ترجمات

مجلة الإيكونوميست: إنقاذ الرئيس الأسد فلاديمير بوتين يلف جولة النصر في الشرق الأوسط

 

قد تكون أفعال روسيا في الشرق الأوسط موجهة لجمهور محلي.

 

حتى أكثر معارضي بشار الأسد صمودًا قد شعر بالازدراء من جراء التجاهل، فقد قام فلاديمير بوتين، بتاريخ 11 كانون الثاني/ ديسمبر 2017، بزيارة مفاجئة إلى قاعدة حميميم الجوية في سورية، التي كانت قد انطلقت منها حملة قصف القوات الجوية الروسية للثوار السوريين عام 2015. وبعد ذلك التاريخ بسنتين، تحققت معظم أهداف السيد بوتين؛ حيث إن قواعد روسيا العسكرية في الشرق الأوسط آمنة، وقد فشلت محاولات الغرب لعزل روسيا، وبقي السيد الأسد رئيسًا لسورية؛ ليتوقف بذلك ما رآه الكرملين موجةً مدعومةً من أميركا لتغيير الأنظمة. ولكن عندما حاول السيد الأسد الانضمام لفرصة التقاط الصورة، أمسك ضابط روسي بذراعه، ومنعه من التقدم. قد تكون القاعدة موجودة على أرض سورية، ولكنها مضمار روسي، وسيقود السيد بوتين مرحلة النصر.

من سورية، طار السيد بوتين إلى مصر لعقد محادثات مع رئيسها: عبد الفتاح السيسي، حيث اتفق الرئيسان على استئناف الرحلات الجوية بين بلديهما التي توقفت بعد تعرض طائرة روسية للقصف فوق سيناء في عام 2015. كما أحرزا تقدمًا في اتفاق بقيمة 21 مليار دولار تشيد روسيا بموجبه محطة طاقة نووية، في ساحل مصر الشمالي، إضافة إلى نقاشهما خلال الأسابيع الأخيرة حول السماح للطائرات الحربية الروسية باستخدام المهابط الجوية المصرية. أنهى بعدها الرئيس الروسي جولته في تركيا، حيث أعلن نظيره التركي: رجب طيب أردوغان، عن التقدم في صفقة لشراء نظام دفاع جوي روسي.

كان الكثير مما سبق أمرًا غير وارد قبل سنوات قليلة؛ فتركيا عضو في الناتو، ومصر حليف قريب من الولايات المتحدة منذ السبعينيات. ولكن كالعديد من جيرانهم، يُغيظ البلدين غيابُ قيادة أميركية في الشرق الأوسط، فعدا عن قتال جهاديي “تنظيم الدولة الإسلامية”، لا يُظهر الرئيس دونالد ترامب إلا القليل من الاهتمام في سورية؛ ولذلك دارت تركيا باتجاه القوة الجديدة في المنطقة، حتى إن السيد أردوغان، الذي كان فيما سبق أحد أشدّ معارضي النظام السوري، بات يقبل الآن بقاءَ السيد الأسد في السلطة. كما أنه غاضب أيضًا من الدعم الأميركي، الذي بدأ في عهد باراك أوباما، للمقاتلين الأكراد في سورية الممتلكين لصلات مع مقاتلين في بلده. وتعرف مصر، التي طالما كانت شريكًا شائكًا لأميركا، بأن روسيا لن تعاقبها على اضطهاد المعارضين والديمقراطيين، كما فعلت أميركا في شهر آب/ أغسطس، عندما قطعت بعض المساعدات.

قامت روسيا مؤخرًا بنشاطات غير معتادة، بخصوص الصراع العربي الإسرائيلي. فعلى الرغم من كونها جزءًا من “اللجنة الرباعية”، كانت روسيا العضو الأقل نشاطًا فيها. مع ذلك، عرض السيد بوتين، العام الماضي، استضافةَ جولة محادثات، ودان من أنقرة قرارَ السيد ترامب الاعتراف بالقدس “عاصمة لإسرائيل”. ليس لتلك الإشكالية أهمية استراتيجية بالنسبة إليه؛ حيث تمتلك روسيا مسبقًا علاقات وثيقة مع “إسرائيل”، أما الفلسطينيون عديمو الدولة فلا يقدمون شيئًا، ولكنها كانت فرصة أخرى أمام السيد بوتين، لتوجيه الاتهام لأميركا.

قد يكنّ السيد بوتين اعتبارًا للجمهور المحلي، إذ يقدّر الروس سياسةَ الرئيس الخارجية الحازمة التي كان الشرق الأوسط مسرحًا مركزيًا لها، ولكن لم تولّد الحرب السورية إلا القليل من الحماس في الداخل، ويفضل معظم الروس رؤيتها منتهية. قال السيد بوتين في سورية إنه سيبدأ بسحب القوات، وينظر البعض إلى لحظة “إتمام المهمة” تلك، كخطوة افتتاحية في حملة إعادة انتخابه. لا مجال للشك في نجاحه، في انتخابات الربيع المقبل، ولكن يخشى الكرملين من ضعف الإقبال عليها.

في ظل الأداء الضعيف والمتذبذب للاقتصاد الروسي، يمنح الشرق الأوسط أيضًا سوقًا مربحة. تستثمر (روزنفت) شركة النفط العملاقة التي تديرها الدولة، أكثر من مليار دولار في البنية التحتية في كردستان العراق، كما يعتبر العقد النووي في مصر واحدًا من بين عدة عقود في المنطقة؛ إذ وقعت كل من الأردن وتركيا عقودًا مع روسيا، لبناء محطات. كانت الحملة في سورية استعراضًا لعدة روسيا العسكرية، وربما كانت تندرج ضمن خطة لعمليات مستقبلية في مكان آخر. أظهر التحريك عديم الرحمة لسلاح جوي حديث إمكانات فعالة لتغيير الوقائع على الأرض، كما ساعد استخدام شركات عسكرية شبه خاصة كقوات هجومية، في إبقاء الخسائر البشرية الروسية بمنأى عن الرأي العام.

يعدّ الحديث عن روسيا، بوصفها القوة الإقليمية العظمى الجديدة، مبالغًا فيه؛ إذ لا يعتبر الانتصار في سورية مدويًا؛ فالسيد الأسد هو قائد منهك على بلدٍ مدمر. كما حاولت روسيا حتى الآن أن تلعب على كل الجهات، كالعمل بشكل وثيق مع إيران في الوقت الذي كانت تعمّق فيه صلاتها مع ألد أعدائها: المملكة العربية السعودية. ستؤدي تلك العلاقات حتمًا إلى صراع؛ فـ “إسرائيل”، على سبيل المثال، تستشيط غضبًا من رفض روسيا تقييد الميليشيات الإيرانية في سورية؛ أما مصر فهي تستفيد من مساعدة أميركية مقدراها مليار دولار أميركي سنويًا، ولكنها إن سمحت للطيارين الروس بالتجول في قواعدها الجوية، فقد تخاطر بخسارة الحصول على أسلحة وخدمات استخباراتية أميركية متقدمة.

لا تُعدّ روسيا الدولة الوحيدة التي تحاول ملء الفراغ الذي خلفته أميركا، حيث ساعد إمانيويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، الشهر الماضي، في نزع فتيل أزمة سياسية في لبنان، كما اتخذ موقفًا رافضًا لقرار ترامب المتعلق بالقدس. وها هو محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، يستعرض عضلاته في اليمن وما وراءها. قد يكون لنزهة بوتين المتوسطية دور مساعد له في بلاده، حيث لا يواجه تحديات حقيقية، ولكن لقد بدأ الشرق الأوسط بالازدحام.

 

العنوان الأصليVladimir Putin takes a victory lap in the Middle East
الكاتبهيئة التحرير في الإيكونومست
المصدرمجلة الإيكونومست The Economist
الرابطhttps://www.economist.com/news/middle-east-and-africa/21732542-russias-actions-middle-east-may-be-aimed-domestic-audience-vladimir
المترجمأنس عيسى

 

Author

مقالات ذات صلة

إغلاق