قضايا المجتمع

السوريون يتألقون خارج حزام البؤس

في غضون ثلاث سنوات تقريبًا، تغيّرت الخريطة المالية للاجئين السوريين في تركيا؛ ففي حين يعيش 93 بالمئة من اللاجئين في الأردن تحت خط الفقر، و71 بالمئة على غرارهم في لبنان، بحسب بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي؛ تختلف الصورة في تركيا، وتندرج في سياق انتعاش اقتصادي، من الواضح أنه في نمو مضطرد.

يعطي سليم الطحان (مواطن سوري لجأ إلى تركيا في عام 2012) انطباعًا إيجابيًا عن جوانب حياته اليومية في مدينة أنطاكيا جنوب البلاد التي قصدها للإقامة، بعد ثلاثة أيام من مغادرته سورية. يقول الطحان: لم تواجهنا أي قيود تحد من حركتنا. خلال خمسة أشهر فقط، استطعت بمساعدة مادية من أحد أقربائي أن استثمر محلًا صغيرًا لبيع المواد الغذائية، في حي قريب لمنزلي. لقد لقيت من التسهيلات في أثناء إنجاز الإجراءات الرسمية ما أدهشني.

زاول سليم نشاطه التجاري الميكروي، من دون تصريح عمل، شأنه في ذلك شأن معظم السوريين الذين دخلوا بخبراتهم المهنية سوق العمل الموازي. مضى على افتتاحه المحل نحو أربع سنوات، لكن تجارته خلال هذه الفترة تطورت، بعد أن أجرى تعديلات على الأصناف التي يبيعها، لتناسب متطلبات أحياء أخرى، تقطنها غالبية سورية.

في كانون الثاني/ يناير عام 2016، تمكن السوريون الذين خضعوا لنظام الحماية المؤقتة، من الحصول على تصاريح عمل في تركيا؛ وبموجبها أمكنهم البدء بأنشطة تجارية، وفتح حسابات مصرفية، ساعدتهم خلال السنتين الأخيرتين في تأسيس أعمال، وفّرت لأسرهم سبل عيش كريم.

يرى عمر م كاراسابان، وهو خبير في البنك الدولي، أن من الضروري “إلقاء الضوء على المساهمات التي يقوم اللاجئون بتقديمها، من خلال جلبهم وتأسيسهم للأعمال التجارية، والأسواق والمهارات الجديدة إلى المجتمعات المستضيفة لهم، فإذا قامت هذه البلدان بتوفير بيئة عمل مناسبة، وتقديم قدر معين من الحماية للذين يعملون منهم بشكل غير قانوني؛ فسوف نشهد زيادة أكيدة في النتائج الإيجابية”.

تتضح نظرة تركيا المتقدمة إلى آفاق الاستثمار في رأس المال البشري السوري، الذي تم بمساعدة منظمات دولية، عبر توفيرها أدوات وتسهيلات كبيرة؛ أسهمت في خلق بيئة عمل آمنة، استفاد منها معظم اللاجئين خارج المخيمات. فكما دعمت فكرة اعتماد السوريين على أنفسهم، لتأمين سبل عيشهم، دون الاكتفاء بدعم المنظمات الأممية الإنساني. فتحت المجال واسعًا، أمام انخراط الكفاءات في سوق العمل لإنعاشها وفق فهم أفضل، لمدى تأثيرها على خلق نمو اقتصادي، يسهم نجاحه في إعادة تأهيل اللاجئين أنفسهم، ولكن بطريقة أكثر فاعلية.

لطالما كان يُنظر إلى اللاجئين -بحسب رأي الخبير الاقتصادي د. عماد المصبح- نظرة سلبية؛ ذلك أن الاعتقاد السائد يمثل صورة نمطية، يعاد اليوم تصحيحها، عبر اندماجهم المجتمعي، وشراكاتهم التجارية وإثبات إمكاناتهم وإسهاماتهم في خلق فرص عمل، بوصفهم رواد أعمال وأصحاب مشاريع تجارية.

يضيف لـ (جيرون): معظم اللاجئين في تركيا يقطنون في مناطق حضرية (خارج المخيمات)، ويصل عدد الذين هم في سن العمل نحو 1.8 مليون سوري. إن انخراط هذا العدد الضخم -كما يرى المصبح- في قطاعات العمل التنموية، بدل تركيزه على المساعدات الإنسانية قصيرة الأجل، شكّل علامة فارقة داخل المجتمع التركي. ولا سيما أن 67 بالمئة من أصحاب الأعمال يحملون شهادات جامعية؛ ما وفر سبل النجاح لمشروعات، قدمت مخرجاتها فوائد تنموية، سيستفيد منها الجميع بلا شك.

يبلغ عدد السوريين الذين خضعوا لقانون الحماية المؤقتة حتى شباط/ فبراير 2017، وفق أحدث تقرير لمركز أبحاث الهجرة وأمن الحدود التابع لأكاديمية الشرطة التركية، نحو مليونين و924 ألفًا و583 لاجئًا، منهم 10 بالمئة يقطنون في مراكز اللجوء. فيما يعيش 90 بالمئة في ولايات تركية مختلفة، معتمدين في قضاء حوائجهم، على أموالهم الخاصة التي يجنونها من عملهم. بحسب التقرير.

تُعدّ المشاريع الميكروية والصغيرة والمتوسطة مسؤولة اليوم عن خلق أكثر من 86 بالمئة من فرص العمل الجديدة على الصعيد العالمي. وفي تركيا، تشير التقديرات إلى أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تمثل أكثر من 90 بالمئة من مجموع الأعمال والنشاطات التجارية في البلاد، وتقدر حصة السوريين من المؤسسات والشركات المملوكة من قبل الأجانب بنحو 39 بالمئة.

تشير دراسة استقصائية أعدّها كلّ من (سيلين أوجاك، وجينفر هولت، وكافيان رامان)، حول آفاق المشاريع السورية في تركيا، إلى أن السوريين قاموا، خلال الفترة الواقعة بين عام 2011 وأوائل عام 2017، بإنشاء 6033 شركة رسمية باستثمارات أولية، قدرها 334 مليون دولار. وقدرت الدراسة حجم رأس المال السوري المستثمر في تركيا، بين 1 و 1.5 مليار دولار أميركي. تشكل نسبة المشاريع الميكروية منه نحو 74 بالمئة، وهي النسبة الأكبر، فيما تبلغ نسبة المشاريع الصغيرة نحو 24 بالمئة، والمشاريع المتوسطة نحو 2 بالمئة.

بحسب المصدر ذاته، شهدت الأشهر الأربعة الأولى من عام 2017 تأسيس نحو 677 شركة جديدة، ما يعني توقع ظهور أكثر من 2000 شركة إضافية برأس مال أولي، يقدر بنحو 90 مليون دولار أميركي حتى نهاية العام.

منذ عام 2013، يحتل السوريون -وفقًا لمؤسسة TEPA- المرتبة الأولى، حيث أصبحت مناطق جنوب شرق تركيا والمدن الحضرية الغربية بشكل خاص محاور لرواد الأعمال على نحو متزايد، لكن أكبر نسبة من الشركات الجديدة في الاقتصاد المحلي، تقع في المدن الجنوبية الشرقية.

في منتصف تموز/ يوليو الماضي، عرضت شبكة قنوات (تي آر تي) التركية الحكومية، فيلمًا وثائقيًا للمخرج التركي نوري سينوبلي أوغلو، تناول حياة مواطنين سوريين فروا من الحرب الدائرة في بلادهم. كان الهدف من تصوير الفيلم “إظهار أن السوريين الذين لجؤوا إلى تركيا كانت لهم أيضا حياتهم، وأنهم ليسوا متسولين أو مخلوقات غريبة، كما يعتقد بعض الأطراف”. يقول أوغلو: “السوريون كانوا أطباء وأكاديميين وحرفيين ورجال أعمال في بلدهم، والآن يحاولون العيش هنا من دون أن يملكوا أي شيء، وتذرف دموعهم حين يتحدثون عن معاناتهم”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق