لقد كشفت غارة ترامب ضد الأسد عن غياب أي قوة معاكسة لثقل البنتاغون في عمليات اتخاذ القرار على الصعيد التكتيكي، وعن تنسيق معلن مع إسرائيل، على الصعيد الاستراتيجي، أكثر من عكسها لتغيير في السياسات.
الصورة: ترامب مع فريقه بعد غارة الشعيرات في الليل الفاصل بين 6 و7 نيسان/ أبريل 2017.
كنت مدعوًا في 4 نيسان/ أبريل، يوم تعرضت مدينة خان شيخون السورية للقصف الكيماوي، من المعهد الفرنسي في كردستان العراق؛ للتحدث في السجن الأحمر في السليمانية. في ذلك المكان المكرس لذكرى ضحايا المجزرة الكيماوية في حلبجة عام 1988، تطرقت إلى التوازي بين جريمة كتلك التي ارتكبها صدام حسين باسم حزب البعث، والجرائم المرتكبة باسم الحزب ذاته من بشار الأسد في سورية.
بعد ذلك بيومين، وهذه المرة في إربيل، قدمت مداخلة عن تاريخ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، أشرت خلالها إلى حقيقة أن إدارةً للبيت الأبيض قادرة، خلال ة أيام معدودة، أن توصي بالتسوية مع نظام الأسد، ومن ثم؛ تقصفه. هي إدارة تتصرف من دون استراتيجية، وخلال الليل، ضربت صواريخ أميركية القاعدة الحكومية في الشعيرات.
سوف يجد المؤرخون في المستقبل لذة كبيرة، حال فكّ الألسنة وفتح الأرشيف، في وصف هذا “الأسبوع المجنون” الذي انتقلت فيه إدارة ترامب من التصالح مع، إلى العدوانية ضد، مستبد دمشق. بإمكاننا، ابتداء من هذه اللحظة، الاستنتاج بوجود نقلة نوعية في القرار، على الصعيد التكتيكي، من الإدارة السياسية باتجاه التراتبية العسكرية، وبوجود تنسيق معلن، على الصعيد الاستراتيجي مع اسرائيل. لا ينذر أي من ذينك التطورين بتطورات إيجابية في سورية خصوصًا، وفي الشرق الأوسط عمومًا.
صيرورة القرار عسكرية أكثر منها سياسية
لا يحترم دونالد ترامب، وفقًا للرأي السائد في واشنطن، إلا فئتين من البشر: أصحاب المليارات والجنرالات. وقد أحاط نفسه، في الواقع، بمجموعة جنرالات من ذوي سجلات الخدمة مذهلة. كما سمح، بعد أسبوع من مجيئه إلى البيت الأبيض، بغارة أرضية في اليمن، لم يُشهد لها مثيل من قبل، نجم عنها مقتل عسكري أميركي (إضافة إلى ما يقارب الثلاثين يمنيًا، من بينهم عدة مدنيين). وقد أعلن ترامب، علنًا، اكتفاءه بتنفيذ مقترحات البنتاغون بخصوص تلك الغارة.
ما برحت تلك التبعية غير المعلنة، لساكن البيت الأبيض، تجاه التراتبية العسكرية عن الازدياد منذ ذلك الحين في اليمن، وينطبق ذلك الحال على سورية والعراق أيضًا؛ إذ كانت الخطة الشهيرة للحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، واحتفظ فيها ترامب لنفسه بالحق في الكشف عن خباياها، ترتكز، قبل كل شيء، على نقل صلاحيات اتخاذ قرارات الضربات المعادية للجهاديين على الصعيد العملياتي، وقد بدا فك ارتباط القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو رئيس الولايات المتحدة نفسه، واضحًا عند عملية اتخاذ القرار المتعلق بقصف الشعيرات.
لقد أكدت الاجتماعات الجارية حول ترامب في مسكنه في فلوريدا، بعيدًا عن التعديلات في الدورة الرئاسية الأولى، على سطوة البنتاغون على الإدارات الأخرى، ولعلّ السبب وراء ذلك، إلى جانب الميزانية الضخمة والمرشحة للزيادة، أن وزارة الدفاع هي الوزارة الوحيدة الممتلكة لتراتبية فاعلة، في الوقت الذي تبقى فيه معظم إدارات وزارة الشؤون الخارجية شاغرة.
سيقودنا ذلك إلى قرار عسكري أكثر منه سياسي، سواء على صعيد اختيار الهدف أو التوقيت، ولكن تأثيره سيكون سياسيًا أكثر منه عسكريًا: 59 صاروخًا أُطلق من بارجة عدد ضخم مقارنة بالعسكريين السوريين الستة الذين قُتلوا (بمعدل عشرة صواريخ لكل قتيل)، أما مطار الشعيرات، فقد شهد إقلاع طائرات الأسد الحربية منه، من جديد، بعد الهجوم بمدة قصيرة. لقد أخطر البنتاغون، بالفعل، وزارة الدفاع الروسية التي حذرت، بدورها، نظام الأسد. كان بالإمكان أن يكون لاستعراض القوة المخادع ذاك معنىً، لو جرى توظيفه في خدمة سياسة واضحة، لكن يبدو أن الأمر بعيد من أي شيء يمت إلى ذلك بصلة.
تنسيق معلن مع اسرائيل
يتفق نظام الأسد مع دولة إسرائيل على عدّ السلاح الكيماوي السوري “نووي الفقراء” الذي يسمح لدمشق بامتلاكها قوة ردع غير تقليدية؛ لذلك، ليس لدى نتنياهو وحكومته، ما عدا الغارات الجراحية على حزب الله ومؤنه في سورية، أي سياسة واضحة في ذلك البلد، باستثناء تفكيك الترسانة الكيماوية بين أيدي الأسد؛ لذلك، وضعت إسرئيل، خلال أزمة صيف عام 2013، ثقلها كله على واشنطن؛ بهدف التوصل إلى اتفاق تفكيك مشابه مع موسكو، عوضًا عن توجيه ضربات إلى الأسد.
كان من المفترض لذلك الاتفاق، وسُمي بـ “اتفاق كيري-لافروف”؛ نسبة إلى قادة الدبلوماسية الأميركية والروسية، أن يكون قد أفضى، خلال عام بعد توقيعه، إلى نزع الأسلحة الكيماوية من نظام الأسد. رشّت الهجمات الكيماوية التي شنها الديكتاتور السوري منذ ذلك الحين (وأدانتها الأمم المتحدة بوصفها كيماوية) غاز الكلورين، الغاز الذي لم يدخل في إطار تلك الاتفاقية، أما هجوم خان شيخون، فقد نُفّذ بغاز السارين، ولم يكن لنظام الأسد الصلاحية في امتلاكه في مستودعاته.
قاد ذلك الخرق الخطِر لـ “اتفاق كيري-لافروف” إلى التحريك الفوري للسلطات الإسرائيلية، فاتهم وزير الدفاع الإسرائيلي، ليبرمان، علنًا، الرئيس الأسد، ومن المحتمل بقوة أن إسرائيل كانت مضطرة أن ترد عسكريًا على تحدي خان شيخون، لو لم تتدخل الولايات المتحدة بنفسها، كذلك تحظى سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة التي قادت الحملة الإعلامية المتعلقة بغارة الشعيرات، بدعم غير مشروط في إسرائيل، إضافة إلى كون نتنياهو أول قائد أجنبي بارك، علنًا، تلك الضربة الأميركية في سورية.
لطالما فرض الشرق الأوسط دينامياته، المعقدة والتراجيدية في الوقت نفسه، على ساكني البيت الأبيض المتتابعين، حتى على أولئك الذين كانت رؤاهم الرئاسية أكثر تماسكًا وتنظيمًا من رؤى دونالد ترامب. تلك كانت حال جيمي كارتر، رجل السلام، إن وُجدَ، ورأى نفسه مشلولًا بوصفه “الشيطان الأكبر” من الثورة الإسلامية في إيران. يتعلّم ترامب الآن، بتسارع، ما ثمن أن تكون، على الرغم من كل شيء، الرجل الأقوى على سطح الكوكب.
اسم المقالة الأصلي | Un coup pour rien de Trump en Syrie ? |
الكاتب | جان بيير فيليو Jean-Pierre Filiu |
مكان النشر وتاريخه | مدونة جريدة اللوموند، 9 نيسان/أبريل 2017 |
رابط المقالة | /http://filiu.blog.lemonde.fr /2017/04/09/un-coup-pour-rien-de-trump-en-syrie |
ترجمة | أنس عيسى |