يبدو أن رضىً عالميًا عن القتل اليومي الذي يمارسه نظام الأسد على السوريين، والخلاف حول أداة القتل فحسب، فما من جريمة يرتكبها النظام في حال قتل مئات الآلاف من الأطفال ونساء والرجال والشيوخ بالصواريخ والبراميل والنابالم والرصاص والتعذيب في المعتقلات. المشكلة عند المجتمع الدولي أن يحدث القتل بغاز السارين، إذ يعدّ استخدامه تعديًا على المعاهدات الدولية التي حرّمت استخدامه.
بمعنى لا بأس من التعدي على الإنسان السوري وعلى روحه ودمه ووجوده، شريطة ألا يمس ذلك المعاهدات الدولية التي حظرت استخدام الأسلحة الكيماوية، ومن هنا يمكن لنا فهم ردّة فعل الإدارة الأميركية على مجزرة خان شيخون، في أنها لم تكن ناتجة عن رغبة تلك الإدارة في وضع حد لاستمرار القتل اليومي الذي تمارسه قوات الأسد بحق السوريين طوال ست سنوات، بل ناتجة عن الرغبة في رد المكانة ما أمكن إلى هيبة تلك المعاهدات الخاصة بالأسلحة الكيماوية، أما تلك المعاهدات المعنية بحماية أرواح الناس وصون كرامتهم وحريتهم، فلم يعد خرقها يؤرق الضمير العالمي، ولا ضمير الإدارة الأميركية، طالما أن قتل مئات آلاف السوريين لا يشكل خطرًا على أمن الولايات المتحدة، و”إسرائيل” والدول الغربية.
توجيه ضربات قيل إنها “مركزة” على مطار الشعيرات لم يكن بحجم الجريمة، فأن تنحصر ردة فعل أقوى دولة في العالم على عملية قصف مطار، وبضع طائرات عقوبة على استخدام السلاح الكيماوي، هي مهزلة دولية، تشير إلى نفاق وتواطئ عالمي على جميع المعاهدات والقوانين الدولية الخاصة بحماية حياة الإنسان، إذ لا تكاد العملية التي أقدمت عليها إدارة ترامب في قصفها لمطار الشعيرات تتجاوز الأهداف التي حققتها من إدارة أوباما حينما عقد صفقته مع الرئيس الروسي بوتين، وانتزع بموجبها كميات من غاز السارين بعد قصف النظام مناطق غوطة دمشق بالسلاح الكيماوي 2013.
شجعت تلك الصفقة النظام على استخدام أسلحة لا تقل خطورتها عن الكيماوي كالبراميل والنابالم والفوسفور الحارق، وشجعته أيضًا على التمادي في القتل والإبادة والتهجير والتجويع، دون أن يبدي العالم أي ردة فعل على طاحونة الموت السوري التي يديرها نظام الأسد، ومعه الاحتلالان: الروسي والإيراني؛ ما يعني أن النيل من أداة الجريمة لن يجدي نفعًا، ولن يوقف طاحونة الموت، بل هو في جانب منه يسهم في جعل هذه الطاحونة تدور على نحو أشد وأعنف.
يمكن القول إن نوعية ردة فعل إدارة ترامب منحت الأسد فرصة إضافية للاستمرار في القتل، ومنحته أيضًا، ومن جديد، خريطة دولية تحدد له نوعية الأسلحة التي يمكن له أن يستخدمها في قتله للسوريين، تمامًا كما حدث مع إدارة أوباما، ففي علم الإجرام إذا ما دُمر جزء من أداة الجريمة، وترك المجرم طليقًا؛ يعني هذا تشجيعًا للمجرم وفسح المجال أمامه لممارسة الجريمة من أوسع أبوابها، خصوصًا أن السوريين اختبروا جيدًا كيف أن نظام الأسد لا يحلو له الانتقام من الأعداء المفترضين بالنسبة إليه، كما هو حاصل مع الغارات الاسرائيلية التي استمرت في قصفها للمواقع السورية، إلا من أجساد وأرواح السوريين، وهذا تمامًا ما راحت تفعله بأرواح وأجساد السوريين بعد القصف الأميركي لمطار الشعيرات، فبعد دقائق معدودة من قصف المطار حلقت الطائرات السورية والروسية لتدك المدن والأحياء السورية فوق رؤوس ساكنيها.
الإدارة الأميركية التي مارست وتمارس القتل والإبادة في العراق وأفغانستان وليبيا وسورية، بالتأكيد ليست مشكلتها مع قتل الأسد للسوريين، إنما مشكلتها تنحصر مع استخدامه لغاز السارين تحديدًا.
لو كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب جادًا في تحقيق العدالة للسوريين كما يدعي، لتوجّه إلى مجلس الأمن وأرغمه على اتخاذ قرار تحت الفصل السابع، لمعاقبة الجناة وتحرير السوريين من طاحونة الموت اليومية.
تعليق واحد