الصورة: علاء المارجاني/ رويترز
تأتي أخبار الانتصارات المتلاحقة التي أصبحت معتادة، للجيش السوري والقوات الجوية والفضائية الروسية، على خلفية فضيحةٍ. فالأميركيون متّهَمون بالتآمر مع مقاتلي “تنظيم الدولة الإسلامية”، وبإخلائهم قرب مدينة دير الزور، في حين يصرّ الغرب على وجود تواطؤ بين الجهاديين من جهة، وبين دمشق، إيران وروسيا من جهةٍ أُخرى. وهذا ليس مصادفة؛ ففي سورية، حلّ “موسمُ صيدٍ” ذو أهميةٍ خاصة.
قال مصدر عسكري-دبلوماسي، لوكالة (ريا/ نوفوستي): إن الأميركيين قاموا، في آب/ أغسطس، بإجلاء قرابة 20 شخصًا، من قادة تنظيم الدولة والمقربين منهم. ويذكر، على نحو خاص، أنه في ليلة 26 آب، قامت طائرة هيلوكبتر تابعة للقوات البحرية الأميركية، بإخلاء اثنين من قادة “الدولة الإسلامية” الميدانيين، من ذوي الأصول الأوروبية، مع أفراد عائلاتهم، من منطقة قريبةٍ من بلدة “طريف” شمال غرب دير الزور. بعد يومين على الواقعة، تم إجلاء 20 مقاتلًا آخر، بالطريقة نفسها، من منطقة البو ليل، جنوب شرق دير الزور، شرقي سورية. نذكّر بأن دير الزور هي المكان الذي تنفذ فيه القوات الحكومية السورية عمليةً استراتيجية كبرى، لفك الحصار عن الحامية الموجودة هناك.
لم يكن المصدر “يخون” الأميركيين، بقدر ما كان يحاول تبرير تصرفهم، مؤكدًا أنه بحرمان “تنظيم الدولة الإسلامية” من القادة؛ فإن المقاتلين سيفقدون، على الأرجح، القدرة على القيام بعملياتٍ منظمة، وسيُجبَرون على ترك مواقعهم. وأضاف المصدر: “في نهاية الأمر، هذا يساهم في نجاح العملية العسكرية التي تشنها القوات السورية، شرق البلاد”.
غير أن الجانب الأميركي ينفي نفيًا قاطعًا هذه المعلومات. ففي السابق، وتحديدًا في آب/ أغسطس، حاول الأميركيون أنفسهم اتهام دمشق وطهران وموسكو، بـ “التواطؤ” مع مقاتلي “الدولة الإسلامية”، عند الحدود اللبنانية. في الوقت الراهن، تسلط وسائل الإعلام في الغرب الأضواء على نحو مركز على هذه القصة، كذلك تفعل “إسرائيل”، وبعض المحللين الذين يحملون جوازات سفرٍ روسية.
على هذه الخلفية، وردت أنباءٌ عن غارةٍ للطائرات الروسية، قرب دير الزور، أسفرت عن تصفية ما يسمى “وزير الحرب” لدى التنظيم غولموراد حليموف (الطاجيكي)، القائد السابق في وزارة الداخلية الطاجكستانية. وقد أعلمت السلطات الروسية دوشنبيه (عاصمة طاجاكستان) عن تصفية حليموف؛ الأمر الذي يُعدّ تأكيدًا رسميًا للخبر. من جانبها، طلبت طاجاكستان تفاصيل حول العملية. ومن الجدير بالذكر، أنه كان قد أُعلن عن مقتل حليموف، عدة مراتٍ في السابق، ولكن “الطاجيكي” كان يُبعث في كل مرة، ليتقدم في المراتب العليا لدى “الخلافة”.
خلال الأشهر الماضية، كان اسم حليموف يتردد كخلفٍ للبغدادي الذي قيل إنه قد قُتل؛ الأمر الذي يبدو غريبًا، لأنّ من الصعب تصور أنْ يكون الداعية والزعيم الفكري الديني، في “الدولة الإسلامية”، رجلًا متلعثمًا، لا يجيد اللغة العربية، وأقرب ما يكون إلى شرطي سابقٍ مريض نفسي، كما أنّ من المدهش، أن توكل وزارة حرب “الخلافة” بعد حليموف، إلى مواطنٍ جورجي “أبو عمر الشيشاني”، واسمه الفعلي “طرخان باتيراشفيللي”، وهو بالمناسبة مسيحي المولد.
يجب أن يُفهم جيدًا أن إحدى نتائج هزيمة القوات الرئيسية “للدولة الإسلامية”، عند دير الزور (بالمعنى الأوسع، في كل مناطق وسط، جنوب وشرق سورية)، يجب أن تكون الاستيلاء على أرشيف الجهاديين، أو على الأقل، على بعض قادتهم لانتزاع المعلومات منهم. والجميع يرجح وجود مثل هذا الأرشيف الذي من الصعب توقع الطريقة التي خُزنت المعلومات فيه. ويجري سباق محمومٌ للحصول على هذه الأوراق، ضمن UPS أو أقراصٍ صلبة لأجهزةٍ كمبيوتر. تهتم موسكو، دمشق، طهران ودوشنبيه، بالاطلاع على كل هذا؛ لما سيكون لهذه الوثائق من نتائج لاحقة. أما بعض شركائنا من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، فيهتمون بإيجاد الأرشيف وإخفائه، بحيث لا يطلع عليه أحدٌ غيرهم. وهذا قد يكون أحد أهداف إجلاء “الكوادر القيادية” في “الخلافة”، المتعاونة من قبل مع الولايات المتحدة الأميركية.
أمثال هؤلاء بالعشرات؛ فغولمورد حليموف نفسه (وزير حرب التنظيم المقتول)، تدرب لدى الشركة العسكرية الخاصة، سيئة الذكر، (بلاك ووتر). من شبه المؤكد، أن دراسة الوثائق التي سيتم الاستيلاء عليها، واستجواب الأسرى من كبار مسؤولي التنظيم؛ ستتيح الحصول على قاعدة هائلة من الأدلة التي تثبت اشتراك العديد من استخبارات الدول الغربية، في تشكيل نسقين من كوادر التنظيم القيادية الذين كانوا في البدء، عربًا من العراق وسورية المحليين، ومع “تسرب” هؤلاء تدريجيًا، ثم كوادر من أوروبا الغربية، شمال أفريقيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق. كما يمكن أيضًا الافتراض أن إجلاء القادة الميدانيين من دير الزور، يجري في إطار الاتفاق على مبدأ “مبادلة الوثائق مقابل الحياة”. حتى الآن، من غير المعروف ماذا سيحصل في إدلب، بينما بالنسبة إلى دير الزور، فكل شيءٍ في غاية الوضوح.
إذا تراجعت الجبهة على طول مجرى نهر الفرات باتجاه مدينة الميادين، البوكمال وبعدها وصولًا إلى الحدود العراقية؛ فإن القوات السورية أو القوات الخاصة الروسية (وهو الأرجح) ستستولي -عاجلًا أم آجلًا- على وثائق وفلاشات كمبيوتر، وستتمكن من إلقاء القبض على 2-3 من قادة التنظيم.
في ردهم على اتهام الأميركيين وحلفائهم بالتواطؤ مع “الدولة الإسلامية”، بدأ اليانكي بتأليف القصص، حول إجلاء عددٍ كبير من مقاتلي “الدولة الإسلامية” من الحدود اللبنانية-السورية، الذي انتهى بفشلٍ ملحمي.
هنا استفاق ممثلو وزارة الخارجية الأميركية؛ فممثل الرئيس في التحالف ضد “تنظيم الدولة الإسلامية” بريت ماك غيورك، لديه حسابٌ على (تويتر) ولديه بريد إلكتروني، كانا سببًا في تخريب حياته وتعطيل مسيرته المهنية. وقد سبق للرئيس أوباما أن رشحه لتقلد منصب السفير لدى بغداد، لكن بعض القراصنة استطاعوا التسلل إلى بريده الإلكتروني وفضحوا علاقته بالصحفية جين تشون، من صحيفة wall street journal، وليُدان بالسلوك اللاأخلاقي، الذي يضع موضع الشك قدرته على قيادة وإدارة السفارة؛ ما أجبر أوباما على سحب الترشيح. ولكن أوباما اخترع له منصب “ممثل الرئيس لشؤون محاربة (تنظيم الدولة الإسلامية)”، أما الصحفية تشون، فقد سُرّحت من الصحيفة، لأنها كانت تطلع عشيقها الرفيع على مسودة مقالاتها، قبل نشرها.
تزوج العاشقان فيما بعد، ولكن مارك عانى من (تويتر) أيضًا، فقد كان ثرثارًا أكثر من اللازم. وقد سبق لوزير الخارجية التركية مولود جاووش أوغلو أن طالب باستقالة ماك غيورك، “بسبب دعمه الإرهابيين الأكراد”. ومع ذلك، لم يتعلم مارك الدرس. فقد كتب، معلقًا على صفقة “حزب الله” مع “تنظيم الدولة الإسلامية”: “إرهابيو تنظيم الدولة الإسلامية يجب أن يُقتلوا في أرض المعركة، وليس أنْ يتجولوا بالحافلات عبر كل سورية، وصولًا إلى الحدود العراقية. سيساعد تحالفنا في التأكد من عدم دخول هؤلاء الإرهابيين الأراضي العراقية أبدًا، أو الهرب من الأراضي التي تبقت للخلافة المحتضرة”.
تمت الصفقة أو بالأصح، ذلك الجزء المتعلق بنقل المقاتلين إلى البوكمال، بضمانة “حزب الله”، وبشكلٍ غير رسمي، دمشق. لم يسبق لدمشق أن حنثت بوعودها، خلال الصفقات السابقة؛ وعلى هذا بالتحديد، يستمر برنامج عمليات نقل المقاتلين إلى “محمية إدلب”، منذ عامٍ ونصف العام تقريبًا، أو إلى البوكمال كما في الحالة الراهنة. وليس صحيحًا القول إنه لم تجر صفقاتٌ لترحيل المقاتلين من قبل، بين النظام و”جبهة النصرة” أو “تنظيم الدولة”؛ فقد جرت عدة صفقاتٍ منفردة في الغوطة الشرقية، وفي مناطق جنوب، وجنوب غرب سورية.
الذريعة الرئيسية هي تجنب خسائر كبيرة وغير ضرورية، وإدراك أن الصفقات التكتيكية الصغيرة لا تعطل المبدأ العام، القائم على رفض المفاوضات السياسية مع “الرايات السوداء”. وحتى إن محاولتين جرتا لجرّ بعض المجموعات التي تقلد وتغيِّر تسمياتها، إلى مفاوضات أستانا. ولكن، بخلاف الولايات المتحدة الأميركية، لم يقدم أحدٌ لهم السلاح، أو يرسل إليهم قيمين، كما لم يرسلهم أحدٌ لتلقي التدريب في معسكرات (بلاك ووتر).
أكثر ما يثير السخرية ليس هنا. فقد توعد ماك غيورك: “تحالفنا سيحرص على ألا يصل الإرهابيون إلى العراق”. وبالفعل، قام التحالف بقصف الطرقات التي كانت القوافل تسلكها. عادةً في مثل هذه الحالات، يقطب الأميركيون جبينهم، ويقولون إنهم أخطؤوا، أو ينفون قيام طائراتهم بالقصف. ولكن بعد خطاب ماك غيورك، لم يعد ذلك مفيدًا. ولذلك استمر الأميركيون بعملهم. الضربة الثانية استهدفت القافلة نفسها التي كان الشيخ “نصر الله” وبشار الأسد يضمنان سلامتها. كتب ماك غيورك، في (تويتر) حول هذا الأمر، قائلًا: إن الضربات استهدفت “بعض السيارات والمقاتلين الذين تأكد أنهم من تنظيم الدولة الإسلامية”. ونتيجة ذلك، اضطرت القافلة إلى تغيير مسارها، ومن ثم تفرقت في الصحراء، بعد مقتل 85 شخصًا، وعودة بعض الحافلات أدراجها.
في القريب القادم، سنشهد، غير مرةٍ سباقًا مثيرًا للوصول إلى المعلومات الثمينة والشخصيات المهمة أولًا. حاليًا، تستخدم الولايات المتحدة الأميركية مواقع انطلاق بحريةٍ أكبر، فهم في هذا السباق يتقدمون قليلًا، ولكن يمكن تغطية هذه الفجوة بمساهمة أكثر فاعلية، من قبل أفراد القوات الروسية للمهام الخاصة، وبمشاركة الشركات العسكرية الخاصة.
سيكون سباقًا ممتعًا بالتأكيد.
اسم المقالة الأصلية | Россия и США вступили в гонку за особо ценной информацией о сирийской войне |
كاتب المقالة | يفغيني كروتيكوف |
مكان وتاريخ النشر | صحيفة . 8 أيلول 2017 |
رابط المقالة | https://www.vz.ru/world/2017/9/8/886286.html |
ترجمة | سمير رمان |