تحقيقات وتقارير سياسية

القوة الرديفة للأسد

 

لم تكن سورية التي تعيش فاشية الأسد والمحتلين الروس والإيرانيين، بحاجة إلى أكثر من تلك التعريفات المؤطرة في خطاب الثقافة الرديفة لتكريس صورة المنتمين إليها من قوى رديفة. عند ممارسة كل أشكال الوحشية على أجساد السوريين؛ كانت تقفز ثقافة رديفة لا تقل “بطولة”، تتمثل في طوابير المنتظرين فرصة تمجيد بسطار الطغاة على الأرض السورية، بعزف لحن التغني بعصابات طهران وموسكو.

الأخبار الأخيرة الواردة من الغوطة، بفجاعتها ووحشيتها، هي مناسبة التطرق إلى ثقافة رديفة، تفرض مجددًا أن نعود إلى تناول مجموعة من المواقف الرديفة التي تنتهك الكرامة الإنسانية والوطنية، ربما فرض السياق الموالي لسلطة القتل والإجرام في دمشق، تعري كل المواقف بالبحث عن القوة الرديفة التي تجعل فاشي دمشق منتصبًا على أدوات قمع السوريين، ليست أسلحة موسكو وطهران وعصاباتهم المستوردة وحدها التي ترفد بطش النظام، بل ثقافة مختلفة تقوم على رفع شأن الإجرام وقادته إلى مراتب الـتأليه، بالطبع من يحمل على عاتقه هذا الرفع ينتمي إلى “حركة تحرر وطني”، يفترض أنها تقاوم ظلم وجور المحتل، أو كما تدعي في بوصلتها التائهة.

“حماة الديار عليكم صباح” هو عنوان مقال في صحيفة لبنانية ممولة من مخابرات الأسد، كتبه من رام الله رئيس تحرير سابق لمجلة أسسها الراحل غسان كنفاني، يقوم فيها “مثقف الحذاء اليساري” بتمجيد أحذية غزاة ديار السوريين، ليس غريبًا -والحال هذه- أن نعود لتناول تلك الثقافة التي يطلق الأسد على عسكرها “قوات رديفة”، وعلى خطها السياسي والثقافي نستطيع أن نطلق مصطلح “الثقافة الرديفة” التي تعمل على تعزيز فاشية الأسد وحلفائه، بلغة قريبة من التمجيد والتفخيم المتكلس، أتقن بعضها ظهوره على إعلام رديف يقترب من الركاكة، واختصر البعض البعد الاستعمالي لعبارات فلسطين والأمة والشعب والإمبريالية والصهيونية، لتكون رديفة لمواجهة من تمرّد على الطاغية ودفع ثمنًا يخجل منه رُدفاء الفاشية.

بيد أن ما وصلت إليه قوة النظام الفاشية، في كل ميادين سورية، تطرح أسئلة لا توجد في كتب وثقافة متوارثة، حتى يصر البعض على الهروب للأمام من هول كوارث السوريين، بسبب وحشية القوة الرديفة، وتخلي أصحاب الفكر النضالي والثوري، في مفارقة مؤسسية، عن كل ما حملوه لعقود طويلة، ورموه أمام أول امتحان في درس الثورة السورية، يُشكك أصحابها في نصف مليون سوري محاصر أو قتيل، وإنكار المهجرين وتفنيد روايات المعذبين. تشكيك بجدوى الثورة من ألفها إلى يائها فضلًا عن نعتها بالمؤامرة، لا نتحدث عن ماكينة نظام تدفع قوته الإنكارية إلى الانقضاض على المجتمع السوري، بل عن قوة رديفة تطوعت لتحمل راية الإنكار المستمر والدعم القوي للقاتل، هم “تنويريون”، بشروط تحتكم إلى أحذية غزاة ديار السوريين، يقول أحدهم على شاشة التلفاز وهو تنويري: “يجب أن لا يُسمح لأي شخص بالخروج من الغوطة، ويجب القضاء على كل مَن فيها، لأنهم حواضن للإرهاب”.

القوات “الرديفة” للنظام السوري ليست محصورة بـ “الفاطميون والزينبيون والحيدريون”، ومختلف الأحزاب الطائفية وحملة السواطير والرايات السوداء، بل بحملة الثقافة الرديفة الممجدة لعمليات القتل والدمار التي تقوم بها، الثقافة الرديفة هي قوة الأسد المزودة بخبرات وحماية ثقافية منتمية إلى “حركات تحرر” فاشلة وعاجزة عن تجسير الهوة بينها وبين شارعها، تعمل على تخريس ضحايا السفاح، في زمنين مختلفين وتاريخين لا متكافئين، بين نصرة الطاغية والادعاء بمقاومة المحتل، فهذا “القد” الذي تمجده اختُرق بملايين المتناقضات، أما حليف الثائرين والمعذبين تحت حكم المحتل والطاغية، فهو قوة ستبقى كاشفة لكل هذه المزاعم ومقاومة لها.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق