تزامن طرد تنظيم الدولة الإسلامية من مناطق متفرقة في شمال شرق حلب، مع دعوات رجال قانون لبناء قطاع قضائي على أُسس قانونية، وشهد مطلع العام الجاري تشكيلات وأجسامًا قضائية مدنية في مناطق متفرقة شمالي حلب، لتكون بديلًا من “المحاكم الشرعية” التي فرضت الفصائل العسكرية أحكامها قسرًا على الناس، وتلا خطوة إنشاء المحاكم والهيئات القضائية تأسيس فرع نقابة المحامين الأحرار في حلب، الذي انتُخب مجلسه أواخر آذار/ مارس الماضي.
بعد “تنظيف” مناطق واسعة في الشمال الشرقي من محافظة حلب من تنظيم الدولة الإسلامية، شُكّلت الهيئة القضائيّة في مدينة جرابلس، وتألفت من قضاة منشقين ورجال قانون، وتشمل عدّة غُرف، كمحكمة الاستئناف والجنايات وقُضاة الفرد المدني والجزائي والشرعي، إضافة إلى التحقيق ودائرة النيابة العامة التي شُكلت بدعم كامل من الجانب التركي. وشُكّل عدد من المحاكم، في كل من مدينة إعزاز ومارع وصوران وأخترين.
عن محكمة إعزاز المركزية، والمحاكم الفرعية التابعة لها، وآلية العمل فيها قال رئيس النيابة العامة في محكمة إعزاز المركزية، المحامي مصطفى سلطان، لـ(جيرون): إن المحكمة المركزية في مدينة إعزاز تتألف من:
– النيابة العامة.
– قضاة التحقيق.
– محاكم البداية المدنيّة والبداية الجزائيّة.
– محكمة الجنايات، وتختص بالنظر في القضايا الجنائيّة.
– محكمة الاستئناف بغُرفتَيها المدنيَة والجزائيَة، مختصة باستئناف أحكام محاكم الدرجة الأولى.
– غرفة التمييز، وتختص النظر في طعون قرارات المحاكم الأدنى، وبعض الهيئات الإداريّة والنقابيّة.
وأضاف سلطان: أن “المحاكم الفرعية في كل من مارع وصوران وأخترين تتألف من رئيس نيابة وبداية وأحوال شخصية، وتعدّ جميع هذه المحاكم جسمًا قضائيًا موحدًا، فمحاكم الدرجة الأولى تلتزم بقرارات محاكم الاستئناف والتمييز، إضافة إلى مركزيّة النظام الوظيفي لهذه المحاكم، من حيث التبعية الإدارية والمالية”.
وجميع هذه المحاكم شُكّلت من رجال القانون، وتعمل بموجب الأصول القانونية للنظام القضائي، وفي درجات التقاضي من بداية واستئناف ونقض، ويتمتع الخصوم أمامها بحق الدفاع، وتمثيلهم بواسطة محام، وضمان حقوق التقاضي وكرامة المواطن في سيادة القانون والعدل.
ويظهر عدد الدعاوى المسجلة في سجلات هذه المحاكم، “مدى إقبال المواطنين عليها لحل نزاعاتهم وتحصيل حقوقهم؛ ما يبشر بجسم قضائي وطني وحقيقي، حيث بلغت الدعاوى المسجلة في بعض المحاكم 90 دعوى شهريًا”. وفق سلطان.
أكد سلطان: أن “الأهالي والقوى العسكريّة العاملة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وجدوا في هذه المحاكم صمّام أمان لهم؛ لذلك، تتعاون الفصائل معها وتلتزم بقراراتها، وخصوصًا بعد تشكيل جهاز الشرطة الذي تشرف الحكومة التركية على تدريبه، وهو الذراع التنفيذية لقرارات هذه المحاكم”.
لا تكتمل العدالة إلا بجناحيها: القضاء والمحاماة؛ لذلك، شُكل فرع نقابة “المحامين الأحرار” الذي انتخب مجلس الفرع والهيئة العامة في 26 آذار/ مارس 2017.
وقال رئيس فرع نقابة “المحامين الأحرار” في حلب، المحامي ياسين الهلال، لـ(جيرون): “إن الزملاء تداعوا أخيرًا لتشكيل الهيئة العامة لنقابة المحامين الحرة – فرع حلب، وعملت -أيضًا- لتشكيل لجنة تحضيرية لإجراء انتخابات مجلس الفرع التي أثمرت انتخابات7 أعضاء لمجلس الفرع و10 أعضاء مُتممين للمؤتمر العام، ويأتي دور النقابة في التعاون وتنسيق عمل المحامين ومرافعاتهم أمام المحاكم وتمثيل الخصوم فيها، ودعم وإرساء العدالة في المناطق المحررة”. وأكد الهلال على “التعاون والانسجام التام بين المحامين والمحاكم العاملة في المنطقة، ورفدها بالكفايات القانونية الوطنية، تلبيةً لحاجات المجتمع في تحقيق العدالة والاستقرار الاجتماعي”.
يذكر أن المناطق “المحررة” حديثًا من تنظيم الدولة الإسلامية، كمدينة الباب وبزاعة والراعي، في انتظار خطوات تشكيل محاكمها التي لن تطول، وفق عدد من المصادر القضائية.
منذ انطلاق الثورة السورية وانحسار سلطة نظام الأسد عن مناطق واسعة من سورية، ظهرت -مطلع عام 2012- ما تسمى “الهيئات الشرعيّة” التي عملت بعنوان “تطبيق الشريعة الإسلاميّة”، يتكون معظمها من أفراد غير مؤهلين وغير مختصين بالقانون والعمل القضائي، ولم يكن هناك أي ضابط لآلية عمل هذه الهيئات، وكانت أحكامها تصدر بمزاجية وسلطة الأمر الواقع (بلبوس ديني)، ورافقتها محاكم خاصة بكل فصيل عسكري، وكانت هذه المحاكم تتبع سياسة منافسة وعِداء بينيًا؛ لذلك أنتجت فوضى وعدم استقرار في العمل القضائي، ولم تلب حاجات المجتمع في إحقاق العدالة وصون الأمن الاجتماعي، ويعود تأخر ظهور مؤسسات قضائيّة حقيقيّة إلى سيطرة جماعات تعدّ العمل القانوني والقضائي من الموبقات وغير جائز.