قدّمت الثورة السورية للعالم العربي، بل للإنسانية كلها، الكثيرَ من الدروس، وكشفت هشاشة الشعارات التي كانت سائدة في العالم، حول حقوق الإنسان، والرأي العام العالمي، والتدخل لحماية الأمن الدولي، تلك الشعارات التي سقطت أمام المصالح الدولية.
سعى النظام السوري، منذ اندلاع الثورة -بكل إمكاناته- لقمعها وصرفها عن أهدافها، مُستخدمًا منظومته الأمنية، ومستعينًا بمرتزقة وعصابات طائفية، واستطاع التأثير فيها، وزرع بذور النكوص في داخلها، كإطلاق سلاح المتطرفين والمجرمين، وتسليح الثورة، وإبعاد الشباب المثقف عنها، بشتى الطرق، سواء بالقتل أو السجن أو الهجرة أو التهجير.
دأب النظام على تسليح الثورة، بكل الطرق الملتوية، فباعَته عناصر الأمن علنًا لمن يطلبه، وفي مرحلة لاحقة، وزّعته -عبر عملائها- مجانًا على أبواب الجوامع في بعض المدن، وقامت بعض الدول الداعمة بتأمين السلاح للثائرين، عن حسن أو سوء نيّة، وسهّلت مروره إليهم، وكان هذا نوعًا من النكوص، لم يكن الشارع الثائر يُدركه في حينه.
في الحقيقة، تصرّفت بعض الدول الداعمة للثورة السورية، كما تصرفت الدول الداعمة للنظام التي سلّحت حاضنته والموالين له وميليشياته، خاصة أن بعض هذه الدول قتّرت السلاح على الجيش الحر، وسخَت به لفصائل أخرى.
في بداية الثورة، قدّمت السعودية مليارات الدولارات، للإصلاح؛ حتى لا يمتد الربيع العربي إلى الشعوب العربية الأخرى، وهنالك العديد من الدول الأخرى التي حاولت، في بداية الثورة، الركون إلى الإصلاح، لكن النظام السوري لم يستجب؛ فتحوّل الدعم للثائرين عليه، لكن على طريقتهم، وبالمساحة التي حددتها لهم الولايات المتحدة التي لا يستطيعون تجاوز دوائرها المرسومة.
عسكرة الثورة التي اضطر إليها المنتفضون على النظام السوري، كانت طُعمًا، وقد ابتلع هؤلاء الطعمَ الذي صنعه لهم النظام مدعومًا من إيران في البداية، ثمّ روسيا، وصبّ التسليح في مصلحة النظام فقط، فالسلاح والعنف والقتل هو الملعب الذي يجيد اللعب فيه؛ ثم كان ما كان.
هزّت الثورة السورية أركانَ النظام السوري، بلا سلاحٍ، وبسلاحٍ، وزعزعت عرشه، ولولا دعم داعميه؛ لانهار وسقط منذ زمن طويل، ومع الوقت، تحوّل إلى مجموعة عصابات منفردة، ولم يبقَ له قرار مُوحّد في حكمه، إلا أن العسكرة فسحت المجال لتدخل الداعمين في مسار الثورة؛ إذ أوقفت هذه الدول الثوارَ بعد نصرهم في أكثر من معركة، للحفاظ على توازن معين، تريده واشنطن التي تدير اللعبة دون أن تخسر شيئًا.
لم يكن قرار العسكرة خيارًا، وإنما فُرض على الثورة فرضًا، لكن الثورة مستمرة، والسلاح ليس وسيلة لتحقيق أهدافها، بل هو خطأ مفروض، ومن الأفضل للسوريين أن يجدوا وسائل لتحقيق أهداف ثورتهم بعيدًا عن السلاح، وشقّ طريقهم نحو غدٍ حر كريم.