح مندوب فرنسا الدائم لدى مجلس الأمن، فرانسوا يلاتر: “لا مكان للأسد في مستقبل سورية”.
ألمْ يعدْ ديكتاتورًا؟
دخل بشار الأسد لائحة الديكتاتوريين الدمويين منذ مدةٍ غير بعيدة، وبالتحديد منذ عام 2011، عندما تحولت مظاهرات المعارضة التي “جاءت على خلفية الربيع العربي”، بسرعةٍ إلى مواجهاتٍ مع السلطات، ومن ثمَّ؛ إلى “حربٍ أهلية”. كانت العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وسورية بناءةً ومستقرةً خلال الفترة 1990-2001 (قبل عام 2000، كان الرئيس الأسد الأب هو رئيس البلاد). إلَّا أنَّ سورية، خلافًا لجارتها العراق، لم تكن ضمن قائمة الدول المنبوذة، إضافة إلى ذلك؛ كان الإتحاد الأوروبي قبل عام 2011، أكبر شركاء سورية الأسد التجاريين (22.5 في المئة).
بعد مضيِّ عام واحدٍ تقريبًا على اندلاع “الحرب الأهلية”، صرَّح أوباما أنَّ “أيام الأسد باتت معدودة”. وفي ربيع وصيف عام 2013، عندما تبادل الثوار والحكومة السورية الاتهامات باستخدام الأسلحة الكيماوية، ألقت إدارة أوباما اللوم على طرفٍ واحدٍ، هو نظام الأسد، ودعت إلى “ردٍ دوليٍّ قاسٍ”، ويرى الخبراء أنَّ الوضع آنذاك كان على حافَّة التدخل، إلَّا أنَّ جهد الدبلوماسية الروسية تمكن من وقف هذا السيناريو، إذ أدَّت مباحثات سيرغي لافروف ووزير الخارجية الأميركية حينئذٍ، جون كيري، إلى اعتماد منظمة الأمم المتحدة لحظر الأسلحة الكيماوية خطَّةً، عام 2013، تقضي بتدمير الأسلحة الكيماوية السورية، وصادق مجلس الأمن بقراره 2118 على هذه الخطة. أعلنت المنظمة الدولية أنَّها نجحت في إخراج الأسلحة الكيماوية من سورية، وفي كانون الثاني/ يناير من عام 2016، أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الانتهاء من تدمير المخزون السوري من هذه الأسلحة.
في عام 2015، وبدعوةٍ من السلطات السورية، بدأت القوات الجوية الروسية عمليةً عسكريةً لدعم “القوات السورية” في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، وغيره من “المجموعات المتطرفة”، في هذه الأثناء كانت الولايات المتحدة تصحح موقفها لتعترف، جزئيًا، أنَّ تنظيم الدولة الإسلامية هو الخطر الرئيس في المنطقة “وليس بشار الأسد”. إلَّا أنَّ وزارة الخارجية كانت تصرُّ على الاستمرار بالمطالبة بتنحي الأسد، الذي تؤدي قسوته إلى ظهور منظمات إرهابية على غرار الدولة الإسلامية في العراق والشام. وكما يتَّضح من تصريحات تيليرسون الأخيرة، فقد تخلَّتْ إدارة البيت الأبيض الجديدة عن هذا الطرح.
تركيا تستبدل الغضب بالشفقة
من الملفت التحوُّل الذي طرأ على علاقة تركيا بالأسد. فقد كانت تركيا تُعد من أشد خصوم نظام دمشق، وفي آب/ أغسطس من العام الماضي، بدأت عمليةً خاصَّةً في شمالي سورية. وهكذا، صرَّح رجب طيب أردوغان في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام السابق، معلِّقًا على سير العملية التركية: “صبرنا طويلًا، ولكننا في النهاية وجدنا أنفسنا مضطرين للتدخل إلى جانب الجيش السوري الحر… جئنا إلى سورية لوضع نهايةٍ لحكم الطاغية الأسد الذي أقام في البلاد إرهاب دولة”. إلَّا أنَّ رئيس وزراء تركيا، بن علي يلديريم، وضَّح، في كانون الأول/ ديسمبر، أنَّ عملية “درع الفرات” لا تستهدف إسقاط النظام السوري. ومنذ أيامٍ، أعلن يلديريم انتهاء العملية “بنجاح”، وأنَّ القوات التركية دخلت سورية، بهدف المحافظة على الأمن القومي ومنع التهديدات التي تمثلها الدولة الإسلامية على تركيا، وعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ولم يقلْ كلمةً واحدة عن إسقاط الطاغية. وللتذكير؛ كان تيليرسون قد وصل أنقرة قبل يوم واحد. تقول صحيفة نيويورك تايمز: “إن رئيس الدبلوماسية الأميركية كالَ كثيرًا من المديح لحكومة أنقرة، على الرغم مما كتبه كثير من النقاد بأنَّ أردوغان يتحول أكثر فأكثر إلى النظام الاستبدادي”.
كان الهدف من الزيارة طمأنة تركيا (حليف الناتو في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية والحصن الإقليمي في مواجهة إيران العدوانية) إلى استمرار دعم الولايات المتحدة لها.
لم يتحدث تيليرسون بكلمة واحدة عن المسألة التي تقلق الأتراك؛ دعم الولايات المتحدة للأكراد، والشيء الوحيد الذي قاله تيليرسون أنه “علينا أحيانًا اتخاذ خيارٍ صعب”. في حين استمر جاويش أوغلوا في الإصرار على القول في أثناء المؤتمر الصحافي: تركيا لن تتوقف عن الأمل في توقف الولايات المتحدة عن التعاون مع الأكراد السوريين.
من المبكر التوصل إلى استنتاجات
يرى رئيس معهد الشرق الأوسط، يفغيني ساتانوفسكي، أنَّ واشنطن تتبع تكتيكًا معروفًا: “تراجع إذا لم تنفجر”. وتابع “ما الفائدة من المطالبة بإسقاط بوتين إن لم يكن بمقدورك ذلك، ومن إسقاط الأسد إن لم يكن ممكنًا إسقاطه؟ ومن الشروع بحربٍ كبيرة ضد إيران أو روسيا؟” ويقول الخبير: إنَّها “الواقعية السياسية الطبيعية؛ فواشنطن تحتاج في حربها على تنظيم الدولة إلى التنسيق، مع موسكو بالدرجة الأولى، وليس مع الأسد؛ فالأسد بدون روسيا ليس في موقعٍ يمكنه من محاربة أحد”. لهذا من المبكر التوصل إلى استنتاجات من تصريحات تيليرسون وهيلي، “الكلمات لا تعني شيئًا للحرب. الأفعال هي ما يهم”.
ويتابع رئيس معهد الشرق الأوسط: “عندما يقرر الأميركيون خطَّهم في السياسة الخارجية بالنسبة إلينا، عندئذ نقرر إما التعاون معهم، وإما أخذ عدم التعاون في الحسبان. على المستوى التكتيكي تعاونهم معنا سيئ. أما التعاون في سورية فقد ارتفع التواصل إلى مستوى القادة، وهذا شيء يبنى عليه. على كل حال، سيرتبط تطور الأحداث اللاحق بتقرير الولايات المتحدة مجال نفوذها، وإذا احتاجت إلى تحقيق ذلك الدخول في حرب على تنظيم الدولة الإسلامية فستفعل، وإلا فلا”.
لا أهمية لمصير الأسد
يفترض مدير معهد الأديان والسياسة، المستشرق، ألكسندر إيغناتينكو، أنَّ الأميركيين ببساطة شديدة قد “أسقطوا الأسد من حساباتهم؛ لأنَّ تأثيره في ما يجري في سورية في الحدود الدنيا.”. ويقول الخبير في تصريح لصحيفة فزغلياد: إنَّ الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون مع حلفائها في ميليشيا “قوات سورية الديمقراطية” في شمالي البلاد، يقومون بـ “تحرير” المناطق ويضعون هدفهم النهائي “تحرير” مدينة الرقة- عاصمة الدولة الإسلامية. “ولا ينوي أحدٌ تسليم هذه المناطق للأسد”.
في المناطق السورية الأخرى، تعمل قوى أُخرى، تعرفها الولايات المتحدة جيدًا، وليس للأسد تأثير يذكر عليها أيضًا. والمقصود هنا الحرس الثوري الإيراني، الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، كتائب أفغانية، باكستانية، وعراقية، إضافة إلى “حزب الله” اللبناني. وبهذا يأخذ الأميركيون في الحسبان أنَّ “ربط النزاعات والأزمات السورية، وهي كثيرة، بالأسد أمر لا معنى له”.
أمَّا بالنسبة إلى تصريحات المسؤولين الأميركيين؛ فيرى الخبير أنَّه ليس لها علاقة لها بالحرب على تنظيم الدولة التي يقوم بها تحالفان على الأقل: الأول يضم 68 دولة، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والثاني روسيا وشريكتها إيران مع كلِّ التشكيلات المسلحة الموالية لها: “إنَّه مشهدٌ مختلف في الدراما السورية. في كل الأحوال ستستمر الحرب على تنظيم الدولة”، ولكنَّ حلُّ المشكلة سيكون صعبًا جدًا، لأنَّ الحلَّ لنْ يكون على الأرض السورية وحدها، بل على الأراضي السورية- العراقية. طرد تنظيم الدولة من الموصل والرقة لن يكون نهاية الأمر. فلتنظيم الدولة الإسلامية عشرات الولايات، بما في ذلك، في ليبيا، اليمن، مصر…: فالحرب على التنظيم ستستمر حتى عندما لا يكون الأسد رئيسًا”.
عنوان المقالة الأصلي | Госдеп заговорил об Асаде словами Путина
|
الكاتب | مارينا بالتاجيفا – و ميخائيل موشكين |
مكان النشر | صحيفة فزغلياد |
تاريخ النشر | 31 آذار 2017 |
رابط المقالة | https://vz.ru/politics/2017/3/31/864296.html |
ترجمة | سمير رمان |