مقالات الرأي

على المجتمع الدولي ألّا يقع في فخ انتخابات عام 2021

أعلن فلاديمير بوتين انسحاب القوات الروسية على نحو جزئي من سورية، بعد أن نجح التدخل الروسي في عام 2015 في إنقاذ النظام المنهار، وتحويل مسار الحرب لصالح بشار الأسد. يتقدم جيش الأسد، ويستولي على أراضي جديدة، في حين لم تعد المعارضة العسكرية، المقسمة وغير المدعومة، تمثل تهديدًا له (الأسد) بعد الآن.

في خضم هذا السيناريو المتغير؛ يُقبل المجتمع الدولي أيضًا على حافة تحول كبير، حتى الدول الغربية التي دأبت دائمًا على تغيير النظام، تبدو الآن أكثر انفتاحًا على بقاء بشار الأسد في السلطة. وبحسب مسؤولين في البيت الأبيض، فإنّ ترامب سيكون مستعدًا لقبول الأسد حتى الجولة المقبلة من الانتخابات الرئاسية في سورية، المقرر إجراؤها في 2021. وتعرّضت اللجنة العليا للمفاوضات لضغوط كبيرة، داخليًا ودوليًا، لتخفيف مطالبها في جنيف، بخاصة في ما يتعلق بأكثر القضايا المثيرة للجدل: مستقبل الأسد. أبلغ المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية: ستيفان دي ميستورا، المعارضةَ السورية بأنّ عليها القبول بأنّ رحيل الأسد لن يتحقق إلّا من خلال الانتخابات. وعلى الرغم من عدم وجود موقف رسمي بهذا المعنى، حتى الآن، فإنّ السيناريو يقترب من الصدقية مع تتابع الحوادث.

ويبدو أنّ هذا الموقف المتغير جاء بعد تقييم عملي للصراع، وانطلاقًا من الافتراض الواقع بأنّ الأسد لن يُجبَر على الخروج من السلطة، لذا يمكن للمجتمع الدولي أن يحاول التأثير في العملية الانتخابية 2021، من خلال اشتراط مجموعة من الطلبات من الأسد، وذلك في مقابل القبول الدولي، مثل ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة متعددة الأحزاب، بإشراف مراقبين دوليين.

ومع ذلك، فإنّ هذا الموقف مبنيٌّ على أسس هشة؛ إذا كان المجتمع الدولي يعتقد أنّ أي خطوات نحو الديمقراطية يُمكن اتخاذها في مرحلة بقاء الأسد في السلطة. لقد أثبت الأسد بالفعل أنّه مستعدٌّ للقيام بأيّ شيء، بما في ذلك إبادة مئات الآلاف من السوريين، من أجل استمراره في السلطة. حتى إذا سمح الأسد للمجتمع الدولي بإرسال مراقبين دوليين لمراقبة الانتخابات، فإنّ هذه الانتخابات لن تكون ذات صدقية، ولن تكون حرة ونزيهة. فالانتخابات العادلة تتطلب شروطًا لتحقيقها، مثل الاستقرار وحرية الرأي والتعبير، ولن يتوفر مناخ سياسي ديمقراطي عمومًا؛ إذا ما استمرت الأسرة التي تسيطر على سورية بقبضة حديدية، منذ أكثر من 40 عامًا، في الحكم. سيكون الأسد قادرًا على الفوز في الانتخابات حتى من دون عنف، بعدما هرب أكثر من 5 ملايين سوري من البلاد، ولم يبق لهم مدنٌ يعودون إليها، كما أنّ معظم شخصيات المعارضة إمّا قُتلت أو سُجنت أو نُفيت من البلاد. وإضافة إلى ذلك، فإنّ معظم السوريين أُنهِكوا من العنف، وربّما يصوت كثير منهم للأسد، ليس لأنّهم يدعمونه، بل خوفًا من تبعات عدم التصويت.

يعيد هذا السيناريو إلى أذهاننا الانتخابات الليبيرية في عام 1997، حيث فاز أمير الحرب السابق: تشارلز تايلور، بأغلبية ساحقة في انتخاباتٍ “حرة ونزيهة”. أُعلنت الانتخابات بعد وقف إطلاق النار، الذي أنهى الحرب الأهلية الليبيرية الأولى (1989-1996). صوّت معظم الليبيريين لصالح تايلور؛ لأنهم خشوا من أنّه يُمكن أن يُعيد بدء الحرب من جديد، في حال هزيمته. كانت أحد الشعارات الرمزية المرفوعة، في أثناء حملة تايلور: “قتَل أمي، قتَل أبي ولكنني سأصوّت له على أي حال”. في هذا السياق، لم تكن الانتخابات تُمثِّل تحولًا ديمقراطيًا في البلاد، بل كانت توطيدًا لقوة تايلور. وضعت الانتخابات أساسًا هشًا للسلام، فبعد عامين فقط، اندلعت الحرب الأهلية الليبيرية الثانية. استقال تشارلز تايلور في عام 2003، وهرب إلى نيجيريا، بعد الضغط الداخلي والدولي المتنامي ضدّه، بخاصة بعد أن وجَّهت المحكمة الخاصة لسيراليون تهمة ارتكاب جرائم حرب له.

لا يُمكن للانتخابات وحدها -وإن كانت حرة ونزيهة- أن تُمثِّل تحوّلًا نحو السلام والديمقراطية، إذا لم تكن مدعومة بشروط مسبقة. سيفوز الأسد في عام 2021، أيًّا كانت مطالب المجتمع الدولي، بل يمكن للأسد أن يُحقق فعلًا انتخابات “حرة ونزيهة”، وبمشاركة عدة أحزاب. في 2016 جرت انتخابات بمشاركة أحزاب متعددة، وحينها فازت “الجبهة الوطنية التقدمية”، بقيادة حزب البعث، بـ 200 من المقاعد الـ 250 المتاحة. وفي عام 2014 فاز الأسد بانتخابات رئاسية صارمة و”تنافسية”، بنسبة 88.7 بالمئة من الأصوات.

إنّ دعم المجتمع الدولي لعملية انتخابية في عام 2021 لن يُحقق أيّ تحسن ديمقراطي في سورية. سيفوز الأسد، وفي اليوم التالي سيواصل حكم البلاد التي يعدّها ملكية خاصة، بالطريقة نفسها التي كان يدير بها والده البلاد دائمًا، وسيسحق كلّ من يُشكّل تهديدًا لسلطته. إنّ ما يقدّمه المجتمع الدولي، بعملية دعم الانتخابات الرئاسية، على عكس المرتجى، هو تعزيز قوة الأسد؛ وإعادة تأهيله دوليًا، ناهيك عن تخفيف العقوبات الاقتصادية، وتزويده بالأموال لمشاريع إعادة الإعمار.

الاعتراف بالواقع أمرٌ مهمٌ، لن يخسر الأسد في ساحة المعركة. ويجب الاعتراف أيضًا بأنّه لن يكون هناك سلامٌ دائمٌ في سورية، طالما سيُعاد تنصيب “ملك” دمشق على العرش مجددًا. وعوضًا عن التغاضي عن وحشية نظام الأسد، ومحاولة إضفاء الشرعية على حكمه، يجب على المجتمع الدولي أن يزيد الضغط الاقتصادي والسياسي عليه، والعمل على إيجاد حل توافقي مع روسيا، لإنهاء دعمها للديكتاتور السوري، والعمل على دعم تكوين جسم معارض سياسي موثوق وموحّد. لم يخسر الأسد في الحرب بعدُ، لذا يجب منعه من كسب “السلام” المرتقب.

 

العنوان الأصليThe international community must not fall into the 2021 election’s trap
الكاتبلورينزو باريلا-Lorenzo Barella
المصدرمركز حرمون للدراسات المعاصرة، برنامج الباحثين الزائرين الدوليين
المترجموحدة الترجمة والتعريب

مقالات ذات صلة

إغلاق