صدر قبل أيام، عن دار أوراق- القاهرة، كتاب جديد بعنوان (استعادة قابيل: صياغات جديدة للوعي والأدب والفن) للكاتب السوري إبراهيم اليوسف. افتتح الكاتب كتابَه بعبارة: “لا تدع رأسك مجندلة فوق دم أخيك. في مكنتك، أن تتابع الصوت مدى صورة أو صدى”. يأتي الكتاب كامتداد لكتابه السابق (مخاض المصطلح الجديد: استشرافات على عتبة التحول) الذي صدر عن جريدة الرياض- السعودية 2016، وتناول فيه مدى تأثير التحولات الهائلة التي تتم في عالم التكنولوجيا وثورة الاتصالات، على الوعي والأدب والفن.
في كتابه الجديد الذي جاء في 194 صفحة من القطع الوسط، ينطلق المؤلف من واقع اندلاع ثورات الربيع في المنطقة، وقد تم خلالها استعادة “قابيل”، كرمز قتل الإنسان لأخيه المتطلع للحرية، ليرصد حالة الخراب الروحي التي تمت، ومدى درجة انعكاس حالة الحرب على الكتابة، لا سيما في مكانه كسوري؛ إذ راح يقدم رؤى أولية تتعلق بتحولات الكتابة، في ظل ثورات المنطقة وما تلاها.
من خلال قراءة فصول الكتاب؛ يتبين أنها قد كتبت في السنوات الثلاث الأولى من عمر الثورة السورية؛ إذ ما تزال جذوة التفاؤل مشتعلة، ولسان حاله ما ورد في مقدمته للكتاب، والتي جاءت بعنوان “كما مقدمة لا تتأخر”: أجل. ثمة ما يتغير من حولنا، ثمة ما يتغير إلى تلك الدرجة التي يكاد فيها شيءٌ ما لا يشبه نفسه قبل دخوله معادلة الثورة، بعيدًا عن المرتبة المستحقة، في فضاءيها المتناقضين، على محوري الجمال والقبح، وإن تواصلا عبر خيط وهمي، من خلال عين راصدة ما، بما يرفضه الواقع، ويرفضه الفن والإبداع، قبل أن يتطهر، ويستعاد، بطريقة ما، وهو أمر آخر، لا مكان لتقويمه هنا الآن.
إذًا، سمة الـ (لا ثبات) هي التي تخضع لها دورة الحياة في مداها الشاسع. وقد بدت لنا في أوجها، بُعيْد هذه التحولات الهائلة؛ كي نكون على بوابة تحولات من نوع آخر، تحولات لا واقعية فحسب، لا معيشية فحسب، إنما تحولات فنية، في نبرة صوت أي منا: كآبة أو تفاؤلًا. حزنًا أو فرحًا، كابوسًا أو حزنًا، بل أغنية أو فيلمًا سينمائيًا، أو صورة فوتوغرافية، أو قطعة موسيقية، أو سردًا، أو شعرًا، أو ضحكة أو ابتسامة.
كل شيء -الآن- في طور التغيير. لا شيء مطمئن إلى هيكليته البتة، وهو ما يرتب على كواهلنا أن نستقرئ هذا التغيير، في كل التفاصيل التي نستقرئها، ونستنطقها، لأننا أمام سنة لا مناص منها. ولا مكان لاستنساخ الأشياء، وإن كان القاتل في لحظة وهمه، يستعيد كل ما أوتي السابق عليه من فتك، وبطش، أو دمار، وذلك لأنه لن يبقى إلا أداة في مختبر كيمياء الزمن وفيزيائه!
“لا أحد إذن يستعيد (قابيل) الأسطورة، في قابليته، وقابيليته، إلا الأسطورة في الدواخل، وهي تستدرجه إلى حقل الجغرافيا ونبع الدم، من دون أن يجرؤ إلا أن يكون مجرد ممثل جديد، مشلول القوة، أمام هدير الحراك، وهو يحوّل معجم الحياة والفن -على حد سواء- إلى ساحة حبر كبرى، ما زلنا نقف في حضرتها ضحايا، عاجزين، في انتظار لحظة الخلق التي تنتج من مزاوجة الرؤى والواقع. الحياة والإبداع، الحلم والفعل، كما يليق ببشر أسوياء ندعي أننا نحن من نجسدهم، في أدوارنا الجديدة التي لما نبدأها بعد”.
على امتداد 194 صفحة من الكتاب يشير الكاتب إلى أن جنسًا أدبيًا باتت ملامحه تظهر للعيان، في ظل هيمنة الصورة الإلكترونية، وأن أدب ما قبل هذه التحولات لن يكون أدب ما بعدها.
الجدير بالذكر أن إبراهيم اليوسف شاعر سوري مقيم في ألمانيا، بعد أن انتقل إليها من دولة الإمارات العربية؛ حيث كان يعمل في جريدة (الخليج)، وقد صدرت له بعد استقراره مجموعة أعمال نقدية وشعرية وسردية.
لوحة الغلاف للفنان رشيد حسو. تصميم الغلاف للفنان محمود حسو.