تحقيقات وتقارير سياسية

سوريون في “القمم”… من ثقب الأوزون إلى حرب المجرات

أمِلَ السوريون، والأمل حق الروح والعقل الناظر، ولا زالوا يأملون أن يجدوا ممرًا إلى قرارات الدول وقلوبها لعدالة قضيتهم وثورتهم، ولربما راود الأمل كثيرًا من السياسيين أن تنتج قمة العرب هذه المرة، بخلاف عادتها، بصيص أمل في وقف المجزرة السورية المستمرة في عامها السادس، في الأقل أن تأخذ قمة البحر الميت، في الأردن الجار القريب، في الحسبان أن السوريين ليسوا أرقامًا في دول اللجوء، وليسوا إرهابيين (نصرة أو دواعش)، مع أن جميع قوى العالم، المتطرف منها والمتحضر، تجتاح بلدهم وتاريخهم وحضارتهم.

فمنذ ارتضى العرب أن تحكمهم ممالك وعسكر، وارتهنت قراراتهم لمقررات الدول الكبرى، خاصة بعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967، لتتدحرج قرارات العرب تدرّجًا إلى درجة أن قممها باتت مؤشرًا واضحًا إلى ما ترغبه الولايات المتحدة، صاحبة الحظوة العالمية الأقوى، والقدر الأكبر في شؤون أمة العرب، ويمكن القول واقعيًا منذ أرتضى العرب أن يكونوا جزءًا من تحالف دولي، قادته الولايات المتحدة على العراق، انهارت آخر مناعاتهم، أو رفضهم، وإن بالكلمة فحسب، بل انفتحت المنطقة على كل أنواع الجريمة والتطرف والقتل الجماعي والتفجيرات، وباتت اليد الإيرانية هي الطولى في تدخلها، لا بل، امتدادها وتوسعها في مشروع فارسي يقضم المدن والعواصم العربية، ويتاجر في دم أبناء العرب، بذريعة محاربة إسرائيل مرة، وبفجاجة ووقاحة التوسع مرات.

في المسألة السورية، وثورة شعبها الممتدة إلى ثورات الربيع العربي، وبعد تجميد عضوية النظام السوري في الجامعة، أواخر عام 2011، شغل رئيس ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، معاذ الخطيب، وبدعوة من أمير قطر آنذاك، في الكلمة الافتتاحية للدورة الرابعة والعشرين في قمة الدوحة عام 2013، مقعد الائتلاف وليس مقعد سورية الرسمي لسورية، وإلى اليوم لم تستطع القمم العربية التقدم في حسم مسألة التمثيل السوري؛ ففي قمة الكويت عام 2014، لم تحضر المعارضة السورية بشكلها التمثيلي بقدر حضورها الشرفي، وإن قلنا الطرفي في لقاءاتها، لتأتي قمة شرم الشيخ في مصر عام 2015، وتحجب القاهرة والجامعة العربية مقعد المعارضة عنها، ويبقى مقعد سورية شاغرًا إلى اليوم! وقتئذ بررت الجامعة العربية أن “معارضة الداخل السوري” ممثلة بـ “هيئة التنسيق الوطنية”، قد أرسلت إلى الأمين العام للجامعة، نبيل العربي، وعبر زعيمها، حسن عبد العظيم، رسالة مفادها أن الائتلاف السوري لا يُمثّل كل السوريين، في رسالة وصفت -آنذاك- بعذر أقبح من ذنب لمشيئة الجامعة العربية، ومصر بزعامة السيسي الحديثة، في رفضها قوى الثورة والمعارضة السورية.

وربما أمل كثيرون من قمة عمان الثامنة والعشرين أن تثمر عن موقف من المسألة السورية، شفوي وفي مستوى التمثيل، في الأقل، ولا سيما أنها استبقت بترويج إعلامي لما يسمى “بينا عمان”، وأن ذريعتها في أن الائتلاف لا يمثل كل الشعب السوري قد باتت باهتة، بعد أن انضمت هيئة التنسيق إلى الهيئة العليا للتفاوض في مؤتمر الرياض، وأن المنصات المشبهة بالمعارضة زيفًا، من موسكو للقاهرة قد دخلت في تنسيق معها في مفاوضات جنيف 4 الشهر المنصرم، وتابعت “رَمَلًا” مسيرة جنيف خمسة الذي أنهيت أعماله قبل أيام.

ما من جديد في قمة عمان سوى “فشكلة” بعض زعامتها، وتعثرهم لغويًا أو جسديًا، كما حدث مع الرئيس اللبناني الذي صام دهرًا لمثل هذا اليوم، ففطر على سقوط مدوٍ منكبًا على وجهه! فالقمة -هذه- لم تكن كسابقتها في عدد تمثيل القادة العرب، 16 “زعيمًا” عربيًا حضروها، من بين 22، ولم تحضر سورية، ولازالت القمة تجتر عددًا من الجمل التي بات المواطن العربي، والسوري خاصة، يحفظها عن ظهر قلب، فمنذ قمة بيروت 2002 إلى يومنا هذا، وقمم العرب تؤكد التزام الدول العربية بمبادرة السلام العربية، وأن السلام العادل والشامل خيار استراتيجي، وأن الشرط لتحقيقه هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكامل الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلت عام 1967، وإلى اليوم لم تجد القضية الفلسطينية قرارًا قابلًا للتنفيذ على أرض الواقع بقدر استماعها لما تمليه الدول الكبرى على شخوصها وزعاماتها. وفي المسألة السورية، بات واضحًا من خطاب أمير الكويت في وصفه الربيع العربي بالوهم، أو من خطاب السيسي في وصفه ضرورة العمل لحماية الدول الوطنية من خطري نمو النزاعات الاثنية والتطرف، في مؤشر واضح إلى توجّه سياسات الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، في تأجيل أي حل أو دور للدول العربية في شأن المسألة السورية، سوى محاربة الإرهاب، وبأن الحل الوحيد الممكن للأزمة السورية يتمثل فـي الحـل السياسي القائم علي مشاركة جميع الأطراف السورية، وأضيفت إليه عبارة “بما يلبي تطلعات الشعب السوري” ربما حرجًا أو استحياء أو مزايدة! لتبقى مسألة المقعد السوري شاغرًا محط سؤال سياسي أُجّل إلى قمة الرياض المقبلة بعد أن تكون غرف السياسة الخلفية قد أنجزت الحل السوري، ووضعته واقعًا سياسيًا، سواء في حكومة وحدة وطنية، كما يرغب النظام وروسيا من خلفها، أو بتوضعات سياسية واضحة لخطة مركز “راند “الأميركي في الحل السوري، على أساس الحكم الذاتي لمناطق السوريين، ولربما كان هذا التأجيل السياسي هو المؤشر الوحيد الذي يبقي المسألة السورية مرهونة بمتغيرات الواقع على الأرض، وبتفاهمات الدول الكبرى عليها، وتبقي السوريين -أيضًا- بلا قرارات تلزم بوقف قتلهم وتشردهم اليومي.

المؤشر الأقوى إلى تنفيذ القمم العربية لما تريده أميركا، هو طرحها ضرورة وقف المد الإيراني في المنطقة، وإدانة تدخلاتها في كثير من عواصم العرب. صحيح أن إيران تستطيع أن تتدخل في عواصم العرب، وهذا جزاف مرفوض حتمًا، لكن أن تتبرع إحدى الدول العربية بطرح المسألة السورية على أنها مسألة شعب يباد، شعب يهجر، شعب يدمر؛ فهذا يحتاج إلى قمة مختلفة، وربما دور مختلف للعالم، فربما كان السوريون بحاجة إلى قمة في لاغوس، أو لاس فيغاس، لمعالجة التصحر العالمي، وارتفاع درجات حرارة الأرض من جراء ثقب الأوزون، ومن تدخلات المريخ والمؤامرات الكونية للمعارضة السورية، وعلى رأسها أطفال درعا، وولاية حلب الشرقية وولاية حمص الشمالية، مع “نبتون” و”بلوتو” في غزو الأرض، وجب على العالم كله أن يجر جيوشه الجرارة لحربهم وإرسالهم إلى سابع سماء في الكون!

نعم يا زعماء العالم، ويا قادة العرب الغرّ الميامين، نحن من ثقب الأوزون، وغزونا مجرات الكون، وأشعلنا حرب النجوم! وربما كنا سبب اختفاء المجرات وسوبرنوفنا النجوم، وتشكل العصر الجليدي أيضًا! السوريون، والدراويش من السوريين أمثالي، حين ننطق يهتز عرش “الكون”، ويبدِلُ الثور الأرض بين قرنيه، فتزلزل الأرض زلزالها! فلا عجب أن سوّفتم، إن ماطلتم؛ حتى إن اجتمعتم على قتلنا، أو نفينا إلى العالم الآخر! وربما شككتم بأننا من أصحاب الربيع، وما نحن سوى رعاة، وتسكننا الجهالة والتطرف! فقط تذكروا، نحن الشمس منذ الأزل، وأبناء آرام وماري، أول من نقشنا اللغة فكرًا على حجر، وصغنا المعنى والكلمة، وترابط الجملة والموسيقا، وأول من نظم المدنية، وأسس المنظمات، كذلك الجمعيات “كاروم” منذ الألف الثالثة ق. م، نحن طائر الفينيق في الأسطورة، نولد من رماد النار، واليوم سنولد من تحت أظافركم، من شقوق منازلكم، وسننهمر عليكم من سماء سابعة، وسنحيا رغمًا عن أنوفكم، وعن كل قممكم، وكل جنيفاتكم ومؤتمراتكم وحروبكم ومصالحكم وشهوات حكمكم وأدوات سيطرتكم، الحديثة والعصرية، أو الحجرية منها، يكفينا أنّا نحن اسم الكون والفعل والتشكل والتكوين وسؤال المعرفة الأولى، سؤال الهوية التي أنكرتم، سؤال الدولة الوطنية التي أجهضتم، فنحن الكون الأنيق وقصة الحضارة تبدأ منا، من أرضنا، وسنبقى هنا رغمًا عن كل هذا المكر المجبول بصفة العهر السياسي القابع في تأخركم وبلادتكم، سوى مصلحة كرسي جلالتكم الحاكمة والمبتذلة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق