تحقيقات وتقارير سياسية

ندوة مركز (حرمون) “مستقبل الشرق الأوسط” من وجهة نظر أكاديمية

عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، أمس الجمعة، ندوة سياسية حوارية بعنوان (مستقبل الشرق الأوسط في ظل الأحداث الراهنة) قدمها الأكاديميان من مركز الدراسات الإيرانية في أنقرة أحمد أويسال ومحمد عبد المجيد، حضرها عددٌ من الفاعليات المدنية والاجتماعية السورية، في مقر المركز في مدينة غازي عنتاب التركية.

طرح الباحثان في الندوة رؤى عن التطورات الدولية وتأثيراتها على واقع الشرق الأوسط عامةً وسورية خاصةً، معتمدين على أوراق بحثية وسرد تاريخي تسلسلي للموقف الإيراني من الثورة السورية منذ اندلاعها وحتى يومنا هذا.

وألقى الباحث في مركز (حرمون) الدكتور عبد الله تركماني، كلمةً في بداية الندوة، تحدث فيها عن مساعي المركز الحثيثة والدائمة لتطوير الحوار السوري، وبناء جسور فكرية ثقافية وحوارية بين السوريين والمهتمين بالقضية السورية، وهو هدف رئيس لـ (حرمون) الذي يؤمن بالحوار واحدًا من أهم أدوات التغيير والتطوير، واستكمالًا لمرامه في تمتين العلاقات مع المراكز البحثية التركية وبناء شراكات معهم، وتم تفعيل مذكرة تفاهم بين (حرمون) ومركز الدراسات الإيرانية في أنقرة.

قدم الدكتور أحمد أويسال المدير العام لمركز الدراسات الإيرانية في أنقرة، محاضرة بعنوان (مستقبل الشرق الأوسط، سورية وتركيا) قدّم خلالها عرضًا مفصلًا، مستعينًا ببرنامج (باور بوينت) عن تاريخ تشكل (الشرق الأوسط) بعد الحرب العالمية الأولى، وكيف تأثرت المنطقة بالتبدلات الدولية، كما أوضح التطورات الجذرية للشرق الأوسط، في ظل التدخلات الإيرانية والغربية، وموقع تركيا في المعادلات الجديدة التي يرسمها الغرب.

وأشار إلى أن التطورات في المشهد الدولي قد تفرض تقسيمًا جديدًا للمنطقة وسط محاولات الغرب إضعاف تركيا ودورها، وصعود الشرق (روسيا والصين)، والتنافس الدولي الذي يؤثر على منطقة الشرق الأوسط والعلاقات التركية العربية.

وتحدث الدكتور محمد عبد المجيد، الباحث في مركز الدراسات الإيرانية، في ورقة عنوانها (قراءة في الرواية الإيرانية للأحداث السورية) عن موقف النظام والشارع الإيراني من الثورة السورية منذ اندلاعها، مفصلًا بتسلسل تاريخي تبدلاته المتصاعدة نحو رفض الثورة واعتبارها عاملًا مهددًا للمقاومة والكيان المقاوم الذي تلعب سورية دورًا محوريًا فيه.

وتطرق عبد المجيد في محاضرته إلى بدايات تدخل إيران في الثورة السورية، وإعطاء نفسها الأحقية، بقيادة العالم الإسلامي والمنطقة والتدخل في أي مكان تراه مناسبًا لتحقيق مصالحها “مع نهاية عام 2011 ونجاح النظام السوري بتحويل المظاهرات السلمية إلى كفاح مسلح، وجد النظام الإيراني الذرائع المناسبة للإعلان شيئًا فشيئًا عن تأييده للنظام السوري، واعتبار الثورة مؤامرة خارجية تنفذها أياد داخلية، وتهدف إلى النيل من دولة محورية في محور المقاومة”.

في السياق ذاته أوضح عبد المجيد مراحل التدخل العسكري الإيراني في سورية، لحماية النظام من السقوط الذي كان وشيكًا عام 2013، فقد “بدأ الدعم العسكري من خلال ما سمي بداية بـ (مستشارين عسكريين) يقدمون الاستشارة للنظام، تلاها ظهور ذريعة دفاع إيران عن المراقد المقدسة في سورية، ثم اتسع التدخل لتشارك فيه قوات من الحرس الثوري، ولاحقًا عبر ميليشيات شيعية تتبع الحرس الثوري، ويقدر محللون غربيون عددَ القوات الإيرانية المقاتلة في سورية بـ 16 ألف مقاتل، فضلًا عن سيطرتها على 60 ألف شيعي من ميليشيات متعددة الجنسيات، إضافة إلى حزب الله”.

ورأى عبد المجيد أن إيران نجحت في تغليب روايتها عن الثورة السورية بين أفراد المجتمع الإيراني، حتى المثقفين منهم، عبر الحرب الناعمة التي خاضتها إلى جانب تدخلها العسكري والمصطلحات والمبررات التي استخدمتها لتسويغ هذا التدخل، وتعتيمها الإعلامي على حقيقة ما يحدث في سورية، عبر إحكامها السيطرة على القنوات والمنابر الإعلامية، وعن طريق التركيز على رواية محاربة (داعش) “تركز الرواية الإيرانية على (داعش) وأفعاله لتبرير تدخلها في سورية، وتزعم أن (داعش) هو العدو الرئيس للأسد العلماني المتمدن، ولا تتحدث عن أن المعارك بين النظام والتنظيم محدودة للغاية، وأن (داعش) كان حتى وقت قريب في منأى عن قصف القوات الجوية التابعة للأسد”.

واختتم عبد المجيد ورقته “نجحت إيران بتسويق روايتها على الداخل الإيراني لكن هذا النجاح مؤقت، فضلًا عن أن صورتها تغيرت في أذهان المواطنين العرب، ولم تعد تلك الدولة المدافعة عن المستضعفين، وتسببت بصراع مذهبي لا يُعلم عقباه”، لافتًا إلى أن “هذا الحضور الإيراني الواسع في المنطقة يأتي نتيجة للفراغ والفوضى في الدول العربية، فضلًا عن غياب مشروع عربي فاعل لمواجهتها”.

تخلل الندوة نقاشات ومداخلات من الحضور عن واقع التدخل الإيراني في المنطقة العربية وسورية ومآلاته، وما سيتمخض عنه في ظل تمدد إيران في سورية، وقيامها بعمليات تغيير ديموغرافي ممنهجة.

والدكتور أحمد أويسال هو بروفيسور في جامعة إسطنبول، كلية العلوم السياسية، قسم العلاقات الدولية، وعالم اجتماع وخبير في قضايا الشرق الأوسط، ويشغل منصب المدير العام لمركز الدراسات الإيرانية في أنقرة. أما الدكتور محمد عبد المجيد فهو أكاديمي سوري من مواليد مدينة معرة النعمان، حائز على شهادة الدكتوراه في اللغة الفارسية وآدابها، من جامعة طهران عام 2014، وباحث في مركز الأبحاث الإيرانية في أنقرة، وترجم عشرات المقالات، إضافةً إلى كتابين من الفارسية إلى العربية.

تأتي الندوة في إطار سلسلة من الشراكات يسعى (حرمون) لبنائها مع المراكز البحثية التركية، وقد بدأ فيها أواخر شباط/ فبراير الماضي، إذ نظم المركز ورشة عمل سورية تركية، شارك فيها عدد من المسؤولين والباحثين والأكاديميين الأتراك، ونُظراء لهم من مركز(حرمون)، تلاها في 17 نيسان/ أبريل الماضي، زيارات قام بها عدد من باحثي (حرمون) لمراكز أبحاث تركية، بهدف إقامة شراكات معهم، وتفعيل العمل البحثي الثنائي بين الجانبين، حيث أنجز المركز شراكةً مع مركزي أبحاث هما: مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية (ORSAM)، ومركز أبحاث السياسة والهجرة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق