ترجمات

الغارديان: وعد بلفور ليس تاريخًا، إنه واقع يومي بالنسبة إلى الفلسطينيين

نحن نشعر بالتهميش من خلال الاحتفال بذكرى يراها كثيرون في بريطانيا بقايا مشرفةً للإمبراطورية.

صيادون فلسطينيون يقومون بإعداد شباكهم في ميناء مدينة غزة. “إسرائيل تقيد الوصول إلى البحر للصيد، ناهيك عن السفر”. صورة: محمد عابد/ وكالة الصحافة الفرنسية/ صور جيتي

قبل بضعة أسابيع، كنتُ عائدةً إلى لندن من رحلةٍ في الخارج. كنتُ مرهقةً وجائعة، ومنزعجة من الطابور الطويل أمامي عند نقطة التدقيق في المطار، استغرقت بعض الوقت لاستيعاب محيطي، فأدركتُ أنَّ اللغة الوحيدة التي أستطيع أن أسمعها هي العبرية، كنت أقف في وسط مجموعةٍ من الإسرائيليين الذين هبطت رحلتهم من تل أبيب إلى لندن.

وقفت في الطابور، لا أعرف كيف، أو بما أشعر. ولأنني -بصفتي فلسطينية- لم أكنْ قادرةً على العودة إلى بلدي، منذ أنْ غادرته قبل بضع سنوات، ولا حتى زيارته، بسبب الحصار الإسرائيلي المتواصل على غزة، ومع ذلك فإنَّ جميع الإسرائيليين الذين كانوا حولي يتمتعون بنوعٍ من حريات وحقوق السفر التي تمنعها “إسرائيل” عن الفلسطينيين.

بعد ما شعرت بما يشبه الأبدية، جاء دوري أخيرًا؛ مشيتُ نحو المكتب، وأعطيت مسؤول الحدود جواز سفري الفلسطيني. مصعوقًا، قال لي: إنَّه لم يسبق له أنْ تعامل مع حامل جواز سفرٍ فلسطيني في رحلة من تل أبيب. عندما سألته عن سبب هذا الوضع أو الحال، غضب وقال إنه يعتقد “ربما يسافرون في رحلات طيرانٍ مختلف”.

أوضحتُ له الأمر؛ لأنني أحمل جواز سفرٍ فلسطيني، مُنعت تلقائيًا من الصعود إلى أيّ رحلةٍ من تل أبيب، على الرغم من أنّ مطار بن غوريون على بعد ساعةٍ واحدة بالسيارة من مدينة غزة: مدينتي. وزوجي ممنوعٌ أيضًا، مع أنّه يحمل جواز سفرٍ بريطاني، لكونه ولد في فلسطين، ويحمل هوية غزة.

لا يملك الفلسطينيون في غزة أيَّ وسيلةٍ للسفر؛ فقد دُمّر المطار الوحيد، خلال غارة إسرائيلية في عام 2001، وأُغلقت الحدود البرية لمدة 11 عامًا، وتقيّد “إسرائيل” الوصول إلى البحر لصيد الأسماك، ناهيك عن السفر. وتابعتُ: “لقد لعبت بريطانيا دورًا رئيسًا في خلق هذا الظلم، وتخطط الحكومة للاحتفال به هذا العام”. اعتذرَ مني، وقد كنت أتوجه إليه بقولي لكي يتذكر الواقعَ في كلِّ مرةٍ يدقق فيها على جوازات سفر الركاب من رحلة تل أبيب.

الدور البريطاني الذي أشرت إليه، هو إعلان بلفور عام 1917، وهو رسالةٌ من وزير الخارجية آنذاك آرثر بلفور، التي أقرّت “إنشاء وطنٍ قوميّ للشعب اليهودي في فلسطين”. في الواقع، وعدت بريطانيا السكان اليهود، وهم يشكلّون أقلَّ من 10 في المئة من إجمالي سكان فلسطين في ذلك الوقت، بأرضٍ كانت بريطانيا تقاتل من أجل الاستيلاء عليها من العثمانيين.

لم يتطرق الإعلان الذي أقرّته الحكومة البريطانية -فيما بعد- إلى العرب الفلسطينيين الأصليين البالغ عددهم 730،000 نسمة الذين يشكلّون سكان فلسطين، سوى أنْ قالوا “لا يجوز القيام بأيّ شيءٍ قد يضرُّ بالحقوق المدنية، والدينية للطوائف غير اليهودية القائمة”. ولم يقتصر هذا الإعلان على تقليص السكان الأصليين للأرض إلى فئة “غير يهودية” فحسب، بل إنّه قللَّ أيضًا من الحقوق الوطنية المدنية، والدينية؛ وحرم الأغلبية الساحقة من سكان فلسطين من أيّ حقوقٍ وطنية أو سياسية.

تحتفل الحكومة البريطانية، هذا الأسبوع، رسميًا بمرور مئة عامٍ على وعد بلفور، بما وصفته رئيسة الوزراء تيريزا ماي بأنّه “مفخرة”. ولكن كوني في بريطانيا، بالنسبة إلي، في هذا الوقت كمن يشعر، وكأنّه يُصَمُّ من كثرة الضوضاء، بمناسبة حدثٍ تاريخي، كما لو أنَّ بلفور كان تاريخًا آخرًا تمامًا من الإمبراطورية البريطانية.

غير أنَّ الواقع هو أنّه ما يزال على قيد الحياة، وعلى ما يرام، وما يزال يؤثر تأثيرًا ضارًا في حياة الملايين من الفلسطينيين كلَّ يوم. ومع ذلك، فإنَّ النقاش المستمر في بريطانيا ضحلٌ وسطحيّ، وهو في كثيرٍ من الأحيان إعادةٌ مهينة للمناخ الذي ساد في عام 1917. نحن في “المجتمعات غير اليهودية القائمة” التي ما تزال حياتها المباشرة متأثرةً بالإعلان، تمامًا كما كانت في عام 1917، يتم إسكاتنا، وتهميشنا.

رفضَت الحكومة البريطانية جميع المطالب الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك الاعتراف بفلسطين، أو حتى الاعتذار عن بلفور. وعلى الرغم من أنني أعتقدُ أنَّ هذا الظلم التاريخي، وتداعياته، الذي أدى إلى الاحتلال المستمر لفلسطين، لنْ يُحَلَّ ببساطةٍ بإعادة حقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين، ومع ذلك أودُّ أنْ أسأل ما يلي: كعضوٍ في “مجتمعات غير يهودية في فلسطين”، لِمن أتقدم بطلب للحصول على “حقوقي المدنية والدينية” في بريطانيا الآن؟

 

اسم المادة الأصليThe Balfour declaration isn’t history, it’s an everyday reality for Palestinians
الكاتبياسمين الخضري، Yasmeen el Khoudary
مكان النشر وتاريخهالغارديان، 2017/The guardian، 01/11
رابط المقالةhttps://www.theguardian.com/commentisfree/2017/nov/01/balfour-declaration-palestinian-arabs-palestine
عدد الكلمات660
ترجمةأحمد عيشة

 

مقالات ذات صلة

إغلاق