دخل اتفاق أستانا الخاص بالمناطق الآمنة في سورية حيز التنفيذ ليلة الجمعة-السبت، وسط محاولات روسية حثيثة لإيجاد توافق دولي على المشروع خشية فشله، فضلًا عن نفي شرط موافقة مجلس الأمن عليه كخطوة لتنفيذه. وفي الوقت عينه، تلوح في الأفق السياسي السوري والدولي شكوكٌ حول إمكانية نجاح الاتفاق من جهة، واتهامات طالته بأنه خطوة تُجاه تقسيم البلاد من جهة أخرى.
وجاء في بيان وزارة الدفاع الروسية، أمس الجمعة، أن “الاتفاق الخاص بتحديد مناطق آمنة في سورية سيدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من منتصف ليل الجمعة”، موضحة أن “أول المناطق الآمنة وأكبرها في شمال سورية ستتضمن محافظة إدلب وأجزاءً من اللاذقية وحلب وحماة يسكنها أكثر من مليون شخص”.
ووفقًا لوكالات أنباء روسية، فإن موسكو أكدت سعيها إلى “تسريع وتيرة تشكيل لجان عمل من أجل تذليل العقبات التي تواجه تنفيذ اتفاق المناطق الآمنة”، حيث عقد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لقاءات تمهيدية خلال الفترة الماضية “نسق فيها المواقف حول المبادرة مع نظرائه في تركيا وإيران وإسرائيل والحكومة السورية”.
كما يتضح زخم السعي الروسي لإيجاد توافق دولي، يثبت تنفيذ الاتفاق، في التصريحات التي أدلت بها وزارة الدفاع الروسية التي جاء فيها “أن هناك احتمالًا في توسيع عدد المشاركين في أعمال الرقابة لوقف النار، بضم الأردن الذي ينتظر أن يوكل إليه دور أساس في مراقبة المنطقة الجنوبية، ودول أخرى يجرى الحوار معها”.
كما قال نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، أمس الجمعة، إن دور واشنطن “المحتمل” في الرقابة على تنفيذ الاتفاق “يجب أن يكون موضعاً للمشاورات على مستوى الخبراء والعسكريين ويجب الأخذ في الحسبان مواقف الأطراف السورية، وبالدرجة الأولى الحكومة الشرعية”، على حد تعبيره.
وكشف المسؤول الروسي أن وزيري خارجية البلدين سيرغي لافروف، وريكس تيلرسون سيبحثان موضوع الاتفاق خلال اللقاء الذي سيجمعهما يومي 10 و11 أيار/ مايو الجاري، في ولاية ألاسكا الأميركية.
من جهة أخرى، قلّل رئيس الوفد الروسي إلى مفاوضات أستانا ألكسندر لافرينتيف من أهمية دور مجلس الأمن في تنفيذ الاتفاق، وقال: “إن قرار إنشاء المناطق الآمنة لا يحتاج إلى موافقة من مجلس الأمن الدولي”، مشيرًا في الوقت عينه إلى أن “البلدان الضامنة ستبلغ المجلس، ولا شك لدينا في أنه سيؤيد هذا الإجراء”.
شكوك حول الاتفاق
أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن قلقها من اتفاق أستانا، ولا سيما أن إيران دولة مشاركة بصفة ضامن للاتفاق، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها: “لا تزال لدينا بواعث قلق في شأن اتفاق أستانا بما في ذلك مشاركة إيران تحت مسمى الضامن… نشاط إيران في سورية ساهم في العنف بدلًا من أن توقفه”.
وقال الأمين العام السابق للائتلاف، يحيى مكتبي، في تصريحات لـ (جيرون): إن “المعارضة طالما كانت مع فكرة إنشاء منطقة آمنة في سورية، ولا سيّما أنها تخفف عن السوريين الألم والمأساة وتكون مهربًا من البراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي الذي يستخدمه نظام الأسد”.
وتابع “لكن اتفاق أستانا، وفق البنود التي جاء فيها، يعتريه كثير من الأمور غير المقبولة والملتبسة، وعلى رأسها قضية تحويل إيران من قوة احتلال وعدوان على الشعب السوري إلى ضامن، هذه نقطة غير مقبولة على الإطلاق”.
وأضاف مكتبي أن “المسألة الثانية وجود نص في الاتفاق يقول بمساعدة الجيش الحر وقوات نظام الأسد لمقاتلة (داعش) والنصرة. هذه النقطة غير مقبولة، إذ لا يمكن محاربة الإرهاب بإرهاب آخر، نظام الأسد نظام إرهابي وكل ممارساته الإرهابية هي التي هيأت المناخ لصعود (داعش) والنصرة”.
وأشار المسؤول المعارض إلى أن مفهوم “تخفيف التصعيد” هو من الأمور الملتبسة في الاتفاق، وتساءل: “ماذا يعني تخفيف التصعيد؟ أيكون التخفيف في الكيف أم في الكم؟ أي عندما يمطر نظام الأسد مناطقَ المدنيين بمئة برميل متفجر، يُعدّ هذا تصعيدًا، وعندما يمطر المناطق ذاتها بعشرين برميلًا، يُعدّ هذا تخفيفًا! هل إذا استخدم غاز السارين يكون تصعيدًا، وإذا استخدم غاز الكلور يكون تخفيفًا؟!”
ورأى أن “هذا الغموض يسمح لنظام الأسد، ولإيران وميليشياتها بمتابعة الإجرام، والاستمرار في قتل الشعب السوري”.
قالت “الهيئة العليا للمفاوضات”، من جهتها: إن “الاتفاق يفتقر إلى أدنى مقومات الشرعية”، مؤكدة في بيان لها أمس أن “مجلس الأمن هو الجهة المفوضة برعاية أي مفاوضات معتبرة في القضية السورية”، ونبهت إلى أنها “ترفض أي دور لإيران بصفة ضامن لأي اتفاق”.
علوش يطمئن أهالي القابون وبرزة
نقل أهالي حيي القابون وبرزة الدمشقيين، إلى وفد المعارضة في أستانا، مخاوفَهم من ألا يشمل اتفاق المناطق الآمنة الحيين اللذين يتعرضان لحملة عسكرية شرسة من قبل نظام الأسد، معربين عن قلقهم من أن يكون العالم قد “نسيهم”.
وفي رد سريع، قال رئيس وفد المعارضة في أستانا، محمد علوش، لأهالي الحيين: إن الاتفاق يشمل القابون وبرزة، وأضاف في تسجيل صوتي اطّلعت عليه (جيرون) أن “الشيء المتأكد منه هو أن الاتفاق يشمل برزة والقابون، وليس القابون فحسب”، وأضاف أن الأتراك وعدوا المعارضة بأنه “سيكون في هذا الاتفاق جدّية أكبر من المرات الماضية”.
وأعرب علوش عن أمله في أن “ينجح هذا الاتفاق وأن يكون فيه منقَذ للسوريين”، ورأى أن الاتفاق لا يعني مشروع تقسيم، وأن على السوريين الصبرَ يومًا أو يومين حتى تتضح جدية الاتفاق من عدمه.
ودعا علوش أهالي القابون وبرزة إلى عدم الركون إلى أي خبر أو خريطة تستثني الحيين من الاتفاق، ورأى أن هذه الأخبار والخرائط للتشويش.
ومع دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قالت مصادر لـ (جيرون): إن هدوءًا واضحًا ساد الأجواء في حيي القابون وبرزة، مضيفةً أن عناصر المعارضة المسلحة في المنطقة أبدوا ارتياحًا مع دخول الساعات الأولى من يوم السبت، حيث توقف طيران الأسد عن التحليق في الأجواء.
وأشارت المصادر إلى أن الساعات القادمة هي الحكم في تقويم الاتفاق، وأن السوريين في القابون وبرزة ينظرون إليها بقلق وترقب، خشية أن يكون الحيّان خارج الاتفاق الذي تشوبه كثير من الشكوك في الأصل.