لقد أدار دونالد ترامب ظهره لكلِّ شيءٍ -تقريبًا- قاله حول تورط الولايات المتحدة العسكري في سورية، وأطلق ما يقرب من 60 صاروخًا على قاعدةٍ جوية في البلاد.
ادعى بيانٌ رسميّ لترامب بأن الضربات كانت ردًّا على الهجوم الوحشي لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، بالأسلحة الكيماوية ضد شعبه، لكن البيان ذهب بعيدًا -أيضًا- في خيال الخوف في كثير من الأحيان؛ مستجديًّا دعم مهماتٍ إنسانية: “إنه في هذه المصلحة الأمنية القومية للولايات المتحدة، لمنع، وردع انتشار واستخدام الأسلحة الكيماوية القاتلة.”
كان هذا صدىً لتحذير جورج دبليو بوش من “أسلحة الدمار الشامل” لدى صدام حسين، وهي كذبةٌ، قادتنا إلى حربٍ طالت عقدًا من الزمن.
لا يجب أن تكون فظًا هنا، لكن الفظائع التي تحدث في العالم في كلِّ وقت (قد وقعت على نطاقٍ واسع سابقًا في سورية). البشر قادرون على قسوةٍ لا يمكن تصورها؛ أحيانًا تموت الضحايا بسرعة، وتُصوّرها وسائل الإعلام كي يراها العالم، وفي أحيان أخرى، يموتون ببطء، بعيدين عن الأنظار، وبجنون؛ إذ تُستخدم أسلحةً محظورة في بعض الأحيان؛ وأسلحةً تقليدية في بعض الأحيان. وفي مرات أخرى، يموتون من الإهمال والعزل والجوع.
العالم عمومًا، وأميركا خصوصًا، لديه تجربة أن يقرر بتراخٍ حول أي من الفظائع تستحق الردود، وأي من الفظائع لا تستحق، ويمكن لهذه القرارات أن تكون متقلبةً، في أفضل الأحوال، وتمويهاتٍ محسوبة لدوافعٍ خفية، في أسوأ الأحوال.
في الواقع، لا تحتاج الدوافع لاتخاذ إجراء عسكري إلى أن تكون فردية إطلاقًا، لكنها في الأغلب متعددةً، تُخفي طرفًا داخل الآخر، مثل أعشاش الدُمى.
أعمال الحرب ذاتها، يمكن أن تُستخدم سلاحًا سياسيًّا. ويمكن أنْ تصرف الانتباه، وتهدئ من الحدّة، وتزيد من شهية الإنفاق العسكري، وتعطي دفعةً لمعدلاتِ الشعبية المتراجعة.
متظاهرون خارج البيت الأبيض الجمعة. إيريك ثاير/صور جيتي
يوثق منظمو استطلاعات الرأي نتائج “التجمع حول العَلم” (أو “التجمع”).
كتبت مؤسسة غالوب (مؤسسة أميركية، أسسها جورج غالوب عام 1935، لتقديم الاستشارات الإدارية، تهتم بإجراء البحوث والتقارير الإحصائية، مقرها واشنطن) عام 2001 بعد هجوم 11 أيلول/ سبتمبر: “في أعقاب هجمات الثلاثاء الإرهابية، كانت موافقة الأميركيين على الطريقة التي يمسك بها الرئيس جورج دبليو بوش عمله، قد ارتفعت إلى 86 في المئة، وهي رابع أعلى نسبة من التأييد، قاستها مؤسسة غالوب في العقود الستة، إذ كانت تطلب من الأميركيين أن يشتركوا في هذا التقييم. وحدهما الرئيسان: جورج بوش الأب، وهاري ترومان وصلا إلى أعلى الدرجات -بوش الأب مرتين خلال حرب الخليج، مع 89 في المئة (أعلى نسبة)، ونسبة مشاركة 87 في المئة، وترومان مع 87 في المئة بعد استسلام الألمان في الحرب العالمية الثانية.”
إنّه من السهل أن تتاجر في بطولة المهمة الإنسانية، أو الخوف من الإرهاب، أو الاثنين معًا، كما حاول ترامب في هذه الحالة.
إن الإغراء لإطلاق العنان لآلة الحرب الأميركية الضخمة هو جذابٌ، وعرضةٌ للإدمان أيضًا. وتسليم تلك السلطة في يد رجلٍ مثل ترامب الذي يعمل بتهور وغريزي، أكثر من اعتماده على العقل، لهو أمر لا بُدَّ من أن يخيفَ العالم.
وتظهر المشكلة عندما يخفت الوهج الأولي ويحلُّ الظلام. نحن نتوّرط في مكانٍ ما على الجانب الآخر من العالم، وصقور الحرب -كثيرون مَدينون إلى المجمع الصناعي العسكري- يجعجعون ويتباهون بصدورٍ منفوخة.
ولكن تغذية وحش الحرب تضخم شهيته فحسب، وذكرت شركة مراقبة السوق Market Watch الأسبوع الماضي، “يمكن أن تكون تكلفة صواريخ كروز التي أمطر بها الجيش الأميركي أحد الأهداف السورية، ليلة الخميس، نحو 60 مليون دولار،” ولكن مجلة فورتشيون Fortune، ذكرت أنَّ أسهم شركات صناعة الأسلحة، ما إن بدأ التداول الجمعة، حتى “كسبت جماعيًا ما يقرب من 5 تريليونات دولار [ربما يقصد بليونات] من القيمة في السوق.”
الحرب تجارةٌ (بيزنس)، وتجارةٌ مربحة.
أشاد الأميركيون الذين صدمتهم -بحق- صور الأطفال القتلى بقرار الرئيس؛ فهم يشعرون بالفخر لصفعةِ يد الشرير، من دون المخاطرة بالأميركيين، لكنَّ القوة الأميركية تورطت الآن، تورطًا لا رجعة فيه. هيبتنا على الميزان، وسمعتنا على المحك.
في كثيرٍ من الأحيان، يُوّلد الفعل مزيدًا من الأفعال، بوصفها نتائج غير مقصودةٍ، تَنبتُ مثل الأعشاب الضارة.
في أقصى الحالات نزيح زعيمًا سيئًا في بعض البلدان الفقيرة، يساعد هذا، من الناحية النظرية، مواطني ذلك البلد، لكن في الواقع المعقّد الذي كان يجب علينا أن نظل نتعلم أكثر فأكثر في التاريخ الحديث، فهو، وغالبًا ما يخلق فراغًا، إذ يُستبدل رجلٌ سيئ برجالٍ أسوأ منه.
ثم نحن بالفعل دخلنا المستنقع، علينا أن نختار المستحيل؛ البقاء ومحاولة إصلاح ما كسرناه، أو التخلي عنه، ومراقبة أشباحنا تتضاعف.
نبالة الحملة الصليبية، استُهلكت في المستنقع
هذا هو السبب في أننا سنفعل كلّ شيءٍ جيدًا؛ للتخفيف من خطابات الحرب المتعلقة بتهنئة الذات، والتخلص من نفاق، وزركشة سياسيينا، ونقادنا الذين عارض بعضهم بنفاقٍ استخدام الرئيس أوباما للقوة العسكرية في أعقاب أسوأ هجومٍ كيماوي في سورية عام 2013.
مثل الورعين حيث نتفاءل بمعاقبة الأسد، لكن سورية صارت عشُّ الدبابير للقوات المعادية لأميركا؛ الأسد، وروسيا، وإيران في طرفٍ، وتنظيم الدولة الإسلامية في الطرف الآخر، ولا يمكنك أن تَضرَّ فصيلًا واحدًا من دون مساعدة الفصيل الآخر، وبهذه الطريقة، سورية دولةٌ لا يمكن الفوز بها تقريبًا.
مررنا في هذا الطريق من قبل، في الأفق ثمة هضبة؛ حادة، ومدهونة بالدوافع السياسية، والطموحات العسكرية، والدم الأميركي، والخزينة المهدورة.
كوننا ضجرين ليس علامةَ ضعف؛ وعلى العكس من ذلك، إنّه إظهار لحكمةٍ صعبة وطموحة.
اسم المقالة الأصلي | War as Political Weapon |
الكاتب | تشارلز م. بلو، Charles M. Blow |
مكان النشر وتاريخه | نيويورك تايمز، The New York Times، 10/04/2017 |
رابط المقالة | https://www.nytimes.com/2017/04/10/opinion/war-as-political-weapon.html |
ترجمة | أحمد عيشة |
تعليق واحد