ترجمات

بوليتيكو: لدى ترامب خطط كبيرة لسورية لكنه لا يملك استراتيجية حقيقية

 

القليل لاحظوا فقط، خلال الهيجان المعتاد الذي أحدثه الرئيس دونالد ترامب، أن الولايات المتحدة الآن ملتزمة بالبقاء في سورية مدة طويلة، مع عواقب غير متوقعة لدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط المضطرب والخطير.

وكان وزير الخارجية ريكس تيلرسون قد وضَع، في خطابٍ ألقاه في 18 كانون الثاني/ يناير، ولم يحصل على تغطية كبيرة بشكل صادم نظرًا إلى المخاطر التي ينطوي عليها، ما وصفه “بالطريق إلى الأمام للولايات المتحدة في سورية”. وعلى افتراض أنه يتحدث باسم الرئيس، أوضح تيلرسون خمسة أهداف جديرة بالثناء، ستحقق مصالح أمن وطنية أميركية كبيرة: أولًا القضاء على تنظيم (داعش) والقاعدة وأي تهديد إرهابي للولايات المتحدة في الداخل أو في الخارج بشكل كامل. ثانيًا حل الصراع بشكل واسع في سورية، من خلال عملية سياسية بقيادة الأمم المتحدة تضمن رحيل الرئيس بشار الأسد. ثالثًا تقليص النفوذ الإيراني. رابعًا العودة الآمنة والطوعية للاجئين والمشردين داخليًا. وخامسًا ضمان عدم وجود أسلحة دمار شامل في سورية. وبشكل عام، هذا يعكس تمامًا السياسية التي وضعتها إدارة أوباما بشكل علني تجاه سورية.

بالنسبة إلى العديد من المسؤولين السابقين في إدارة أوباما، فإن تعاملهم مع سورية هو حكاية مأساة وإحباط أو قصة فرص ضائعة وصفقات لم تتم، وكوارث لم يتم تجنبها. ولكن هل يمكن أن ينتهي نهج ترامب بشكل مختلف؟ بعد كل شيء، أوضح تيلرسون أن هذه المرة، حتى بعد الاقتراب من القضاء على (داعش)، فإن الولايات المتحدة “ستحافظ على وجود عسكري لها في سورية”. ومن التصريحات التي أثارت استغراب بعض مراقبي الشرق الأوسط، قوله: “من المهم بالنسبة إلى الولايات المتحدة أن تواصل عملها في سورية؛ لأن الانسحاب الكامل للموظفين الأميركيين في هذا الوقت سيعيد تقوية الأسد، ليواصل معاملته الوحشية ضد شعبه”.

لكن ينبغي الإشادة بإدارة ترامب لإيضاحهم قضية ذات أهمية استراتيجية كبيرة. ومما يبعث على التشجيع أيضًا أن تكون أولويات السياسة الأميركية الآن واضحة بشكل عام، ومن المطمئن أن الإدارة قد تغلبت على المطالبين بعدم التدخل في سورية في الداخل. كان هذا الخبر السار، لكن الأخبار السيئة هي أن الأهداف التي حددها تيلرسون هي مجرد أهداف، ومعظمها غير واقعية إلى حد بعيد. وكما هو الحال مع أوباما الذي أعلن في عام 2011 أن على الأسد أن يرحل، لكنه رفض باستمرار المطالب باتباع نهج أكثر حزمًا. لا يوجد هناك أي مؤشر على أن فريق ترامب قد طور أو بدأ بتنفيذ استراتيجية لمواكبة أهدافه الكبرى، كما أنه لا يعتزم نشر الموارد اللازمة لتحقيقها.

بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن مكافحة الإرهاب ستكون الأولوية الأهم على الدوام، وتمثل الهزائم الفعالة التي تم تحقيقها ضد تنظيم (داعش) إنجازًا كبيرًا. وكما كانت الحملة الجوية الروسية حاسمة لإنقاذ نظام الأسد، كانت الحملة الجوية الأميركية حاسمة في القضاء على (داعش). وعلاوة على ذلك، منذ أيلول/ سبتمبر 2014 بدأ الجيش الأميركي، بدعم مجموعة من القوات المتواجدة على الأرض، تُعرف الآن باسم (قوات سورية الديمقراطية)، يهيمن عليها، من حيث عدد المقاتلين والقيادات، عناصر من (وحدات حماية الشعب) الكردية المعروفة باسم YPG. وتتألف (قوات سورية الديمقراطية) من أكثر من 50 ألف مقاتل، وتسيطر الآن على 25 بالمئة من الأراضي السورية. ومن شأن الحفاظ على وجود هذه القوات في شمال شرق سورية ومواصلة تدريبهم وتجهيزهم أن يساعد في استقرار تلك المنطقة، وهي منطقة تمتد على مساحة 45 ألف كيلومتر مربع، تُعرف بالزراعة والنفط.

من خلال السعي لتحقيق الاستقرار في شمال شرق سورية، فإن الولايات المتحدة تسير في طريقها نحو الحد من خطر عودة (داعش). ومع ذلك، فإننا بالقيام بذلك من خلال (قوات سورية الديمقراطية) نثير غضب جميع الأطراف الأخرى التي تشارك في سورية. المشكلة الأولى هي تركيا التي تعدّ (وحدات حماية الشعب) عنصرًا من عناصر جماعة كردية مسلحة تعرف باسم (حزب العمال الكردستاني)، تعدّها تركيا تهديدًا أمنيًا وطنيًا وجوديًا. وفي وقت سابق من هذا العام، عادت وكالة الاستخبارات المركزية CIA إلى وصف (وحدات حماية الشعب) بأنها الجناح السوري لـ (حزب العمال الكردستاني) الذي صنفته الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، منذ أكثر من 20 عامًا. وقد تم إدراك إحباط تركيا (المحق) على شكل اجتياحين متتاليين للشمال السوري، وكلاهما كان تحديًا جوهريًا للاستراتيجية الأميركية في شمال شرق البلاد، وتسبب في أزمة بين حليفين قديمين. واليوم تشارك (قوات سورية الديمقراطية) المدعومة من الولايات المتحدة في حرب شاملة مع عضو زميل في الـ (ناتو).

في الوقت نفسه، إن القاعدة والجماعات المماثلة تزدهر الآن في شمال غرب سورية، وفقًا لتقديراتنا الأخيرة، فإن عدد أعضاء المجموعات هناك الآن أكثر من 15000 على الجانب الآخر من البلاد، بعيدين عن القوات الأميركية في الشرق بشكل كبير. قال تيلرسون: إن الولايات المتحدة تسعى إلى هزيمة هذا التهديد، ولكن الإدارة ليس لديها استراتيجية أو وسائل للقيام بذلك. في الواقع، إن الضعف الذي نتج عن قرار إدارة ترامب إيقاف كل الدعم للجماعات المعارضة الموثوقة في منتصف عام 2017 شجّع الجهاديين على التوسع. وبخلاف تقديم بيانات بلاغية موسعة، لم تُظهر الإدارة ميلًا إلى مواجهة القاعدة بشكل فعال، في شمال غرب سورية.

وتتطرق أهداف تيلرسون الأربعة الأخرى إلى الواقع الأوسع للنزاع الذي دام قرابة 7 سنوات في سورية. واعترف الوزير بوضوح بأنه طالما بقي الأسد في السلطة؛ فإن سورية ستبقى بيئة غير مستقرة تُنتج آثارًا مقلقة وخطيرة. ومع ذلك فإن اقتراحه انسحاب القوات الأميركية البالغ عددها 1500 جندي من الشمال الشرقي، من شأنه أن “يعيد تقوية الأسد”، وهذا الكلام يعني ضمنًا أن الوجود الأميركي الصغير المناهض لـ (داعش) يهدد بقاء النظام السوري. هذا غير صحيح، لم يكن الأسد أكثر أمنًا في دمشق منذ بداية الصراع. وبشكل مماثل فإن فكرة تواجد 1500 جندي أميركي في المناطق الريفية الشمالية الشرقية سوف “يقلل من التأثير الإيراني”، تتطلب قدرًا أكبر من الخيال.

يبدو أن القضية الإيرانية هي شيء توليه إدارة ترامب قدرًا كبيرًا من الأهمية، وهم محقون في ذلك، إضافة إلى أمن حليف أميركا الأقرب في المنطقة (إسرائيل)، وشريكنا الذي لا غنى عنه الأردن. يمكن القول إن إيران هي الطرف الأكثر تأثيرًا من الجميع في سورية، وتمارس قوتها على مستقبل البلاد بقبضة حديدية بفضل قوة ميليشياتها المؤلفة من 150 ألف عنصر تحت سيطرتها هي، وليس سيطرة النظام السوري. وتسيطر إيران على القواعد العسكرية السورية، وتدير العديد من مصانع الصواريخ الباليستية، كما أن استثماراتها الاجتماعية والاقتصادية قد مكنتها من التأثير بشكل لا رجعة فيه. وتتبع إيران دليل اللعب الذي كتبته أصلًا في لبنان، وهي تتقدم في العراق، ولن تتخلى بشكل طوعي عن فرصتها الجديدة يفرض سيطرتها في سورية.

قد يكون التهديد الحاصل على (إسرائيل) هو الأكبر من أي شيء واجهته منذ عقود. وهكذا فإنه في الوقت الذي يركز العالم اهتمامه على استمرار القتال في الشمال الغربي أو مستقبل الأكراد في الشمال الشرقي، فإن أخطر منطقة في سورية على المدى الطويل قد تكون في جنوب غرب البلاد، حيث يهدد وجود إيران و(حزب الله) بخطر إثارة حرب أوسع مع (إسرائيل) في المستقبل. لعبت الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في التفاوض على صفقة تخفيف التصعيد على طول الحدود الإسرائيلية، والتي كان من الممكن أن تقلل إلى حد ما بعض هذا التهديد، ولكن الشروط التي قدمتها روسيا في النهاية لم تكن وافية قط، حتى إنها الآن بدأت بالزوال.

وقد أشادت إدارة ترامب مرارًا بأهمية مناطق تخفيف التصعيد في تهيئة الظروف لتسوية سياسية، غير أن ما لم يتم الانتباه إليه هو أن هذه المناطق قد صُممت من قبل روسيا للسماح للنظام بتحقيق مكاسب بمعدل أبطأ لكن أكثر دقة ضد المعارضة. وقد عرفت وزارة الخارجية ذلك منذ البداية، بعد أن صممت خرائطها الداخلية الخاصة بالتنبؤ بمكاسب النظام هذه في منتصف عام 2017. من خلال تقديم دعمها السياسي لمبادرة تمت بقيادة روسية، تهدف فقط إلى تعزيز موقف الأسد، فإن إدارة ترامب قد حرضت بشكل مباشر على بقاء الأسد، وتوسع إيران وتهديدها لـ (إسرائيل)، واستمرار نزوح المدنيين. وحتى بعد أن اتخذ الرئيس ترامب العام الماضي إجراءات مرحب بها لتفعيل “خط أوباما الأحمر” على استخدام الأسلحة الكيميائية، فإن النظام استمر في استخدام غاز الكلور المميت عدة مرات، كان آخرها في 22 من شهر كانون الثاني/ يناير الماضي.

قام نظام الأسد بالتهديد بأعلى صوته: “الأسد أو نحرق البلد”، ولم يتوان يومًا عن المتابعة في ذلك. ومن ناحية أخرى، أعلنت الولايات المتحدة ضرورة إزاحة الأسد منذ ما يقرب من سبع سنوات، لكنها لم تسعى البتة لتحقيق ذلك. إن الاستمرار في إعلان الأهداف الكبرى دون نشر الوسائل الضرورية لن يؤدي إلا إلى زيادة تآكل صدقية الولايات المتحدة. عندما كان حجر الزاوية في النفوذ الأميركي في سورية -علاقتنا مع (قوات سورية الديمقراطية) في الشمال الشرقي- قد أثار حربًا مع حليف من (ناتو)، نحن بحاجة إلى طرح أسئلة جدية حول طريقنا إلى الأمام. وعندما تخرج إيران من الصراع مع قدرة جديدة على تقديم السلطة ضد حلفائنا: (إسرائيل) والأردن، فقد آن الأوان لإعادة تقييم أولويات استراتيجيتنا السورية، أو أن نسأل عمّا إذا كنا بالفعل نمتلك استراتيجية على الإطلاق.

 

عنوان المقالة: Trump Has Big Plans for Syria. But He Has No Real Strategy

الكاتب: CHARLES LISTER and WILLIAM F. WECHSLER

الموقع: : https://www.politico.com

تاريخ النشر: January 30, 2018

رابط المقال: https://www.politico.com/magazine/story/2018/01/30/donald-trump-syria-strategy-216551

مقالات ذات صلة

إغلاق