صوت البرلمان العراقي أخيرًا، وبالإجماع، على رفض رفع علم إقليم كردستان في مدينة كركوك، وصوّت البرلمان -أيضًا- على “أن يكون نفط كركوك هو ثروة من ثروات الشعب العراقي، وأن يوزع بالتساوي على كل المحافظات، بما فيها الإقليم، وفق الدستور العراقي”.
وأدى التصويت، أمس الأول، على إنزال علم الاقليم ورفع العلم العراقي وحده على المباني الحكومية في كركوك، إلى انسحاب النواب الأكراد من الجلسة احتجاجًا على القرار، في الوقت الذي دعا فيه النواب العرب والتركمان الحكومة الاتحادية إلى “اتخاذ الاجراءات التي تنسجم مع قرار البرلمان، بإنزال أي علم على جميع إدارات محافظة كركوك باستثناء العلم العراقي”.
وأثار تصويت الإدارة المحلية في كركوك قبل أيام، على رفع العلم الكردي مع العلم العراقي على المباني الحكومية في المدينة، رفضًا عربيًا وتركمانيًا واسعًا في المحافظة.
تعود الخلافات حول مصير محافظة كركوك المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، إلى واجهة الأحداث مجددًا، مع اقتراب المعركة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” من نهايتها في العراق، إذ تسعى حكومة أربيل إلى توسيع حدود الإقليم، مع الدولة الأم، وفق مقولة مسعود البرزاني: “حدود الإقليم ترسم بالدم”.
وكان محافظ كركوك، نجم الدين عمر كريم، قد نفّذ “حدود الدم” عمليًا برفعه، قبل عدة أيام، علم إقليم كردستان العراق فوق مبان حكومية في المدينة، بعد أن صوّت مجلس المحافظة (الكتلة الكردستانية) بأغلبية أعضائه على رفع العلم.
أحدثت الخطوة ردات فعل محلية وإقليمية؛ بسبب الأهمية الاستراتيجية للمحافظة الغنية بالنفط وبالتنوع العرقي والطائفي، وما يترتب على ذلك من توزع الولاءات داخلها لقوى إقليمية ودولية.
ومن ردات الفعل المحلية المظاهرات التي طافت المدينة تعبيرًا عن رفض الاستفزاز الكردي، وأطماعهم التوسعية التي دأبوا عليها، واحتجاجات الطلاب العرب الواسعة في جامعة كركوك، وأسفرت عن جرح عدد منهم، بعد أن أطلق “الطلاب” الأكراد الرصاص الحي عليهم، والاعتداء على مساكنهم في القسم الداخلي لطلبة الجامعة، بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة.
وقد رفضت الحكومة العراقية “رفع أي علم في كركوك سوى العلم العراقي”، وكون محافظة كركوك ليست تابعة للإقليم، فإن “رفع علم كوردستان فوق المباني الحكومي عمل غير دستوري”، وهذا الموقف ينسجم مع التوجه الإيراني الذي يريد أن تبقى المحافظة جزءًا من العراق، وتحت سيطرة المليشيات الشيعية والقوات العراقية الموالية لإيران.
وكذلك ردة فعل تركمان كركوك الذين رفضوا القرار؛ لأنه “يهدف إلى خلق الفتنة بين مكونات المحافظة”، وطالب حسن توران، أحد النواب التركمان “مجلس المحافظة برفض مناقشة هذا القرار؛ لكونه مخالفًا للدستور، وسيعمل على إحداث شرخ بين كتل المجلس”.
يتماهى موقف تركمان كركوك مع الموقف التركي الرافض بدوره لهذه الخطوة، على الرغم من الحلف التركي- البرزاني، إذ تسعى أنقرة لتكون كركوك جزءًا من العراق لكن بـ “هوية تركمانية”، في موقف يشبه الموقف الكردي، ويتباين معه في الهوية المزعومة فحسب، وهو ما يفسر التصريحات الرسمية التركية الرافضة لهذه الخطوة؛ وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في تصريح متلفز “برأينا التصويت الذي جرى في مجلس المحافظة غير صائب، وليس من الصواب تغيير التركيبة الاثنية لهذه المنطقة”، وأضاف “فرض الأمر الواقع، والإجراءات الأحادية الجانب وسائل لا جدوى منها”، مشددًا على تأييد تركيا لـ “وحدة أراضي العراق”.
يرى مراقبون أن الخلاف بين تركيا وإقليم كردستان العراق حول كركوك، سيبقى إعلاميًا، ولا يمكن أن يؤثر مستقبلًا في العلاقة بين الطرفين، فحكومة إقليم كردستان لها علاقات واسعة جدًا مبنية على أسس اقتصادية وتجارية وتفاهمات سياسية مع أنقرة، ولهذا فإن الطرفين غير مستعدين لتصعيد يصل إلى إنهاء العلاقة بينهما.
تبقى قضية كركوك إحدى القضايا القابلة للتصعيد في عراق ما بعد الغزو الأميركي، خاصة في ظل انتشار السلاح بيد المليشيات الطائفية، التي تتقدم في نفوذ على ما بقي من الدولة العراقية، وفي المقابل، تزايدت قوّة ميليشيا “البيشمركة” الكردية خلال معاركها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” قياسًا على قوة الجيش العراقي، وازدادت طموحات أكراد العراق إلى إنشاء ما يسمونها “دولتهم المستقلة”، وتوسيع حدود إقليمهم إلى المناطق المتنازع عليها، مثل محافظة كركوك الغنية بالنفط.
تمثل المحافظة الواقعة وسط العراق، أنموذجًا لتنوع التركيبة السكانية في البلاد، فقوميًا يسكنها العرب والتركمان والأكراد، وطائفيًا فيها سنة وشيعة، ولكل من المكونات ولاءاته القومية والطائفية. وإذا أخذنا في الحسبان الاحتياطي النفطي الكبير في أراضيها (13 مليار برميل) يصبح الصراع على كركوك طبيعيًا.
تعدّ كركوك، وبموجب الدستور العراقي، من المناطق المتنازع عليها بين المركز والإقليم. وسيطرت ميليشيا “البيشمركة” الكردية على معظم أراضيها، بعد أن أخلى الجيش العراقي مواقعه فيها لتنظيم الدولة “داعش” عام 2014. وتعمل أربيل حاليًا لضمها إلى الإقليم.
تعليق واحد