كانت حرارتي لم تزل مرتفعة وأنا أتماثل للشفاء في المنزل بأوائل التسعينيات، في موسكو التي جئتها قبل عدة سنوات للدراسة، عندما دخلت زوجتي البيت فرحة وبغاية السعادة، وأعلنت بنبرة المنتصرين أنها قد حضّرت لي مفاجأة جميلة جدًا، وتساءلت: هل تجد في نفسك القوة على الخروج اليوم؟
في الحقيقة، كنت أخاف من المفاجآت اللطيفة التي كانت تُحضّرها زوجتي، وكانت في أغلب المرات تنتهي بخلاف، فهززت رأسي على مضض على الرغم من إرهاقي، وتساءلت عن المفاجأة الجديدة، فقالت بكل زهو: لقد استطعت أن أحجز بطاقتين في المسرح الكبير (مسرح البولشوي) لحفلة اليوم. أليس هذا إنجازًا ومفاجأة؟
أجبتها ببرود وتردد: نعم مفاجأة، وأنا موافق شرط ألا تكون حفلة غناء أوبرا، كما في المرة الماضية التي انتهت بمغادرتي للمسرح وتركها وحيدة، فأنا لا أتذوق هذه الأنواع من الفنون الرفيعة كما يسمونها، كالأوبرا ومعارض الفن التشكيلي والرسومات التكعيبية وغيرها. وزاد حنقي وقتها في ذاك المسرح عندما أخذت زوجتي تكيل الثناء لمجموعة من المغنيات البدينات اللواتي أخذن يرفعن عقيرتهن بأصوات رفيعة حادة ومرتجفة تمزق القلوب، وهي تردد “يالها من أصوات ملائكية” بينما كنت أنا -العبد الفقير لله- غير العارف ببواطن الفن الرفيع هذا، لا أسمع في هذه الأصوات إلا أصوات شياطين قابعة في الدرك الأدنى من الجحيم، وهي تندب حظها على العذاب الأبدي الذي تتلقاه، وقلت رأيي لزوجتي من دون مواربة، وحصل وقتها ما حصل.
ردت زوجتي بمودة: اطمئن يا حبيبي، إنها باليه بحيرة البجع لتشايكوفسكي، من أداء فرقة البولشوي التي تقضي أغلب أوقاتها تُقدّم العروض في أميركا وأوروبا، ومن حسن الحظ والصدف السعيدة التي لا تتكرر أني حصلت على البطاقات، وعليك، ولو مرة في العمر، أن تشاهد مسرحية “بحيرة البجع”.
للأمانة، كنت أحب زوجتي كثيرًا، وأحترم معرفتها، بل وأغار منها، فهي ابنة أسرة جيدة، وُلدت في عاصمة كبرى، ووالداها من المدرسين الجامعيين، ولديها معرفة كبيرة بأفضل الكتب الأدبية والموسيقى والمسارح، على الرغم من أنها تصغرني بأعوام، لكن كان يؤلمني أنها تُحاول تقليم أظافري أو بالأحرى مخالبي، وتبذل جهدًا كبيرًا لتثقيفي ونقلي دفعة واحدة من قشور المعرفة الأدبية لبلد من بلاد العالم الثالث، إلى ثقافة القمة كما كانت تتصور، وكنت أقاوم لا إراديًا، وأحاول أن أتشبث بجذوري الشوكية، ظنًا مني أني أتمسك بإرث ثقافي خاص، ولم يكن يروق لزوجتي حديثي عن حرب القبائل في شرق سورية ولا عن كبريات الغزوات البدوية، ولم تطرب أذناها لموسيقى الربابة ولا لغناء العتابة، فعن أي هدنة ثقافية أو تعايش حضاري مشترك يجب أن أتكلم؟
عمومًا ها أنا ذا وزوجتي نخترق الصفوف في المسرح الكبير الذي غصت مقاعده بعلية القوم، من السادة ببزاتهم الأنيقة، والسيدات بألبستهن المزركشة وقبعاتهن الجميلة والمزدان بعضها بالريش أو الفراء، وتأتي موظفة الاستقبال وتدلّنا على مقاعدنا الوثيرة وتُجلسنا، وعن يميني يبقى مقعد خاليًا، وتهمس لي الموظفة أن هذا المقعد لزائر أجنبي مهم جدًا وسيُسعدني الحظ بأن أكون إلى جواره في هذه العرض الشيق.
تبدأ الموسيقى بالعزف، ويظهر راقصو الباليه، وهم يرتدون لباسهم الأبيض الناصع، ويؤدون بحركاتهم الرشيقة استعراضهم كمجموعة من طيور البجع التي تحتفل برقصة حبّ بين ذكر وأنثى، ويبدأ التوتر يطغى عليَّ وترتفع حرارتي المرتفعة أصلًا، وأدرك بأني قد رأيت مثل هذا الرقص منذ زمن موغل في القدم، وتقودني ذاكرتي إلى القرية الوادعة على ضفاف نهر الخابور التي قضيت فيها وقتًا لا بأس به من طفولتي المبكرة، كان ذلك ذات صباح يوم مشمس من أيام شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973، ولم أكن تجاوزت الخامسة من عمري عندما رافقت جدتي الطيبة في الذهاب لجلب الماء من النهر.
كان النهر متدفقًا بلطف وبكامل قوته، خاصةً أن موسم القطن قد انتهى، ولم يبدأ موسم زراعي جديد، ولم تكن المضخات في تلك الفترة تغرف الماء من النهر، نعم كان نهرًا حقيقيًا يجري ويفيض ويصفو ويتكدر، قبل أن تقتله زراعة القطن. سرتُ برفقة جدتي وحمارها المطيع، واخترقنا السواقي والحقول وأشجار الغرب وشجيرات الطرفة وعيدان القصب، ووصلنا إلى الفسحة الصغيرة التي اعتادت نساء وصبايا القرية أن يقصدوها لملئ حمولاتهن من الماء، وكانت الريح اللطيفة تهز أوراق الشجر برفق، وتُصدر أصواتًا رقيقة تختلط مع أصوات الجنادب وصوت نقيق الضفادع وتغريد البلابل وما أكثرها في ذاك الزمن الجميل! كل شيء كان رائعًا وجميلًا، وكانت الجدة تُسبّح بحمد الخالق العظيم، وتُرتّل بعض الآيات التي تحفظها عن ظهر قلب بمنتهى الهدوء.
أشارت إلي الجدة بأن أصمت وأنظر حيث أشارت لي، وقالت هامسةً: انظر إلى سطح النهر ألا ترى طيور النعّاج ترقص؟ إنها تحتفل بعرس زوجين، كانت طيورًا بيضاء ناصعة كبيرة الحجم بمنتهى الأناقة، إن جاز هذا الوصف، أنيقة وتُدرك أناقتها وتتصرف حسب هذا بأرستقراطية وشموخ. كان سربًا مكونًا من أكثر من عشرة طيور تطوف على سطح الماء، وفي منتصف هذه المجموعة كان هناك طائران، ذكر وأنثاه، كانا يتعانقان ويدوران، بينما بقية المجموعة تدور حولهما وكأنهم يؤدون رقصة (الليزغينكا) القوقازية، يباركون هذا العقد المقدس ويشهدون عليه.
فجأةً، من خلال شجيرات الطرفة والغرب، ومن بين أعواد القصب، سمعنا صوت حفيف، وظهر (خلف المُسلم) بشاربيه الكثين ولحيته المدببة، وهو يتقنص بحذر حاملًا بندقيته السوداء الرهيبة وأطلق النار بصوت بندقيته المدوي باتجاه العريس (ذكر البجع) ليتحول لونه الأبيض الناصع إلى أحمر قان من كثرة الدم النازف الذي غطى صدره، وعاجل بالطلقة الأخرى أنثاه فأصاب جناحها، طار سرب الضيوف والمدعوين من البجع، وسقط الذكر وهو ينتفض وتحولت رقصته، من رقصة الفرح إلى رقصة الموت.. وطارت أنثاه عدة أمتار لكنها لم تستطع إكمال طيرانها، فحطّت بمنتهى إرادتها وهي جريحة بجانب ذكرها عريسها الذي كان جسده يختلج وروحه تحاول الصعود للسماء لتكمل الرقصة التي لم تستطع إنجازها على الأرض، وأخذت الأنثى تطلق صوتًا حزينًا يسمونه (النغيط)، كان صوتًا مؤلمًا يُقطع القلوب، وجعًا ترافقه حركات هستيرية متشنجة بجناحها غير المصاب، كانت تحنو على ذكرها وكأنها تريد أن تحتضنه وتضمه بجناحها إلى صدرها.
هنا صرخت جدتي باتجاه خلف هذا، إن الطير جريح ويتلوع وعليك أن تحلله (وتقصد أن تنهي عذاباته) وكان قد حشى بندقيته الجهنمية بطلقة وصوب من جديد واضعًا حدًا لمعاناة الأنثى، ومن ثم خلع لباسه وبقيّ بسرواله الطويل وخاض في الماء، واتّجه سباحةً نحو جثتي الطيرين وجلبهما والدماء تقطر منهما. لم أتمالك نفسي وقتها من الفضول، وأنا الطفل الصغير فركضت لأرى الطائرين، أو بالأحرى لأرى جثتهما.. كانت الأنثى ذات عيون كبيرة وكأنها قد تزينت بالكحل لعرسها الذي لم يكتمل، وخُيلَ لي أني رأيت دمعتها ما تزال في عينها تتلألأ، وأُجهشتُ بالبكاء بينما كان خلف يقهقه فرحًا، وقال للجدة أنه سيعطيها فخذًا من أحد الطيرين كي تصنع لي حساءً عله يزيل رُعبي، فرفضت الجدة الأمر، وقادتني وعدنا بينما اجتمع كثيرون ممن كانوا في الحقول القريبة ليباركوا لخلف صيده الثمين، وتهيأ لي أن الأمر كان مبيتًا وأن الجميع قد تآمروا على طيور(النعّاج) وسكتوا عن الجريمة، جريمة قتل ضيوف جاؤوا من بلاد بعيدة، بلاد شمالية باردة ليقضوا وقتًا طيبًا عندنا وفي ضيافتنا في بلادنا الدافئة، وكنت أظن أيضاً أن الجدة الطيبة التي عدت معها نسوق حمارنا كانت أيضًا مشتركة، على الرغم من أنها لعنت أهل هذه القرية المتوحشة الذين لا يرحمون طيرًا يطير ولا وحشًا يسير.. الخلاصة أن الكل سكت، والكل كان مُشتركًا نوعًا ما بالمؤامرة، حتى أنا فقد كنت أستطيع أن أصرخ وأحذّر البجع، لكن الخوف من شوارب خلف المسلم ولحيته المدببة وبندقيته السوداء قد عقد لسان طفل صغير.
تشتد حرارتي وأنا أرى الرقص وتلوكني تلك الذكريات فأبدأ بالهذيان، ومن دون سابق إنذار، ومن العدم يتكاثف الدخان حولي ويُشكّل شخصًا كاملًا من لحم ودم يأتي يندس في المقعد الخالي.. إنه الزائر الأجنبي المهم الذي أوصتني به موظفة الاستقبال، إنه خلف المسلم بذاته يأتي مرتديًا لباسه البدوي التقليدي، فروته السوداء وعقاله الغليظ والشاربين الكثين واللحية المدببة وعلى كتفه البندقية الرهيبة السوداء ذاتها، يغوص في مقعده ويُركّز نظره على الراقصين ويردد: ياه ياه.. يا له من زوج نعاج رائع، وبصوت ملؤه الملامة والحزن يتوجه لي قائلًا: كل هذا النعّاج عندكم، وأنت ساكت تخفي الأمر عنا؟
– خالي خلف؟ ما الذي جاء بك إلى هنا وكيف وصلت؟ هل عندك جواز سفر وبطاقة طائرة؟
– نعم، أنا خالك خلف، وكما تعلم فلم تعد (النعّاج) تزورنا. لقد انقطعت في بلادنا نهائيًا، وجئت أبحث عنها هنا، وأرى أنها متوفرة عندكم بكثرة، سامحك الله على هذا السكوت، وبالنسبة لسؤالك، فأنا صياد عالمي، صياد عابر للحدود ولا أحتاج لجوازات سفر ولا لبطاقات طائرة وغير ذلك من الأوراق التافهة، ومن محاسن الصدف أن أجدك هنا وأجد هنا أيضًا سربًا كاملًا من هذه الطيور.
– لا يا خالي إنهم ليسوا طيورًا إنهم راقصون، أقصد ممثلين، وأرجوك ألا تطلق النار عليهم مثل المرة السابقة.
– لا.. لا… إنهم نعّاج، ويبدو لي أن نظرك قد أصبح ضعيفًا من كثرة القراءة، ولم تعد ترى جيدًا.
– هنا يا خالي يحترمون البجع… أقصد النعّاج كثيرًا، بينما نحن.. أقصد أنتم!
ردَّ وهو ينفث دخان سيجارته بشراهةٍ: ونحن أيضًا نحترم النعّاج، ولو لم نكن نحترمها لما جئت بنفسي إلى هنا وأشار بيده غامزًا إلى البندقية.
بتذلل وبصوت متهدج، اتجهت له: أرجوك أرجوك، يا خالي، لا تسبب لي الفضائح هنا، بين هؤلاء السيدات والسادة الأجانب، ومن ثم إن أطلقت النار سيحصل خلاف كبير بيني وبين زوجتي، وسيقع الطلاق.
– الفضيحة الوحيدة هنا، يا ابن أختي، هي أن أعود بلا صيد. ماذا سيقول عني الناس؟ هل يرضيك كلام الناس عني بأني صياد فاشل؟ أما بالنسبة إلى هذه السيدات ذوات الريش والمنظر المضحك، فلا يهمني أمرهن البتة، وموضوع طلاقك من زوجتك هو تحصيل حاصل لكنه مؤجل الآن لفترة قصيرة، لأنك “لبست ثوبًا ما هو ثوبك” هكذا قالها، أقُسم، هكذا قالها بلهجتنا الريفية، وأرى أنه يراوغ ويبقى على عناده ومكره القديم، فأترك لهجة الرجاء وأتحول إلى لغة التهديد.
– اعذرني، سأكون مضطرًا لتبليغ الشرطة عن سلاحك كي لا أشاركك الجريمة، وسوف أشكوك للدولة.
– رجال الشرطة مرتشون في كل مكان، وسوف أدفع لهم رشوة كعادتي ولن يصادروا سلاحي. وكيف ستشكوني للدولة؟ الدولة التي صادرت أراضيكم وأملاككم وأفقرتكم تريد أن تشكوني إليها؟ لم أتوقع ذلك منك.
يقوم ويضع يده على جبيني ويطلق صفرة قائلًا: فهمت الأمر كله الآن. أنت مريض وحرارتك مرتفعة جدًا، ولذلك تكلمت معي بهذا الشكل السيء. أنت مريض يا ابن أختي، ولن يشفيك غير طبق حساء من لحم النعّاج اللذيذ، وسوف آتيك به سريعًا. ثم قام وغادر واختفى في زحمة المسرح، مُستغلًا اللحظات التي علا فيها التصفيق والوقوف لتحية الراقصين بعد كل فصل.
مع ذلك، رحتُ أبحث عنه بعيوني في كل أركان المسرح، ورأيته مرةً عند إحدى الزوايا يختبئ، ولا تظهر سوى لحيته المدببة وسبطانة بندقيته السوداء، وتارةً أُخرى كان خلف إحدى النوافذ، وبعدها نزل إلى التجويف الذي يجلس فيه عازفو الموسيقى. وبالمختصر، كان يُغيّر تموضعه باستمرار كي يفلت من رقابتي، وتأكد لي أنه هذه المرة أيضًا قد تآمر الجميع على الراقصين البجع، وقررت أن أصرخ لأحذّر البجع ولكن اختلطت صرختي بصرخات المعجبين مع انتهاء العرض، في تلك اللحظة، رأيت الراقصة التي تقوم بدور أنثى البجع وحولها البقية من الراقصين تحمل من المعجبين باقةً عظيمة من الورود الحمراء، غطت صدرها كله، كما غطى الدم القاني في ذاك اليوم الخريفي البعيد صدر النعّاجة القتيلة.
أدركت لحظتها أن الزمن سيعيد نفسه، فقد رأيت السبطانة السوداء تُطلّ وتؤشر باتجاه الراقص الذكر والراقصة الأنثى البجعة من خلف كواليس المسرح، من بين الستائر تحديدًا. نعم، أفضل موقع يمكن أن يُستخدم لإطلاق النار، ولا يوجد شخص في هذا العالم -حتمًا- يجيد اختيار المواقع لقتل (النعّاج) أكثر من (خلفنا) هذا، إذًا لم يبقَ سوى أن أصم أُذني في انتظار صوت الطلقات إن لم أتدخل وأفعل شيئًا.
لكن لن أسكت الآن، لأني لست ذاك الطفل الصغير الباكي، بل أنا شاب واع، وأُدرك حجم الجريمة التي ستقع، وصحيح أني وحدي لن أتمكن من إيقاف خلف عن تنفيذ فعلته هذه، ولكن سأستعين بهذه الجماهير الموجودة في المسرح، وكلنا سننقض عليه ونمنع حصول الجريمة.
لم أعد أحتمل الضغط، وسقطت دموعي غزيرة وصرخت بأعلى صوتي: انظروا… إنه هو بردائه الأسود يشير نحو الراقصين. هلموا بنا نحوه.
تقاطعني سيدة روسية كانت تقف بجوارنا، قاربت على الشيخوخة، ذات هيئة راقية تُظهر معرفةً بالمسرح والثقافة، وتقول لي بهدوء: نعم إنه المُخرج صاحب الرداء الأسود ذاك. ألا تراه؟
– تقصدين ذو اللحية المدببة؟
– نعم… نعم… بالضبط ذو اللحية المدببة. إنه المخرج الشهير وتذكر اسمه. ألم تلاحظ أن المسكين كان قلقًا طوال فترة العرض وكان ينتقل من زاوية إلى أخرى، ومن موقعٍ إلى موقع، وهو يشير بالخفاء بعكازته السوداء، ويُعطي التعليمات الخفية للراقصين الجدد في أول ظهور لكبيرهم على مسرح البولشوي؟ ألم تلاحظ؟
– والذي بيده عكازة يا سيدتي، وليس بندقية؟ هل أنتِ متأكدة؟ أتقسمين لي على ذلك؟
– لماذا أقسم؟ وما حاجته للبندقية هنا؟ ثم أني أراك متأثرًا كثيرًا وتبكي… هل أعجبتك مسرحية بحيرة البجع؟ هل هذه أول مرة تراها؟
تتدخل زوجتي -كعادتها- وتُجيب نيابةً عني: نعم أول مرة يراها زوجي وهو من سورية، حيث ليس لديهم مثل هذه المسرحيات، وكما تلاحظين هو منفعل ومتأثر بروعة الحدث الفني.
أنفي الأمر، وأقول: أعرفها منذ الصغر، ورأيتها بأم العين في الخابور.
تستغرب السيدة الروسية، وتطرح عليّ سؤالًا آخر: مسرحيتنا ذاتها؟ وموسيقى تشايكوفسكي نفسها؟! وما هذا الخابور؟
– عندنا يا سيدتي، هي ليست بحيرة، إنما نهر، واسم هذا النهر هو نهر الخابور، والمسرحية هي ذاتها، لكن مع نهاية مأساوية تختلف عن نهايتكم السعيدة، وبالنسبة للموسيقى فالمسرحية من دون موسيقى، وموسيقاها الوحيدة هي الطبيعة من أصوات طيور وخرير ماء ونقيق ضفادع وحفيف أشجار، ولكن للضرورة القصوى يتخللها أحيانًا صوت طلقات بندقية يا سيدتي.. نعم إنها كما وصفت لك.
– رائع رائع -تردد السيدة- أن يكون المسرح متعايشًا مع الطبيعة، وأعتقد أن فكرة الرقص على صوت الطبيعة هي فكرة مدهشة ومبتكرة بحد ذاتها، لكن من الغريب أن يُستخدم صوت الرصاص، ولا سيما أن المسرحية في دولة عالم ثالث مثل سورية، شيء يستحق التفكير والاهتمام، شيء طريف وممتع حقًا، ويبدو أن المخرج عندكم رهيب ومبدع، ما اسم المخرج؟
وبصوت منخفض ممتلئ بالخجل، أجيبها بتردد: المخرج.. آه المخرج. إنه خالي… خالي خلف المسلم.
________________
(*) النعّاج هو الاسم الذي يُطلقه أهل الريف بمناطق الجزيرة والفرات على طائر البجع.
2 تعليقات