الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقر إقامة في منطقة روتشي بوخاروف في سوتشي، يوم الثلاثاء 2 أيار/ مايو، تصوير أليكسي نيكولسكي
أعاد الرئيس ترامب فتح اتصالاتٍ مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الثلاثاء 2 أيار/ مايو، وسعى إلى إعادة إحياء ما كان يأمل أن يكون علاقةً خاصة، بالموافقة على العمل معًا للتوسط لوقف إطلاق النار في سورية التي مزقتها الحرب.
في أول مكالمةٍ هاتفية بينهما، منذ أن شنت الولايات المتحدة ضربتها بصواريخ كروز على الجيش السوري المدعوم من موسكو، للرد على هجومٍ بالأسلحة الكيمياوية على المدنيين، وافق السيد ترامب على إرسال ممثل إلى محادثات وقف إطلاق النار التي نظمتها وساطة روسية، وتبدأ يوم الأربعاء 3 أيار/ مايو في أستانا، كما ناقش مع السيد بوتين اجتماعهما في ألمانيا في يوليو/ تموز.
لكن المسؤولين الأميركيين والروس قدموا رواياتٍ متباينة، عن اهتمامهم بإنشاء مناطق آمنة في سورية، لحماية المدنيين الذين يعانون من حربٍ أهلية مستمرة منذ ست سنوات، إذ قال بيانٌ للبيت الأبيض: إن الزعيمين بحثا أمر هذه المناطق “لتحقيق سلامٍ دائم لأسباب إنسانية، وأسباب أخرى كثيرة”. ولم يشر بيان الكرملين إلى المناطق الآمنة، وقال المتحدث باسم بوتين إنهم لم يبحثوها بالتفصيل.
ومع ذلك، في محادثات أستانا، يخطط مبعوث بوتين لاقتراح مفاده أنَّ روسيا وإيران وتركيا تعمل كقواتٍ عازلة، تفصل بين القوات الحكومية والمتمردة في بعض المناطق من سورية، بينما تشكك حكومة الرئيس بشار الأسد في الخطة التي تعدّها الخطوة الأولى نحو تقسيم البلاد، وفقًا لدبلوماسيين ومحللين.
وكان الاتصال بين السيد ترامب والسيد بوتين يهدف إلى تجاوز الشرخ الذي وقع بينهما في الأسابيع الأخيرة، والبدء في إقامة علاقةٍ أكثر تعاونية، وأشاد مكتب الرئيس ترامب بالسيد بوتين، وعدّ الاقتراب من موسكو من الأولويات.
لقد أفسح التفاؤل المبدئي لكلا الجانبين حالة من التفاؤل غير المؤكد، والقلق حيث دفعت الجاذبية الجيوسياسية السيدَ ترامب والسيد بوتين في اتجاهين متعاكسين، وقللت من الآمال. وفي الوقت الذي يبدو فيه أنَّ صفقةً كبرى باتت بعيدة المنال، بدا الزعيمان عازمين على إيجاد مساحاتٍ يمكن أن يتفقوا فيها، في الوقت الذي يديرون فيه مناطق، حيث لم يتفقوا بعد.
وقال فلاديمير فرولوف –كاتب ومحللٌ بارز في مجال السياسة الخارجية- عن الظروف في موسكو: “ما زال هناك بعض الآمال، وخيبة الأمل، والحذر، والتخوف، فهم يخشون من الطريقة التي تتصرف بها إدارة ترامب على الصعيد الدولي، والطبيعة الأحادية التي لا يمكن التنبؤ بها، لخطواتهم، لكنهم ما زالوا يأملون في التوصل الى اتفاق”.
لم يستسلم السيد ترامب أبدًا، حتى بعد أنْ قال: إنَّ العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا “قد تكون في أدنى مستوياتها”. وفي حين انتقد كبار أعضاء فريقه موسكو بشدة لتمكين الحكومة السورية من استخدام غازات الأعصاب ضد المدنيين، خفف الرئيس من لهجته، وأكد على عدم انتقاد السيد بوتين شخصيًا، وبعد ذلك أعرب عن تفاؤله بأنَّ “الأمور ستسير بشكلٍ جيد بين الولايات المتحدة وروسيا”.
عندما التقى السيد ترامب مع سفراء من مجلس الأمن -الأسبوع الماضي- قال لهم: “إنَّ مستقبل الأسد ليس معطلًا للاتفاق” وفقًا لما ذكره دبلوماسي روسي بعد ذلك. وفي نهاية الأسبوع الماضي عاد إلى غموضه السابق المتعمد حول ما إذا كانت روسيا قد اقتحمت مخدمات الحزب الديمقراطي في العام الماضي، قائلًا: “يمكن أن تكون الصين، فقد يكون لديها الكثير من مجموعات القرصنة”.
وكانت مكالمة الثلاثاء الهاتفية هي الثالثة، بين السيد ترامب والسيد بوتين، منذ تنصيبه في كانون الثاني/ يناير، إذ قدَّم الجانبان تقييماتٍ إيجابية، ووصف البيت الأبيض المحادثة، بأنَّها “جيدة جدا”، بينما وصفها الكرملين بأنَّها “عمليةٌ وبناءة”.
ولم يذكر الجانبان الخلاف بصدد الهجوم الكيماوي، والضربة الصاروخية.
وقال بيانٌ للبيت الأبيض: إنَّ “الرئيس ترامب والرئيس بوتين اتفقا على أنَّ المعاناة في سورية استمرت لفترةٍ طويلة جدًا، وعلى جميع الأطراف أنْ تبذل كلّ ما في وسعها لوضع حدٍ للعنف” وقال الكرملين: إنَّ وزيرا الخارجية تيلرسون، ولافروف “سيكثفان حوارهما للبحث عن خياراتٍ” في سورية.
وقال تيلرسون للصحافيين: “لقد كانت مكالمةً بناءة للغاية بين الرئيسين، ومزعجةً جدًا، وفيها كثير من التفاصيل، لذلك سنرى أين سنذهب من بعدها”.
وفي إشارةٍ إلى اقتراب الضغط الداخلي المحيط، تمسك الديمقراطيون بالمكالمة الهاتفية بين السيد ترامب، والسيد بوتين، لتصويره مرةً أخرى كدميةٍ للزعيم الروسي.
وقال أدريان واتسون -نائب مدير الاتصالات في اللجنة الوطنية الديموقراطية- في بيانٍ له: إن “علاقة ترامب الودية مع بوتين يبدو أنها تسير على الطريق الصحيح، وبدلًا من إرسال رسائل قاسية إلى بوتين حول دعم نظام الأسد الوحشي، يبدو أن ترامب يختار استراتيجية الاسترضاء”.
تزامنت جهود السيد ترامب لتخفيف حدة التوتر، مع زيارة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إلى روسيا التي اجتمعت مع السيد بوتين، في مدينة سوتشي الجنوبية. وأكدَّ بوتين في مؤتمرٍ صحافي، قبل اتصاله مع السيد ترامب، أنَّ التعاون مع واشنطن كان أساسًا لتسوية الصراع في سورية.
وقال بوتين: “من المؤكد أنَّه من دون مشاركة مثل هذا الطرف كالولايات المتحدة، فمن المستحيل أيضًا حلّ هذه المشكلات بفعالية”. وأضاف: “إننا سنظل على اتصال مع شركائنا الأميركيين، وآملُ أنْ نتفاهم بشأن الخطوات المشتركة في هذا المجال، المهم والحساس من العلاقات الدولية اليوم”. وردًا على سؤالٍ حول تأثير نفوذه على الأسد، قال بوتين: إنَّ روسيا، مع تركيا، وإيران، تحاول “تهيئة الظروف للتعاون السياسي من كافة الأطراف”.
وقال بوتين: إنّ وقف إطلاق النار هو الأولوية الرئيسة. وسوف يكون محور المحادثات متعددة الأطراف التي ستجرى في أستانا. وحتى الآن لم يكن للولايات المتحدة دورٌ هام في تلك المحادثات التي أقامتها روسيا، وإيران، وتركيا خارج نظام المفاوضات السابق في جنيف.
ورفض بوتين مرةً أخرى الادعاءات بأنَّ روسيا تسعى إلى التأثير على المشهد السياسي في الغرب، من خلال دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة، وتقويض الفصائل الرئيسة. وقال بوتين: “إننا لا نتدخل أبدًا في الحياة السياسية، والعمليات السياسية للبلدان الأخرى، كما أننا لا نريد أن يتدخل أحدٌ في حياتنا السياسية، وعمليات السياسة الخارجية”.
وكانت محادثات أستانا قد شكلّت بديلًا للعملية التي تفضلها الولايات المتحدة، والأمم المتحدة في جنيف. إلا أن ستيفان دي ميستورا -المبعوث الخاص للأمم المتحدة في سورية- قال يوم الثلاثاء 2 أيار/ مايو للمرة الأولى إنّه سيحضر المحادثات، وقال ترامب إنّه سيرسل ممثلًا. ولم يعلن البيت الأبيض عن اسمه، إلا أنَّ مسؤولًا أميركيًا قال: سيكون ستيوارت جونز مساعد وزير الخارجية لشؤون المنطقة.
في إطار الاقتراح الروسي المتوقع في أستانا، ستقوم قوات من روسيا، وتركيا، وإيران بالحفاظ على أمن الخطوط الفاصلة بين الحكومة السورية، والقوات الأخرى، فيما تسميه روسيا “مناطق فصل”. وسيتم تشكيلها حول جيوب المتمردين في ضواحي دمشق، ومحافظة إدلب، وجنوب سورية، قرب الحدود الأردنية، وشمال مدينة حمص، وفقًا لما ذكرته (سبوتنيك) وهي محطةٌ إخبارية روسية تديرها الدولة.
لكن روسيا قالت: سيتعينُ على المتمردين في تلك المناطق أولًا طرد الجماعات الجهادية، مثل الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة السابقة، المرتبطة بالقاعدة. وقد أبدت جماعاتٌ متمردة أخرى، بما فيها تلك التي تدعمها الولايات المتحدة، وتركيا، استعدادًا متقطعًا للتحدث إلى روسيا في أستانا، حيث رأت أنّ موسكو أكثر التزامًا بأي سياسة تتبناها في سورية، أكثر مما كانت عليه الولايات المتحدة. لكنهم أعربوا أيضًا عن خيبة أملهم إزاء فشل روسيا في كبح الهجمات التي تشنها الحكومة السورية على المدنيين.
اسم المقالة الأصلي | Trump and Putin Agree to Seek Syria Cease-Fire |
الكاتب | بيتر بايكر ونيل فاركوهار، Peter Baker and Neil Farquhar |
مكان النشر وتاريخه | نيو يورك تايمز، The New York Times، 02/05/2017 |
رابط المقالة | https://www.nytimes.com/2017/05/02/world/europe/trump-putin-syria.html |
ترجمة | أحمد عيشة |