أعلنت الولايات المتحدة وروسيا والأردن، بشكل متزامن، بُعيد قمة الرئيسَين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، في هامبورغ، التوصلَ إلى اتفاق بينها، يتعلق بوقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية، ويتضمن ترتيبات في المنطقة الجنوبية التي تضم درعا والقنيطرة والسويداء.
إعلان الاتفاق من قبل الدول الثلاث جاء نتيجة لمحادثات سرية، بدأت في عمان قبل بضعة أشهر، بحسب ما كشفت عنه صحيفة (وول ستريت جورنال) بتاريخ 10 حزيران/ يونيو الفائت، نقلًا عن مسؤولين أميركيين أكدوا أن إدارة الرئيس دونالد ترامب أجرت محادثات سرية مع روسيا في الأردن، بهدف إقامة منطقة لتخفيف التوتر في جنوب غرب سورية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين على صلة بسير المحادثات قولهم: إن الاتصالات بين الطرفين بهذا الشأن بدأت عقب زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى موسكو في نيسان/ أبريل الماضي، مشيرة إلى أن الجانب الأميركي في المحادثات مثله بريت ماكغورك، المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي ضد (داعش)، ومايكل راتني، المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية.
التزامن بإعلان الاتفاق ظهرَ من خلال تصريحات مسؤولي الدول الثلاث، فور انتهاء قمة ترامب-بوتين، فقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: إن موسكو وواشنطن توصلتا إلى اتفاقٍ بوقف إطلاق النار جنوب غربي سورية. ولفت إلى أن الاتفاق جاء نتيجة لقاء ترامب-بوتين، وقال إن الشرطة العسكرية الروسية ستحفظ الأمن بمحيط مناطق خفض التوتر، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والأردن.
في السياق نفسه، أصدر مستشار الأمن القومي الأميركي، هربرت رايموند ماكماستر، بيانًا، وصف فيه التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في تلك المناطق، بأنه “أولوية” بالنسبة لأميركا.
وفي عمان كان كلام محمد المومني، الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، أكثر وضوحًا، حين أعلن أن الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والأردن توصلوا إلى اتفاق يدعم وقف إطلاق النار جنوب غربي سورية، مؤكدًا بشكل خاص أنه “وفقًا لهذه الترتيبات التي تُوصِّل إليها في عمان، سيتم وقف إطلاق النار على طول خطوط تماس اتفقت عليها سابقًا قواتُ النظام والقوات المرتبطة بها من جانب، وقوات المعارضة السورية المسلحة”.
وفي ما يتعلق بالنظام، فلا رأي له في هذا؛ فالروس الذين منعوا سقوطه هم من يقرر نيابة عنه، فلم يصدر عنه أي موقف سوى ما نقلته (رويترز) عن مسؤول، لم تسمه: إن “السكوت علامة الرضا”، وذلك ردًّا على سؤاله عن موقف النظام من وقف إطلاق النار في جنوب غرب البلاد.
الروس لم يكتفوا باتخاذ القرار إنما أرسلوا العقيد ألكسي كوزن، نائب رئيس مجموعة مراقبة مناطق تخفيض التوتر، “ليجمع” في مدينة الصنمَين في محافظة درعا رئيس اللجنة الأمنية ومحافظ درعا محمد خالد الهنوس وأمين فرع درعا لحزب البعث كمال العتمة وقائد الشرطة اللواء محمد رامي تقلا والعميد وفيق الناصر ورؤساء الأجهزة الأمنية بالمحافظة وفاعليات أخرى؛ ويخبرهم أن الاتفاق سيتم تنفيذه، ويجمّل كلامه بعبارات “شعبوية” ويقول: توقف القتال لا يعني إيقاف الحرب على الإرهاب، وإنما هو فرصة للمغرّر بهم للعودة إلى حضن نظام الأسد.
بالنسبة إلى المعارضة -والمقصود هنا خصوصًا الوفد العسكري إلى مفاوضات أستانا وهو المعني بمناطق تخفيف التوتر- فقد سجلت فصائل الجبهة الجنوبية غيابًا عنه، وهي المعنية على ما يبدو بالاتفاق فيما أعلن أحد المشاركين في وفد التفاوض وهو أيمن العاسمي أن مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ستيورات جونز أبلغ الوفدَ، قُبيل الجولة الأخيرة من مفاوضات أستانا، أن هناك اتفاقًا حول إقامة منطقة آمنة في الجنوب وأنه “سيُنفذ”، وهذا يندرج في الإطار الذي تحدث عنه لافروف حين قال: إن الولايات المتحدة تعهدت بالتزام فصائل المعارضة في المنطقة بالاتفاق.
السوريون، ومن يحملون جنسية سورية بشكل محدد، غائبون عما يحدث؛ فالاتفاق أبرمته الولايات المتحدة وروسيا والأردن نتيجة مفاوضات جرت بينها، وإن ظهرت مواقف متباينة من المعارضة إزاء الاتفاق، فإنها تبقى في إطار أحاديث صحفية ليس لها أنياب على الأرض؛ فالبيانان المتضاربان اللذان صدرا عن وفد أستانا والجبهة الجنوبية من المرجح أن يكون مفعولهما انتهى ساعة صدورهما.
بيان الجبهة الجنوبية ردَّ سريعًا على بيان وفد المعارضة العسكري إلى مفاوضات أستانا، وأكدت الجبهة فيه رفضَها الاتهامات الموجهة إليها بموافقتها من خلال مشاركتها في ترتيبات المنطقة الجنوبية على تقسيم البلاد والمعارضة أيضًا.
وحملت الجبهة الجنوبية بشدة على الوفد المفاوض في أستانا، وقالت إن تحقيق اتفاق إطلاق نار حقيقي أو مناطق خفض التصعيد “لن ينتج بتفاوض مجموعة مستقلين يدعون أنهم وفد الثورة مع الروس والإيرانيين، ولا باجتماعات تقنية في طهران ولا برغبة الروس، وإنما بقرار من الفصائل الحقيقية صاحبة الكلمة الفصل والتي حافظت على مناطق نفوذها وأجبرت النظام والروس والميليشيات الإيرانية على الاعتراف بالهزيمة وإعلان وقف إطلاق النار من طرفهم بسبب العجز وباعتراف واضح بفشلهم في الجنوب”.
وقال العقيد خالد النابلسي، القائد العسكري لـجيش الثورة، إن “اتفاق وقف إطلاق النار، والمنطقة الآمنة يتطابقان مع رغبة الثوار الهادفة إلى الحفاظ على أرواح المدنيين الذين يطالهم قصف نظام الأسد وحلفائه”. وأضاف لصحيفة (الشرق الأوسط): “نحن نثمن كل الجهود الدولية التي تهدف إلى تخفيف معاناة الشعب السوري وتجنيبه مزيدًا من الدمار والدماء”.
وكان وفد المعارضة إلى أستانا أكد أن الاتفاق لا يؤدي إلى حل سياسي، وسيجعل المنطقة الجنوبية منطقة حماية لحدود “إسرائيل” ويعطي الميليشيات الإيرانية في سورية شرعيةَ الوجود، ويبعدها عن حدود “إسرائيل” نحو أربعين كيلو متر.
وأشار العقيد أيمن العاسمي إلى إن “الاتفاق هو مقدمة لتقسيم سورية”، وشبهه بالضفة الغربية أو قطاع غزة، وقال إن وفد المعارضة حين وافق في أستانا على مناطق تخفيف التوتر كان على أساس أن تلك المناطق تخضع لسيطرة المعارضة، واتفاق أستانا نص على أن وقف إطلاق النار والتهدئة سيكون لمدة ستة أشهر، وبعدها يتم النقاش في المسار السياسي المرتبط بمسار جنيف. فيما قال ياسر الفرحان، عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني المعارض الذي شارك في الجولة الأخيرة من مفاوضات أستانا: إن وفد المعارضة إلى مفاوضات أستانا تفاجأ بأن هناك اتفاقًا سريًا متوافقًا عليه، وخرائط موقعة وبالتالي هناك محاولة لتقسيم الوفد إلى قسمين والمعارضة والبلاد كذلك. وقال الفرحان لقد أبلغنا الأميركيين أن الاتفاق هو سابقة تحدث لأول مرة بأن يُقتطَع قسم من البلاد، ويُعقد اتفاق حوله.
اتفاق الجنوب لقي ترحيبًا من قِبل حلفاء واشنطن خاصة بريطانيا التي قال وزير الدفاع فيها مايكل فالون: إن وقف إطلاق النار في سورية يخفف من معاناة الشعب السوري.
وأثنى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على نظيره الأميركي دونالد ترمب، وقال إن لقاءه معه في هامبورغ أسهم في تحقيق تقدم في ملفات عدة، منها اتفاق خفض التوتر في المنطقة الجنوبية بسورية.
الولايات المتحدة من جانبها أعلنت على لسان هربرت ماكماستر، مستشار الأمن القومي، في بيانٍ، أن البيت الأبيض متحمس لإحراز تقدم مع روسيا والأردن، لإنشاء منطقة خفض التصعيد في جنوب غرب سورية.
وأضاف ماكماستر أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحث هذا الاتفاق “مع العديد من قادة العالم خلال قمة مجموعة العشرين” بألمانيا، بمن فيهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
الاتفاق الذي لم يصدر إزاءه مواقف من أي دولة عربية أو من جامعة الدول العربية لقي ترحيبًا من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي قال إنه “لا يجب أن يؤدي هذا الأمر إلى تمركز الوجود العسكري لإيران ولأتباعها بسورية عامة وبجنوبها خاص”. ولفت نتنياهو في تغريدات نشرها على (تويتر) إلى أن وزير الخارجية الأميركي تيلرسون والرئيس الروسي بوتين أكّدا على أنهما يدركان المواقف الإسرائيلية، ويأخذان مطالباتنا بالحسبان.
وكانت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية أكدت أن الاتفاق وقع بين ثلاث دول هي روسيا والأردن والولايات المتحدة، إلا أن “إسرائيل” كانت لاعبًا رئيسًا في بلورته. وقالت الصحيفة في مقال للمحلل العسكري، أليكس فيشمان: في حال تطبيق الاتفاق وتنفيذه فهذا يعني إبعاد خطر تشكيل جبهة إيرانية مع “حزب الله” في هضبة الجولان، وهو بحد ذاته إنجاز سياسي لـ “إسرائيل”.
وأضاف إن الغارات التي شنتها “إسرائيل” في الأسابيع الأخيرة على مواقع في سورية، إثر سقوط قذائف بالجانب الإسرائيلي من الجولان المحتل، ساهمت في تكريس مكانتها كلاعب لا يمكن تجاهله في الترتيبات في الجولان، فضلًا عما يقال عن علاقاتها مع جهات سورية في الطرف السوري من الجولان، وهو ما يساعدها في أن تكون طرفًا في الإشراف على تطبيق الاتفاق ومراقبته.
وذكرت صحيفة (هآرتس) إن “إسرائيل” وضعت مطالب واضحة بشأن صيغة الاتفاق المذكور وشروطه، وإن كانت قد تحفظت علنًا عن إبقاء الإشراف على وقف إطلاق النار بأيدي روسيا بشكل حصري.
وأعادت (هآرتس) التذكير بأن “إسرائيل” كانت مطلعة على ما يجري في مفاوضات الأردن، وأنها طالبت الولايات المتحدة بشكل واضح بأن تُفصَل مباحثات وقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية عن المفاوضات العامة الجارية في أستانا، وأن تُستبعَد إيران وأذرعها عن المنطقة. وبحسب الصحيفة، فإن الولايات المتحدة تبنّت المواقف الإسرائيلية المذكورة. وكذلك روسيا؛ وهذا ما يفسر الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، بُعيد انتهاء جولة أستانا الأخيرة، وأطلعه خلاله على نتائج المفاوضات.
وقالت الصحيفة: إن “محادثات أميركية إسرائيلية تجري بشأن المنطقة الآمنة على الحدود بين إسرائيل وسورية وبين الأردن وسورية، كجزء من التسوية لإنهاء الحرب في سورية”.
ونقلت (هآرتس) عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنهم معنيون بإقامة منطقة آمنة على الحدود السورية، وكذلك الحال بالنسبة للحدود السورية الأردنية، لكنهم يعارضون الإشراف الروسي عليها.
وأضافت الصحيفة أن مسؤولًا أميركيًا بارزًا زار “إسرائيل”، قبل نحو أسبوعين، لبحث إمكانية إقامة تلك المنطقة “داخل العمق السوري” في الأراضي التي تسيطر عليها سورية من الجولان، بحجة إبعاد “حزب الله” وإيران عن هذه الحدود.
الاتفاق هو أميركي روسي أردني إسرائيلي، بحسب ما أعلن، ويبعد إيران نحو أربعين كيلو مترا عن حدود “إسرائيل”؛ ما يعني إعطاء شرعية لإيران للتواجد في سورية، وهو ليس مرتبطًا بترتيبات باتجاه انتقال سياسي، وبالتالي فإنه محصلة مصالح دولية محركها “إسرائيل” ومصالحها، وثانيًا الاتفاق يتعلق بأرض سورية، لكنه في الوقت نفسه ليس سوريًا بل ينحو باتجاه ضفة أخرى مهيئ لها أن تقابل الضفة الغربية إلى أمدٍ غير محدود.