ارتفعت في الآونة الأخيرة معاناة الطلاب السوريين المُسجّلين في الجامعات التركية، لجملةٍ من الأسباب، أهمها شحّ المنح الدراسية المخصصة لهم، وبالتالي اضطرارهم إلى دفع رسوم الجامعة؛ ما أرغم عددًا كبيرًا منهم على العمل في مهن شاقة، لاستيفاء متطلبات الدراسة، فضلًا عن مشكلة اللغة الأساس، وصعوبات إنجاز امتحان (التومر) المادية والمعنوية، إضافة إلى المناهج الجديدة التي لا تتوافق مع ما خبِره الطلاب السوريون سابقًا، إبّان دراستهم الإعدادية والثانوية.
قال إبراهيم سلقيني، وهو أستاذ جامعي في جامعة عنتاب، لـ (جيرون): “إن أبرز المشكلات التي تواجه الطلاب السوريين في الجامعات التركية هي عدم معرفتهم بالقوانين، وعدم إدراكهم لأهميتها وضرورة الالتزام بها، وتشكيل عدة اتحادات طلابية، وهذا يدل على عدم إدراكهم لأهداف الاتحادات الطلابية، وعدم قدرتهم على الاستفادة منها، وبالتالي عدم سماع إدارة الجامعة لطلباتهم بسبب تعدد الرؤوس، وانعدام الضغط الفاعل والصحيح والمركّز، والحل يكمن في إقامة محاضرات توعية بأساسيات العمل المؤسساتي والمجتمعي”.
أما وسام الدين العكلة، وهو أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة (ماردين/ ارتقلو) التركية، فقد أكد أن المشكلات التي تواجه الطلاب السوريين في تركيا كثيرة، وأضاف لـ (جيرون): “لا يحصل الطالب السوري على الفرع الجامعي الذي يرغب في دراسته، بسبب صعوبة نظام القبول في الجامعات التركية، وضرورة الحصول على معدلات عالية جدًا، وامتحانات مكملة للثانوية العامة مثل (اليوس والسات) للفروع العلمية، وقلة عدد المقاعد الجامعية المخصصة للطلاب الأجانب، حيث تخصص الجامعات التركية 10 بالمئة فقط للطلاب الأجانب، ومن ضمنهم السوريون، وبالتالي من الممكن أن تذهب معظم هذه المقاعد لطلاب من جنسيات أخرى؛ فيضطر الطالب السوري إلى دراسة فرع جامعي، لا يتوافق مع رغبته الحقيقية، مع أنه حاصل على معدلٍ عالٍ في الثانوية العامة”. يرى العكلة أن الحل يكمن “في طرح (كوتا) خاصة بالطلاب السوريين، وتخصيص عدد من المقاعد لهم، في عدد من الجامعات التركية”.
يعاني معظم الطلاب السوريين من عدم توفر المقدرة المادية الكافية، لتأمين مستلزمات الجامعة والسكن والتنقل والنفقات الأخرى التي يحتاج إليها الطالب في المرحلة الجامعية. كما أحدث اختلاف اللغة والمناهج، بين الجامعات التركية والجامعات السورية، مشكلةً بالنسبة إلى الطلاب الذين كانوا يدرسون في الجامعات السورية، وتركوا دراستهم بسبب الظروف الأمنية والتضييق الذي تمارسه أجهزة النظام ضدهم، ويطلق على هذه الفئة اسم (طلاب الإكمال)، وتكون فرصة هؤلاء باستكمال التعليم الجامعي في تركيا في الأصل ضئيلة.
في هذا الشأن، أوضح العكلة “يُضطّر أغلب الطلاب السوريين إلى العمل، خلال دراستهم، لمساعدة ذويهم في تأمين متطلبات الحياة، ما يؤثر على دوامهم، وبالتالي تتأثر دراستهم بشكل كبير، بسبب تغيّبهم عن بعض المحاضرات والاختبارات. وهناك صعوبات تتعلق بالوثائق الشخصية أو الجامعية، حيث تواجه بعض الطلاب مشكلات تتعلق بعدم حصولهم على إقامة طالب، بسبب عدم امتلاكهم جوازات سفر سارية المفعول. إلى جانب صعوبة الحصول على الوثائق الجامعية، بالنسبة إلى طلاب الدراسات العليا، حيث يعاني هؤلاء من صعوبة الحصول على مصدقات التخرج وكشوف العلامات من الجامعات السورية، فضلًا عن التكلفة المادية الباهظة لاستخراج مثل هذه الوثائق عن طريق مكاتب السمسرة، كذلك قلة المنح المقدمة للطلاب السوريين لتغطية نفقات الجامعة، وأغلب المنح هي محلية من السلطات أو الجمعيات التركية، باستثناء بعض المنظمات الأوروبية، حيث قدمت منظمة (سبارك) بعض المنح للطلاب السوريين في جامعة غازي عنتاب، في ظل غياب الجمعيات السورية عن تقديم مثل هذه المنح”.
أضاف العكلة: “بالمقابل، افتتحت جامعة ماردين عددًا من الفروع للدراسة باللغة العربية، لتسهيل التحاق الطلاب السوريين بالتعلم الجامعي، وحتى الآن تم افتتاح أربعة فروع هي: العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وإدارة الأعمال، والتاريخ، وعلم الاجتماع، إلى جانب الشريعة الإسلامية واللغة العربية، وتبلغ تكلفة الدراسة سنويًا في جامعة ماردين 500 ليرة تركية فقط، ويحصل الطالب على كافة الامتيازات التي يحصل عليها الطالب التركي، والأهم من ذلك أن الدراسة باللغة العربية بشكل كامل، ومن الممكن توسيع هذه الفروع لتستوعب قدرًا أكبر من الطلاب السوريين، مع العلم أن عدد الطلاب السوريين في جامعة ماردين الذين يدرسون باللغة العربية بلغ حاليًا نحو 400 طالب، وهذا من شأنه أن يشجع الجامعات الأخرى على السير على خطى جامعة ماردين؛ للمساهمة في حل مشكلات الطلاب السوريين”.
من جانب آخر، قالت الطالبة نهى الحاج عمر، سنة أولى هندسة غذائية في جامعة عنتاب، لـ (جيرون): “طريقنا محفوفة بالمعاناة والصعوبات، وأولها (اللغة)، لم يمض على وجودي في تركيا كثير من الوقت، وأجد صعوبة في التواصل مع المدرسين والطلاب، وفي أغلب الأحيان، نملك الكثير من الأسئلة والأفكار، لكننا لا نستطيع الإفصاح عنها، وعلى الرغم من أن المنهاج المقرّر باللغة الإنكليزية، إلا أن الأساتذة يعتمدون على التركية في الإعطاء والشرح، إضافة إلى أن معاملة الطلاب لنا، فيها نوع من الاستعلاء، فضلًا عن المصاعب المالية، فطلاب المسائي غير معفيين من دفع الرسوم”.
في الموضوع ذاته، قال مروان سالم، طالب سنة أولى هندسة مدنية، لـ (جيرون): “يعاني الطلاب السوريون الجامعيون في تركيا من صعوبات عديدة، وتؤول في بعض الأحيان إلى خلافات بين الطلاب السوريين والأتراك، ومن أبرز هذه المشكلات مشكلة اللغة، وغياب مقاعد كافية لاستيعاب الطلبة السوريين، مع ازدياد أعدادهم، إذ أصبح من الصعب على الطلاب السوريين تحصيل مقعد دراسي في الجامعات التركية، ويضطر بعض الطلاب إلى التخلي عن دراستهم وطموحاتهم والاتجاه إلى العمل”.
أما محمد جمو، وهو طالب هندسة سنة ثالثة في البرنامج العربي لجامعة عنتاب، فأوضح لـ (جيرون) “تعدّ مشكلة اللغة من أهم المشكلات وحتى المناهج التي تُعطى باللغة الإنكليزية يكون الشرح فيها بالتركية، إضافة إلى عدم وجود مختصين أقوياء أولي كفاءة، لإعطاء المواد (في البرنامج العربي) وعدم القدرة على الخوض في سوق العمل، والسبب الرئيس لذلك هو اللغة، وقلة اهتمام الجامعة بالطلبة (البرنامج العربي)”، مؤكدًا “أن حلّ تلك المشكلات يكون بالعمل على الدمج المجتمعي مع الأتراك، والابتعاد عن الأنماط التقليدية في تعلم اللغة، كالدورات وما شابه، وأيضًا بتشكيل جسم موحد للطلبة السوريين، يحمل مسؤولية حل مشكلات الطلاب، مع الحكومة التركية والجامعات”.