في المرحلة الأولى من التهجير يكون المُبتغى الأول للمهجرين قسرًا هو الوصول إلى برّ سلام، وتأمين أطفالهم في بقعة جغرافية محميّة، يتوفّر فيها قليل من مقومات الحياة، ولا سيّما أن معظم المهجرين خرجوا من حصار طويل، لكن مع مرور الوقت يحتاجون إلى وضع حجر الأساس لحياة جديدة.
تُعدّ حال مهجري الوعر الواصلين إلى جرابلس، أفضل من غيرهم، لكون المدينة آمنة ومحمية، وتمتاز عن باقي مدن الشمال السوري التي تتعرض للقصف اليومي، وعلى رأسها إدلب، إلا أن فرص بناء الحياة في جرابلس قد لا تكون وافرة؛ لأنها مدينة صغيرة وكثافتها السكانية عالية.
في هذا المعنى قال كمال محمود، أحد الواصلين الجدد إلى جرابلس، لـ (جيرون): “استقر أغلب مهجري الوعر في المخيمات، وهي تتميّز بشح خدماتها، ولا يمكن للجمعيات الخيرية والأهلية، مهما كان نشاطها كثيفًا، توفير كل اللوازم على المدى البعيد”.
وأضاف “حاول قسم ضئيل من الأهالي استئجارَ منازل وتأمين حياتهم بعيدًا عن المخيمات، ولكن هذا الخيار صعب أيضًا؛ إذ إن بعض أصحاب البيوت يطلبون أجرة 3 أشهر مقدمًا، إضافةً إلى أن معظم المنازل تحتاج إلى ترميم”.
من جانبه، قال نائب رئيس المحلي لمدينة جرابلس محمد المحمد لـ (جيرون) “وصل عدد أهالي الوعر المهجرين إلى جرابلس 8000 شخص، أُقيم لهم مخيمان: الأول في العمارنة، ويقيم فيه 825 شخصًا ضمن 199 خيمة، والثاني في زوغرة، ويضم حوالي 5000 مهجر، في 1020 خيمة، وجُهّزت 400 خيمة للدفعة الأخيرة، وعددها 2000 مدني، وتقوم منظمة “أفاد” والهلال الأحمر التركية بتأمين ما يحتاجه الأهالي من الخيم والأثاث والفرش، وإحضار كرفانات للحمامات وخزانات المياه، بالتعاون مع المجلس المحلي، إضافة إلى تزويدهم بالحصص الغذائية ومياه الشرب”، وأشار إلى “وجود بعض الصعوبات في تأمين المياه النظيفة للمخيمات، ويحاول المجلس حلّ ما يعترضه من مشكلات بالتعاون مع الجهات التركية الداعمة”.
حول الأوضاع الطبية والصحية أكدّ المحمد أن “النقاط الطبية الموزّعة على المخيمات تفتقر إلى سيارات الإسعاف، ويتواصل المكتب الصحي في المجلس المحلي مع الجهات الصحية، لتزويد المخيمات بالآليات اللازمة، ويتلقى المرضى علاجهم في النقاط الطبية، أما ذوي الأمراض الخطِرة والمزمنة فيُنقلون إلى مستشفى جرابلس أو إلى المستشفيات التركية”، لافتًا إلى أن “الأوضاع الصحية والنفسية للأهالي تتجه نحو الأفضل”.
المخيمات المدن
سألنا أحدَ مهجري الوعر في جرابلس عن خطته، بعد تخطي المرحلة الأولى من التهجير، أجاب “لن نستطيع الخروج من المخيمات، فهي بمنزلة بيوت دائمة لنا، ومهما حاولنا أن نعيد بناء أنفسنا، فلن نستطيع، ونحن هنا تائهون لا نعرف أحدًا”.
أما نائب المجلس المحلي فقال: “نسعى لتحويل هذه المخيمات إلى مشروعات مستدامة، وأن ننزع منها طابع الإغاثة المؤقتة، عبر بناء مؤسسات للمهجرين توفر لهم الحياة الكريمة، وتسوقهم إلى مرحلة الاعتماد على الذات عبر تأمين فرص عمل”، مشددًا على أن “الوصول إلى هذه المرحلة ليس سهلًا، فهناك كثير من الصعوبات والعقبات التي تعترض عمل المجلس والمؤسسات الداعمة له، وتؤدي بمجملها إلى بُطء في التنفيذ، أضف إلى ذلك الحاجةَ إلى الكوادر الفنية والاستثمارات لإقامة المشروعات الإنتاجية”.
يبقى التساؤل عن مصير هؤلاء المهجّرين وعن المستقبل الذي ينتظرهم وأبناءهم، بعد خسارتهم أرضهم وبيوتهم، وانتقالهم للعيش في مدينة مكتظة لا تستوعب أهلها والنازحين إليها، وأين سيكون طلاب الوعر من مدارس جرابلس التي لم تنهض بعد من صنائع (داعش) إذ تؤكد معظم الجهات الفاعلة في المدينة أن عدد الطلاب في سن الدراسة لا يتناسب وعدد المدارس المُجهزة للتعليم.