مقالات الرأي

الاتفاق السري المثير للجدل لـ “قوات سورية الديمقراطية” وإخلاء الرقة من “داعش”

في السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2017، استعادت “قوات سورية الديمقراطية/ قسد” الكردية، المدعومة من الولايات المتحدة، مدينةَ الرقة، بعد هزيمتها تنظيم “داعش” بصورة أساسية. وكانت الجماعة الإرهابية تُسيطر على المدينة منذ عام 2014، وقد أُعلنت أنّها عاصمة بحكم الأمر الواقع لما يُسمى بـ “الخلافة”. احتُفل بهذا “النصر”، في جميع أنحاء العالم، باعتباره هزيمةً لواحدةٍ من أخطر الجماعات الإرهابية في العالم، إضافة إلى ما قد يعدّ تقدمًا في ملف الصراع السوري.

ومع ذلك، لم يكن هذا “الانتصار” سهلًا كما بدا. بعد أربعة أشهر من القتال، بين “قسد” و”داعش”؛ استقرت المدينة كليًا مع قتل جميع مواطنيها تقريبًا أو نزوحهم. ولذلك، ومن أجل إنقاذ من تبقى من الأحياء، مع استمرار السعي في استعادة كامل المدينة، قررت “قسد” الاتفاق سرًا مع الجماعة الإرهابية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لإبقاء الصفقة قيد الكتمان عن الرأي العام، فإنّ “هيئة الإذاعة البريطانية/ BBC” كشفَتْ المخطط؛ ما يشير إلى أنّ عملية فرار مئات من مقاتلي “داعش”، بالحافلات، مع أسرهم وأسلحتهم من الرقة، جرت بمساعدة وتنظيم “قسد”. وكشف أحد سائقي الحافلات المكلفة بعملية الإخلاء، أنّ القافلة تضمنت 50 شاحنة و13 حافلة وأكثر من 100 مركبة تابعة للمجموعات المسلحة. وشملت أيضًا عددًا كبيرًا من المقاتلين الأجانب الفارين، بهدف إكمال مهمتهم العابرة للحدود خارج الرقة هذه المرة. وفي السياق ذاته، اعترف التحالف الدولي ضدّ تنظيم “داعش”، في وقت لاحق، بأنّ أكثر من 250 مقاتلًا هربوا من الرقة برفقة 3500 من أفراد أُسرهم، مع عدد من الشاحنات المدفعية والذخائر والأسلحة الثقيلة الأخرى.

على الرغم من السماح لـ “قسد” باستعادة السيطرة على مدينة الرقة، فإنّ صفقة الإخلاء تثير مخاوف خطيرة. أولًا، لم يتمّ نقل رهائن “داعش” والمعتقلين لديه، إلى “قسد”. وهذا مؤشرٌ لأحد الاحتمالين؛ إمّا أن السجناء والمحتجزين أُعدموا ودُفنوا تحت أنقاض المدينة المدمرة، أو أنهم أُخذوا بالقافلة. وفي كلتا الحالتين، تركت “قسد” مصير حياة المحتجزين والموقوفين، من دون توضيح أو تبرير. يقول حايد حايد، وهو صحافي وباحث سوري في (شاتام هاوس)، إنّ ابن عمه اختُطف واحتُجز لدى “داعش” في الرقة. ولم يسمع عنه شيئًا منذ إعادة السيطرة على المدينة. ما يزال حايد، مثل العديد من الأسر الأخرى، في انتظار أخبارٍ عن أقاربهم المحتجزين. هذه المخاوف ليست بجديدة، لأنّ تنظيم “داعش” مشهور بتعذيب سجنائه وبقيامه بإعدامات خارجة عن نطاق القانون. وما تزال الأرقام الدقيقة للمحتجزين غير واضحة. ومع ذلك، كشفت بعض الشهادات أنّ مقاتلي “داعش” أصرّوا على أخذ أسرهم معهم لاستخدامهم كدروع بشرية. الأمر الذي يؤكّد صحة هذه الشهادات هو الأعداد الكبيرة من المدنيين التي رافقت قافلة إجلاء عناصر “داعش”؛ ما يشير إلى إشكالية أخلاقية كبيرة، نظرًا إلى أن صفقة الإجلاء كان من المفترض أن تنقذ الأرواح البشرية، ولكن يبدو أنّ استعادة الأراضي كان لها الأولوية عند “قسد”، لذلك جرى تجاهل أرواح المدنيين من الأهالي، وتُركوا عمدًا لرحمة “داعش”.

وعلاوةً على ذلك، تمكّنت أعداد كبيرة، من المقاتلين الأجانب الذين سمح لهم بالفرار من الرقة دون معوقات، من مغادرة سورية. ووفقًا للشهادات، يحاول بعض المقاتلين الأجانب العودة إلى أوطانهم، لتنظيم هجمات إرهابية هناك. أمّا بقية المقاتلين السوريين والأجانب فينتشرون عبر سورية والمنطقة، ويواصلون حكمهم الإرهابي. لم يُثبت هذا في سيناء فحسب، بل في الهجمات المضادة الأخيرة ضدّ قوات النظام في دير الزور أيضًا، مع عدم ملاحظة عنف شبيه تجاه “قسد”.

من الواضح أنّ الاتفاق يعرقل أيّ آمال في تحقيق العدالة والمساءلة ضدّ هؤلاء المقاتلين، الذين سمح لهم بالتصرف بحرية، بعد ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية. إنّ الانتصار على “داعش” ليس مجرد مسألة استعادة أراضي فحسب، بل يجب إيلاء الاهتمام لاعتقال هؤلاء المقاتلين، ومحاسبتهم قضائيًا على أفعالهم الشنيعة، وكذلك التأكّد من عدم مواصلة حملاتهم في أماكن أخرى في العالم.

في الختام، يمكن للمرء أن يسأل: أكانت إعادة السيطرة على الرقة في واقع الأمر انتصارًا كاملًا أم أنّ الميليشيات المسلحة، مثل “قوات سورية الديمقراطية”، استخدمت “داعش”، من أجل مصالحها السياسية الخاصة. ويبدو أنًّ الانتصار على الرقة كان حاسمًا من الناحية السياسية لـ “قسد”، ونظّموا ذلك مع الأسف على حساب حياة الرهائن والمحتجزين لدى “داعش”، وعلى آمال العدالة المحاسبة. إنّ معتقلي “داعش” يستحقون التحرر من التعذيب والممارسات اللّاإنسانية التي يتعرضون لها على أيادي الجماعة الإرهابية، وإن لم يكن الأمر كذلك، فلماذا إذًا التركيز على هزيمة “داعش”؟ إنّ إخفاق “قسد” بتحرير الرهائن ساهم بصورة غير مباشرة في انتهاك المبادئ الأساسية للقانون الدولي، لأنّها فشلت في منع وقوع هذه الجرائم لمحتجزين “داعش”. ما يشير إلى أنّ “داعش” ليست سوى أداة سياسية جاهزة لاستخدامها من قبل “قسد”، لتدعيم تمويلها ودعمها من قبل الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين الآخرين، وبخاصة في ضوء المخطط الكردي المستقبلي في تحصيل حكم ذاتي لهم في البلاد.

لذلك، فإنّ استعادة الرقة يُمكن أن تكون انتصارًا إقليميًا، حينما تُدمَّر “الخلافة”. وعلى أي حال فشلت “قسد” في تحقيق الشق الثاني لمكافحة الإرهاب، حين ساعدت مقاتلي “داعش” للفرار بأسلحتهم من الحرب، لمواصلة نشر الرعب في أماكن أخرى. من المحزن أنّه لا يُمكن التفاوض على الأيديولوجية بسهولة في المنطقة بعد.

 

اسم المقالة الأصليThe Controversies within the Secretive Syrian Democratic Forces and Daesh Evacuation Deal in Raqqa
الكاتب                     إيما كابرول / Emma Cabrol
المصدرمركز حرمون للدراسات المعاصرة، برنامج الباحثين الزائرين الدوليين
ترجمةوحدة الترجمة والتعريب

 

مقالات ذات صلة

إغلاق