لعل القارئ سيجد من دون عناء يذكر المشتركات الكثيرة بين روايتي “سمرقند ” للكاتب اللبناني أمين معلوف، و”قواعد العشق الأربعون” للروائية التركية إليف شفق، فكلاهما يتحدث عن شخصيات مشرقية كان لها تأثير معنوي كبير في مجمل الأحداث في المنطقة، وكلتا الشخصيتين، وإن لم تكونا متزامنتين، فقد جاءت في العصر السلجوقي، وكانت معنية بالدين والشعر والفكر الذي يدعو إلى التسامح والمحبة، في منطقة كانت وما تزال تمور في بحور من العنف والعنف المضاد، بكل أسبابه ومسبباته، سواء كانت دينية أم مذهبية، عرقية أم حتى سياسية.
المؤلَّفان يصنفان ضمن الروايات التاريخية التي تعيد إحياء الأحداث التاريخية وشخوصها، بطريقة درامية جذابة، وحبكة تجعل القارئ منشدًا للحدث، بل يعيشه في بعض الأحيان. والأهم من هذا كله -في رأيي- أن الروايتين جاءتا نوعًا من البحث الغربي عن الحكمة الشرقية، بلسان أعجمي مبين، لتتم ترجمتهما بعدئذ، لكن المفارقة هي أن كلا الكاتبين مشرقي!
قواعد العشق الأربعون سرد محكم لحدثين متوازيين: الأول؛ حياة معاصرة لامرأة يهودية أميركية تدعى إيلا روبنشتاين، تدفعها برود علاقتها الزوجية للعمل ناقدة أدبية، وهنا يدخل الحدث الثاني الذي غير حياة إيلا، وهو سرد لحياة صوفية حدثت قبل ثمانية قرون، إذ كان عليها أن تقدم تقييمًا لرواية تدعى ” الكفر الحلو” لكاتب اسمه “عزيز زاهارا”، وهي تتكلم عن بحث شمس الدين التبريزي عن جلال الدين الرومي، ومن خلال الرواية التي فُتنت بها، نشأت بينها وبين الكاتب زاهارا علاقة أشبه ما تكون بعلاقة التبريزي بالرومي، إذ جاءها زهارا ليريها فوائد الانعتاق من الهويات القاتلة، والانضمام إلى عالم العشق الرباني، الذي تتساوى فيه المحبة لجميع الناس بمختلف أجناسهم وأديانهم وتوجهاتهم.
الرواية التي صدرت عام 2010 في الولايات الأميركية المتحدة، حققت نجاحًا كبيرًا بالإنكليزية، وصدرت في الوقت نفسه باللغة التركية، وكانت الأكثر مبيعًا في آسيا الصغرى. رواية جاءت بعد أكثر من عقدين على صدور رواية سمرقند التي تتناول في ما تتناول رباعيات عمر الخيام، وبالطريقة نفسها -تقريبًا- وإن اختلفت التكتيكات؛ ما يعني أن إليف شفق، المولودة في مدينة ستراسبورغ الفرنسية، قد تأثرت بمواطنها أمين معلوف، الصحافي اللبناني الذي هاجر إلى فرنسا منذ سبعينيات القرن الماضي.
وهنا كي تتضح الصورة أكثر لا بد من إضاءة بسيطة لرواية سمرقند التي في جزئها الثاني تتكلم كذلك عن صحافي أميركي، يدعى “بنجامين عمر لاساج”، معجب بالخيام وآرائه، وقد جعل اسمه الأوسط عمر، بل أكثر من ذلك كانت الرباعيات صلة الوصل بين أمه الفرنسية وأبيه الأميركي، وأحد القواسم المشتركة بينهما التي أدت إلى الزواج، فيخاطر لاساج بحياته ويسافر إلى إيران المضطربة مرتين، كي يظفر بالنسخة الأصلية للرباعيات، ولا سيما أن أبحاثًا قد قالت إن الرباعيات ليست كلها لابن نيسابور، بل قد أُدخل فيها ما ليس منها.
تبحر هذه الرواية عميقًا في التاريخ، وتأخذ القارئ إلى سمرقند، ثم إلى أصفهان عاصمة دولة السلاجقة حينها، التي كان عمر الخيام أحد أركان الحكم فيها، صحيح أنه رفض توسيخ يديه بالسياسة، ولكنه كان يمول مشروعاته البحثية في مجال علم الفلك، من مال خصصه له الوزير نظام الملك، ثم تصل الرواية إلى الحشاشين وأميرهم حسن الصباح، قبل أن يصبح اسم عمر تهمة في بلاد فارس، بعد أن سيطر الصفويون عليها، وبقوة السيف صبغوها بلونهم الطائفي.
تشرح الرواية كثيرًا، وضع إيران في بداية القرن العشرين، من خلال رحلتي لاساج الأولى والثانية، ولكن المضحك المبكي في القصة أنه استطاع بعد جهد جهيد ومخاطر مهولة الحصول على الرواية، والزواج من الأميرة الفارسية شيرين، وقرر الزوجان تمضية شهر العسل على متن السفينة الشهيرة التايتانيك، حيث نجا الزوجان من الغرق على متن قارب صغير، إلا أن النسخة الأصلية من الرباعيات غرقت مع السفينة!