في آخر إصدار مصور لزعيم مافيا السلطة وعصاباتها، على إحدى قنوات التلفزة الروسية، قال: “لن أتنحى ولست متعبًا، لن أخرج إلا شهيدًا”.
وفِي مدلولات قوله إنه يردّ على جهة أعلى طلبت منه أو أرسلت إليه رسالة، مفادها ما رفضه خلال تصريحه التلفزيوني، أي وجوب رحيله، فهذه هي المرة الأولى التي يُصرّح فيها زعيم العصابة، بشكل مباشر وعلني عن مستقبله، وهو لم يأتِ على ذكر إمكانية ترشحه أو عدمها في الرئاسات القادمة في سورية، بل أجاب بالتحديد على ما بات مطلوبًا منه، وهو التنحي عن الرئاسة قبل عام 2021.
ربما يعود مرد ذلك التصريح لما تسرب من اجتماع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع القادة الأميركيين في زيارته الأخيرة لروسيا، حيث أبلغ الأميركي الوزيرَ الروسي بأن زعيم العصابة وعشرين شخصية معه من المقربين لن يكون لهم أي دور، بشكل نهائي ومطلق، في مستقبل سورية، وحسب التسريبات الإعلامية فإن القيادة الأميركية -بموافقة الروس- ستسمح للأسد باللجوء إلى روسيا، ولن تُلاحقه قضائيًا، وستسمح ببقاء النظام والجيش والمؤسسة الأمنية، وبدورٍ ما لشخص من الطائفة العلوية في الحكم، كضمان للطائفة، وأن الأميركيين قد أعدوا قائمة من كبار ضباط الجيش الذين يمكنهم المشاركة في حكم البلاد مستقبلًا.
إن صحت التسريبات، فهذا يعني أن ملفات المنطقة لن تُعالج، في سلة واحدة، بين الطرفين الروسي والأميركي، وخاصة الملف السوري والأوكراني، أي لن تتم المساومة والمقايضة بين الملفين، وسيُقايض ويُساوم على جزئيات كل ملف على حدة، بعد أن كان الكثير من المحللين قد رجحوا أن يتم التفاضل بين الملفات.
الموقف الأميركي من الأسد ليس بسبب جرائمه ضد شعبه فحسب، وإنما لأن الساسة في أميركا و”إسرائيل” يعُون أن استمرار وجود الأسد على رأس هرم مافيا السلطة، هو استمرار تواجد إيران التي لن تكتفي بهذا التواجد، بل إنها تسعى لاقتسام النفوذ في كامل المنطقة مع “إسرائيل” وأميركا، وصولًا لحالة الندية، وهذا ما ترفضه “إسرائيل”.
بالعودة قليلًا إلى مجريات الحرب المعلنة على الشعب السوري وجغرافيته، تسرب قبل أشهر طلب إيران من الطغمة الحاكمة أن تكون منطقة شرق دمشق قاعدة عسكرية إيرانية، وهذا ما لا يرفضه النظام، وما لا تسمح به أميركا و”إسرائيل”، وحتى روسيا التي ترفض أن تكون إيران شريكةً لها في المنظور الاستراتيجي، ولهذا الأمر قامت روسيا بإنشاء مليشيات الفيلق الأول الذي يتبع لها بشكل مباشر، والمراد منه أن يحل محل الميليشيات الإيرانية حين يصبح خروج إيران من سورية أمرًا حتميًا.
لكن الأسد الذي ظهر مفصولًا عن الواقع، في أكثر من مناسبة، يظن أن الروس والإيرانيين قد تكبدوا تكاليف هذه الحرب من أجل شخصه أو حتى نظامه، أو أن الروسي يدعمه كي يحرر القدس مثلًا، فهو قاصر، ومثله حكومة الملالي والقيصر الروسي، عن أن يدرك أن العلاقة بين أطراف الجريمة الثلاث هي علاقة نفعية، يستخدم كل طرف فيها الآخر، وهو يبيت له المكيدة، فالروسي بحاجة إلى الإيراني على الأرض، والإيراني يحتاج إلى الروسي في السماء، ومجلس الأمن ورأس العصابة بحاجة إلى الطرفين كضامنين لبقائه.
تركت واشنطن لموسكو شكل خروج الأسد من القصر الجمهوري، بعد أن أفهمت روسيا بأنها لن تسمح بتكرار تجربة علي عبد الله صالح في اليمن، ولا نستبعد أن يرفض الأسد الخروج طواعيةً؛ مما يضطر الروس إلى تصفيته على يد أحد التنظيمات الإرهابية المدارة من طرفها، ومنحه الشهادة من مكاتب الـ (كي جي بي).