تحقيقات وتقارير سياسية

مربع في رقعة الشطرنج الإيرانية: مهاجرون أفغان جُندوا للقتال في سورية

 

لطالما اتّخذ بشار الأسد موقفًا معاديًا، تجاه الوكلاء الأجانب المتآمرين لإطاحته من السلطة، إلّا أنّ نظامه الوحشي المتهالك نتيجة الانشقاقات، صمد إلى حد بعيد، بسبب الأجانب أيضًا. ومن بين هؤلاء، يُمثّل الأفغان إحدى المجموعات الرئيسة للمقاتلين الأجانب في سورية. تجنّدهم إيران للقتال إلى جانب النظام السوري. أنشأ “الحرس الثوري” الإيراني تقسيمًا أفغانيًا خاصًا للقتال في سورية، وهو “حركة فاطميون”. ووفقًا لعدد من التقارير، فإنّ عدد الأفغان المقاتلين في سورية يصل إلى 14 ألفًا. كشفت منظمة (هيومن رايتس ووتش)، أنّه لوحظ أيضًا، في صفوف المقاتلين، وجود أطفال تقل أعمارهم عن أربعة عشر عامًا.

لكي نفهم سبب انخراط الكثير من الأفغان في حربٍ لا علاقة لهم بها، من الضروري رصد الظروف المروعة للاجئين والمهاجرين الأفغان في إيران. انتقل ما يقرب من 3 ملايين أفغاني إلى إيران في العقود الأخيرة، هاربين من دوامة العنف والفقر في بلادهم. سُجّل قانونيًا 950 ألفًا منهم فقط، أمّا بقية الأفغان الموجودين في إيران فهم غير موثّقين ضمن السجلات الرسمية، يعيشون في ظروف قاسية، يرافقها خوف مستمر من الترحيل. تدهورت حالة الأفغان في إيران في العقد الأخير، سواء بالنسبة إلى الأجانب المسجلين أو غير المسجلين منهم؛ فالعقبات البيروقراطية جعلت عملية الحصول على تصريح إقامة أكثر تعقيدًا وتكلفةً. ونتيجة لذلك فقَد العديد من اللاجئين تصاريح إقامتهم القانونية. ومن ناحية أخرى، أصبح طلب اللجوء بالنسبة إلى القادمين الجدد أمرًا مستحيلًا. وإضافة إلى ذلك، جرى تقييد إمكانية الحصول على المعونات الإنسانية والخدمات الاجتماعية؛ وازدادت في المقابل حالات الاعتقال والاحتجاز التعسفي، والإساءات، وانعدام العدالة في حياة الأفغان في إيران.

ضمن هذه المعطيات والظروف القاسية، وجَد “الحرس الثوري” الأرضَ الخصبة لعمليات التجنيد الجديدة. وفي بعض الحالات الموثّقة من قبل منظمات غير حكومية معنية بحقوق الإنسان، أُجبر الأفغان على الانضمام إلى الجيش، تحت ضغط التهديد بالترحيل إلى أفغانستان. وفي حالات أخرى، قرّر المهاجرون الأفغان “طوعًا” ارتداء الزي الرسمي، منجذبين نحو الحوافز المُقدَّمة من قبل الدولة الإيرانية: راتب عال (نحو 800 دولار شهريًا، ما يُعد أعلى بكثير من متوسط الراتب الذي يمكن للأفغاني أن يأمله في إيران) وتصريح إقامة. فالفقر والإساءات والتهميش والخوف المستمر من الترحيل لا يمكن أن يكون إلا جزءًا من ماضيهم، وهو الدافع الكامن وراء تدافع الأفغان إلى الانضمام لحركة (فاطميون).

الدين والإيمان يقدّمان سببًا مهمًا آخر للقتال في سورية. إنّ معظم الأفغان المجندين هم من الطائفة الشيعية ويرون أنّ الأزمة السورية هي صراع بين الشيعة والمتطرفين السنة، مثل تنظيم (داعش). وبالنسبة إلى هؤلاء الأفغان، فإنّ القتال إلى جانب النظام السوري يعني الدفاع عن العديد من الأضرحة الشيعية الموجودة في سورية، وخصوصًا مقام السيدة زينب في دمشق، حفيدة النبي محمد.

الإكراه، الظروف الاقتصادية والاجتماعية، والإيمان هي أسباب تجتمع لتكون الدافع للمهاجرين الأفغان المهمشين، إلى البحث عن الفداء وإمكانية مستقبل أفضل يلاقونه في الساحة السورية. إنّ هؤلاء المقاتلين الأجانب، والذين غالبًا ما يكونون أُميين، لا يدركون تمامًا حقيقة الصراع السوري، بسبب ضغط آلة الدعاية الإيرانية. يعتقد أحد المجندين، الذي قابلته صحيفة (نيويورك تايمز)، أنّ الصراع اندلع بعد نزاع بين (جبهة النصرة) الإرهابية وقوات بشار الأسد، حول مسجد أرادت “النصرة” تدميره واستبداله بمتجر.

وبصرف النظر عن المهاجرين الأفغان في إيران، يبدو أنّ طهران تبحث عن مجندين مباشرةً من أفغانستان. وقد كشف تحقيق في صحيفة (الغارديان) عن كيفية استخدام السلطات الإيرانية الوسطاء في أفغانستان، لربط المجندين المحتملين بالسفارة الإيرانية في كابول. الأهداف دائمًا هي نفسها: الفقراء، المهمشون المضطهدون الشيعة. أيضًا في هذه الحالة، يكون المقابل راتبًا مرتفعًا، ووعودًا بالحصول على تصريح إقامة في إيران.

يبدو أنّ حياة الجنود الأفغان أقل قيمة من حياة الإيرانيين في ساحات المعارك. أشارت العديد من التقارير إلى أنّ الأفغان يُرسلون إلى أخطر الجبهات والمهمات، كإرسالهم بمواجهة خطوط محصنة من قبل العدو بأسلحة خفيفة، وبلا أي دعم مدفعي أو جوي لهم. ومن بعدها، تُرسل جثث الجنود الأفغان المقتولين في سورية إلى إيران، ليجري تكريمهم في الشوارع وسط مراسم تكريم رسمية. في المقابل يجري تعتيم على عدد الضحايا الإيرانيين على حساب الضحايا الأفغان، ويعود ذلك -على الأرجح- إلى سهولة تقبل الإيرانيين الخسائر الأفغانية، عن أولئك الإيرانيين.

كان تدخل إيران في سورية ضروريًا، لإنقاذ نظام الأسد المنهار، والجنود الأفغان لعبوا دورًا أساسيًا في الصراع. استُغلت ظروفهم القاسية وإيمانهم المضلَّل في إنقاذ نظامٍ وحشي حكم الشعب السوري طوال عقود. والتاريخ مليءٌ بأمثلة عن تحويل الناس المضطهدين إلى أدوات قمع في أيدي مضطهديهم.

 

اسم المقالة الأصليPieces in the Iranian Chessboard: Afghani migrants recruited to fight in Syria
الكاتب                       لورينزو باريلّا / Lorenzo Barella
المصدرمركز حرمون للدراسات المعاصرة، برنامج الباحثين الزائرين الدوليين
ترجمةوحدة الترجمة والتعريب

 

مقالات ذات صلة

إغلاق