تحول الشمال السوري خلال السنوات الماضية من عمر الثورة السورية، إلى منطقة استقطاب لملايين السوريين النازحين، من المدن والبلدات السورية المختلفة، هربًا من قصف النظام. وتتميز هذه التجمعات الكبيرة بانعدام النشاط الاقتصادي فيها؛ ما رفع نسب البطالة في صفوف القوة العاملة إلى أكثر من 80 في المئة.
كثير من الشباب في الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام، كانوا موظفين أو أصحاب صنعة، وتركوا وظائفهم؛ خشية الاعتقال، وفروا إلى مناطق خارجة عن سيطرة النظام؛ ما يعني أنهم فقدوا موارد عيشهم.
وقال الشاب حميد السلطان، من مدينة حلب 38 عامًا لـ (جيرون): “في أعوام الثورة الأولى، كُنت موظفًا في دائرة النفوس في مدينة حلب، وكانت أحوالي المادية جيدة جدًا، وأجبرت على ترك عملي؛ نتيجة الملاحقات الأمنية، ولم يكن لي خيار سوى التوجه، أنا وأسرتي إلى أماكن سيطرة المعارضة في ريف إدلب؛ حيث يوجد أقارب لي. ظننت حينئذ أن الحرب لن تطول، وأن كل شيء سيعود أفضل مما كان عليه، لكن قضاء الله وقدره جعل الثورة السورية تطول أيامًا وسنوات، وخابت أمالي وتوقعاتي. أحوالي المادية باتت في الهاوية بعد مرور السنة السادسة من الثورة”.
وأضاف:” أجبرتني سوء أحوالي المعيشية على العمل في البناء، على الرغم من إصابتي ببدايات (ديسك)، لكن لم يكن في اليد حيلة. لم أجد عملًا آخر لإطعام عائلتي، ولا يزال الوضع في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام يزداد سوءًا لكثيرين من أمثالي”.
ولفت إلى أن “الثورة قلبت الموازين بين الناس، فالفقير قبل الثورة أصبح ثريًا بعدها. إضافة إلى أن العمل في الشمال السوري بات لذوي الشهادات المزورة وأصحاب المحسوبية والواسطة، وأصبحنا نحن أصحاب الشهادات والكفايات معزولين عن المنظمات والهيئات والإدارات”.
من جهته قال الجامعي عمر القاسم، من كفرنبودة في ريف حماة لـ (جيرون): “أكملتُ تعليمي وتخرجتُ من قسم اللغة العربية عام 2010، ولم تتح لي الفرصة لأكون موظفًا حكوميًا، على الرغم من تقدمي إلى كثير من المسابقات التي كانت تجريها وزارة التربية سابقًا، وفقدتُ الأمل. افتتحتُ بقالية في بلدتي، حتى جاءت الثورة وأصبحت كفرنبودة ساحة لقصف طائرات النظام وسلاح الجو الروسي، حينئذ لم يكن لنا خيار سوى التوجه إلى الأماكن الأكثر أمنًا من بلدتنا، وجئنا إلى ريف إدلب والوضع على ما ترى”.
وأضاف: “جئنا إلى ريف إدلب، وازدادت أيامنا بؤسًا وشقاء، وأصبح المخيم مليئا بالشباب العاطل عن العمل. بحثت عن أي عمل في منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخيرية، لكن دون جدوى. والسبب في ذلك أن الشباب غير الجامعي طغى على الجامعيين وأصحاب الكفايات بشهاداتهم المزورة، دون أن يكترث أحد لفضح أمرهم، حينئذ أدركتُ أن العمل لأصحاب الكفاية لا تأتي إلا لمن لديه “واسطات”، ولم يكن لي الخيار إلا أن أفتح بسطة صغيرة أمام خيمتي، وأبيع فيها الخضار”.
بحسب تقديرات للناشط الحقوقي في محافظة إدلب، محمد العبد لله، فإن معدل البطالة في الشمال السوري، ارتفع من 60 في المئة إلى 84 في المئة نهاية عام 2016.