المحتويات
1 – منزلة إيران الاقتصادية
2 – الطابع الريعي للاقتصاد والنمو
3 – البطالة والفقر والفساد
4 – الإنفاق العسكري
5 – الاقتصاد الموازي، اقتصاد الحرس الثوري
6 – صدى الأزمة الاقتصادية سياسيًا
1 – منزلة إيران الاقتصادية
إيران دولة غنية بمواردها الطبيعية وثرواتها الباطنية، وخصوصًا النفط والغاز. فهي رابع دولة في العالم في الاحتياطي النفطي المؤكد المقدر بحوالى 158 مليار برميل، بنسبة 12.9 في المئة من الاحتياطي العالمي. وتحتل مرتبة ثالث اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط بعد تركيا والسعودية. تحتل أيضًا المرتبة 29 على الصعيد العالمي. ففي تقدير كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لترتيب الدول بحسب الناتج المحلي الإجمالي لعام 2014 في منطقة الشرق الأوسط، تأتي تركيا أولًا بحوالى (798 ـ 799) مليار دولار، ثم السعودية ثانيًا بحوالى (746) مليار، وثالثًا إيران بحوالى (416 ـ 415) مليار دولار. بناءً على ذلك يُفترض أن تنعم إيران باقتصاد متين ومتقدّم، لكن الوقائع الاقتصادية الإيرانية تقول إن الاقتصاد الإيراني ليس بخير. فهو يعاني خللًا بنيويًّا بسبب سمته الريعية، والإدارة المركزية، والفساد. وعليه أن يتحمل أعباء البرنامج النووي والعقوبات الاقتصادية المترتبة عليه. وهو يمول إنفاقًا عسكريًا ضخمًا لخدمة المشروع الإمبراطوري، ويخوض منافسة غير متكافئة مع الاقتصاد الموازي للحرس الثوري.
2 – الطابع الريعي للاقتصاد والنمو
شبّه الخبير الاقتصادي الإيراني فرشاد مؤمني بيع الخامات ببيع المستقبل بقوله: “نحن نواجه منعطفًا في تاريخ اقتصادنا أسميناه تحويل استراتيجية بيع الخامات الى استراتيجية بيع المستقبل”، ونُشر في صحيفة (كيهان) يوم 4 نيسان/ أبريل 2017. قدّر صندوق النقد الدولي في أحدث تقرير له، 18 نيسان/ أبريل 2017، خسارة إيران من أرباح إنتاج النفط بحوالى 185 مليار دولار، بسبب العقوبات المفروضة منذ عام 2011. وأدى انخفاض أسعار النفط عالميًا منذ 2014 حتى 2016، إلى خسارة إيران حوالي 166 مليار دولار، واصفًا الحدثين بـ(الصدمة المزدوجة) للاقتصاد الإيراني، مضيفًا أنه “على الرغم من أن برميل النفط يُباع حاليًا بأكثر من 50 دولارًا، إلا أن ذلك ليس كافيًا لإنعاش الاقتصاد الإيراني”. وقدّر التقرير معدل النمو الاقتصادي، بقطاعاته كاملة بما فيها القطاع النفطي لعام 2016 بنحو 7 في المئة. أما معدل نمو القطاعات غير النفطية فتقدر بنحو 0.9 في المئة. وتوقع التقرير بأن النمو الاقتصادي، بما فيه القطاع النفطي، سينخفض في العام 2017 إلى 3.3 في المئة. وحذر التقرير من المستقبل الضبابي للاقتصاد الإيراني بل احتمال تراجع الاستثمارات الخارجية والتجارة والسياحة وغيرها. وشكّك بذرباش، العضو السابق في هيئة رئاسة البرلمان الإيراني، في الإحصاءات والأرقام الحكومية. وقال: “على الرغم من أن التقارير الحكومية تتحدث عن التنمية الاقتصادية فإن التنمية مقتصرة على القطاع النفطي فحسب. وإن بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى تتراجع وتضعف. من دون مجاملة اقتصادنا في حالة الانهيار”.
قدّر رئيس مركز الأبحاث في البرلمان الإيراني كاظم جلالي في تقرير مفصل في صيف 2016، حجم البطالة في عام 2015 بنحو 2.7 مليون عاطل عن العمل عطالة كلية، ونحو 4.8 مليون عطالة جزئية. وبيّن أن نسبة البطالة بين خريجي الدراسات العليا تبلغ ثلاثة أضعاف العاطلين عن العمل من مستويات التعليم الأدنى. وبحسب تقرير صندوق النقد فإن معدل البطالة ارتفع عام 2016 إلى نحو 12.5 في المئة، وهو أسوأ مقارنة بالعام 2015. وتوقع ارتفاع المعدل في العام 2017 ليصل إلى نحو 12.6 في المئة.
صرّح محمد باقر قاليباف، عمدة طهران ومرشح الرئاسة غير مرة في كلمة يوم 1 نيسان/ أبريل 2017 أن: “نحو 10 ملايين من السكان يعيشون في فقر مطلق.. وإن عوائد 60 في المئة من المواطنين هي اليوم أقل من الدخل الذي حددته الحكومة”. وأضاف: “إن أزمة المعيشة والفقر والبطالة الحالية؛ هي أصعب في بعض الجوانب مما كانت عليه في زمن الحرب، كان هناك عدو خارجي وكنا نتحرك بانسجام واتحاد ولكن اليوم تعرض الناس لشرخ، المواطنون الذين تضرروا من الحرب السابقة يعيشون اليوم في القرى في فقر مطلق. هناك عائلات، تضم أربعة شباب عاطلين عن العمل، ليس لديها دخل سوى الدعم الحكومي”. وتابع “الخطر الأكبر هو الأزمة الاقتصادية التي أفضت إلى أزمة اجتماعية تتمثل في الطلاق والإدمان وبطالة الشباب”. وقال حبيب الله دهمرده عضو البرلمان الإيراني، في مقابلة تلفزيونية يوم 19 نيسان/ أبريل 2017، لدينا ما يقارب 18 مليون من سكان العشوائيات، وهم يشكلون 20 إلى 25 في المئة من سكان إيران. وجاء في تقرير منظمَّة الشفافية الدولية لعام 2017، أن إيران تحتل المرتبة 131 بين 167 دولة، بحسب تصنيف دول العالَم على أساس مؤشّرات الفساد الاقتصادي والإداري.
قال الرئيس روحاني في كلمة بمناسبة يوم الجيش 18 نيسان/ أبريل 2017: “تؤكد الإحصاءات والأرقام أن التمويل الدفاعي قد شهد ارتفاعًا بنسبة 145 في المئة خلال مدة حكمه. وهذا دليل على اهتمام حكومته بتعزيز القوات المسلحة على الرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. وتفتخر الحكومة بأنها اتخذت خطوات لتأمين التجهيزات والإمكانات الاستراتيجية للقوات المسلحة طوال ثلاث سنوات ونصف السنة، وهو ما يعادل السنوات العشر الماضية”.
5 – الاقتصاد الموازي، اقتصاد الحرس الثوري
انتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني، أواسط نيسان/ أبريل 2017، تدخل الحرس الثوري في الأمور المتعلقة باقتصاد البلاد. وعلل مخاوفه بأن “وساوس القوات المسلحة في موضوع اقتصاد البلاد، من شأنها إبعادها عن مهماتها الأصلية”. وكان القائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي قد بادر بتصعيد الصراع مع الحكومة في الآونة الأخيرة، حين طالب مرارًا بتسليم إدارة الاقتصاد للحرس الثوري بدعوى فشل الحكومة في إدارة الملف الاقتصادي. ويهيمن الحرس الثوري الإيراني بالفعل على النشاط الاقتصادي معظمه، إضافة إلى هيمنته على السياسة الداخلية والخارجية، وهو السبب الرئيس في إبقاء كثير من العقوبات الأميركية والأوروبية. ويكشف هذا النزاع بين الحكومة والقوى الأكثر تشددًا، اتساع التصدعات الداخلية في إيران مع تصاعد الضغوط الدولية لقطع أذرع تدخلاتها في الدول المجاورة، وبخاصة العراق وسورية واليمن ولبنان منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض الأميركي.
للحرس الثوري حضور اقتصادي وتجاري وصناعي قوي، فهو يتألف من شبكة واسعة من الشركات المرتبطة بمقره الاقتصادي، أي (مقر خاتم الأنبياء). ومن الصعوبة بمكان حساب القيمة الإجمالية للأصول الواقعة تحت سيطرته. فهو لا يخضع للإدارة الحكومية، ولا يتمتع بالشفافية، ويرفض المساءلة بذريعة رفض الكشف عن معلوماته بوصفه جهازًا عسكريًا حساسًا. لذلك يعد نشاطه الاقتصادي خفيًا وأشبه بالمافيا الاقتصادية، لكن بعض التقديرات المستندة إلى تحليل تصريحات لمسؤولين، وبيانات من سوق طهران للأوراق المالية، ومواقع الشركات على الإنترنت، ومعلومات من وزارة الخزانة الأميركية تشير إلى ما قيمته نحو 95 مليار دولار.
ويعد (مقر خاتم الأنبياء)، (الجناح الاقتصادي للحرس الثوري)، أكبر مقاول في إيران، إذ يضم نحو 812 شركة داخل إيران وخارجها، وله أسهم كبيرة في عدد من البنوك والمصافي ومصانع السيارات والبتروكيماويات والألمنيوم والصناعات البحرية وصناعة الجرارات والصلب والحديد ومصانع الأدوية والمطاحن وشركات الحفر والصناعات الغذائية وقطاع الاتصالات. وتكونت بعض ممتلكاته من خلال الاستيلاء الممنهج على آلاف العقارات التي تخص مواطنين إيرانيين عاديين، من أبناء أقليات دينية، وأصحاب أعمال وإيرانيين يعيشون في الخارج، ومصادرة أعداد كبيرة من العقارات من خلال الادعاء بأنها مهجورة. ومن أساليب سيطرة الحرس على الاقتصاد الإيراني على سبيل المثال، ما حدث في أثناء بيع الحكومة نسبة 51 في المئة من أسهم شركة الاتصالات الإيرانية من غياب التقيد بأنظمة المزايدة. فقد تقدمت شركتان للحرس الثوري لا تملكان أي تجربة في مجالات الاتصالات في منافسة شركة (بيشكامان كوير يزد) الإيرانية الخاصة التي تحمل التجربة والإمكانات لشراء الأسهم. وفي اليوم الذي سبق الإعلان عن الشركة الفائزة، حذفت شركة (بيشكامان كوير يزد) من المنافسة بذريعة أنه لم تتوافر (الشروط الأمنية). هذا النموذج يظهر الطريقة التي امتلك الحرس الثوري من خلالها مئات الشركات والمصانع والمصافي والمشروعات والأراضي والمناجم والغابات والشواطئ، وبات لا يزاحم الاقتصاد الحكومي فحسب بل الاقتصاد الخاص.
6 – صدى الأزمة الاقتصادية سياسيًا
حظيت الأوضاع الاقتصادية باهتمام خاص في خطابات القيادات الإيرانية بمناسبة رأس السنة الفارسية الجديدة في 21 آذار/ مارس 2017. إذ انتقد المرشد علي خامنئي أداء الحكومة الاقتصادي، بينما دافع الرئيس حسن روحاني عن إنجازات حكومته. فبحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، أطلق المرشد على السنة الجديدة اسم (عام الاقتصاد المُقاوم: الإنتاج – فرص العمل)، مشيرًا إلى (صعوبات شهدها العام المنصرم) في المستوى الاقتصادي، وقال إن العام المنصرم شهد (أعمالًا جيدة) ولكن (مازالت ثمة هوة بين الأعمال المنجزة وتوقعات الشعب والقيادة)، ودعا إلى “تقسيم الاقتصاد المقاوم الي نقاط محورية ومهمة، وتركيز مجمل همة وجهد المسؤولين والشعب على تلك النقاط”، وحدد من بينها (تطوير الإنتاج الداخلي وخلق فرص العمل للشباب). بالمقابل قال روحاني، إن العام الجديد سيكون “عامًا لمزيد من التقدّم للشعب الإيراني ولتوفير مزيد من فرص العمل للشباب”، وإن حكومته سجلت “إنجازات كبيرة خلال هذه المرحلة كان من بينها خفض نسبة التضخم وتنمية الاقتصاد وتوفير فرص العمل، وحققت نموًا اقتصاديًا بنسبة 8 في المئة”.
وإن يكن الاهتمام بالوضع الاقتصادي في خطابات كل من المرشد ورئيس الجمهورية طبيعيًا، لكن تسمية (عام الاقتصاد المُقاوم: الإنتاج – فرص العمل)، بالترافق مع الوقائع الاقتصادية الإيرانية، تعطي تحديد المرشد لمسألتي الإنتاج وفرص العمل معنى حقيقيًا، وليس دعائيًا. لقد وضع المرشد إصبعه على أهم جروح الاقتصاد الإيراني؛ تدني النمو في الإنتاج غير النفطي والبطالة والفقر، لكن المرشد أخطأ العلاج باتباعه طريقة (داوها بالتي كانت هي الداء). فمتى يتسنَّى للشعوب الإيرانية قيادة سياسية تقتنع بأن ما يُسمى (المقاومة) هي أُسّ البلاء، وتمتلك الإرادة والقدرة على التخلص والشفاء منه. وتكتشف أن إيران مهما تكن غنيّة وثريّة، وهي كذلك بحق، لا تستطيع تحمّل مشروعات قيادة (الإسلام السياسي الشيعي) وتمويلها، من إقامة (إمبراطورية فارسية) في الشرق الأوسط. وتصدير (الثورة) والتدخل في قارات العالم الخمس.
ألا تستحق الشعوب الإيرانية أن تنعم بخيرات بلادها، وهي جديرة بها مثل شعوب الأرض كلها، وتعيش في رخاء وحريّة وسلام؟